في الذكرى الثامنة لثورة الياسمين، تقدمت تونس بمراكز معتبرة في الترتيب السنوي للديمقراطيات حول العالم وهو الأمر الذي يؤكد بأن الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي نجحت في إرساء قواعد حقيقية للديمقراطية وأن الشعب التونسي تخلّص بشكل كبير وإن لم يكن نهائي أو كلي من رواسب الديكتاتورية والتسلّط الأرعن الذي لطالما عانى من تداعياته منذ الإستقلال.
بقلم عمّـار قـردود
ووفقًا للتقرير المعني “بدا أن الربيع العربي ، الذي بدأ في أواخر عام 2010، ربما تبشر بفترة من التحول السياسي مماثلة لتلك في أوروبا الشرقية في 1990. ومع ذلك،فقط تونس عززت أي مكاسب ديمقراطية ، و صنفت ضمن مؤشر الديمقراطية المعيبة في عام 2014”.
فقد جاءت تونس في المركز 63 عالميًا من بين 167 دولة في مؤشر الديمقراطية لسنة 2018، الذي أعدته مجموعة الإيكونوميست البريطانية، وتم نشره أمس الإربعاء 9 جانفي 2019. مسجلة تقدمًا بـــ6 مراكز كاملة مقارنة بالمركز 69 عالميًا الذي إحتلته في تصنيف سنة 2017.
وتضمن تقرير “مؤشر الديمقراطية في العالم” لسنة 2018 عدداً من المؤشرات التي تم تدارسها وتصنيف تونس وفقها، حيت جاءت تونس في المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – أي عربيًا و مغاربيًا – بنتيجة إجمالية 6.41 نقطة، وبإحتساب إسرائيل تحتل تونس المركز الثاني في منطقة المينا (Mena)، وفي المسار الإنتخابي و التعددية تحصلت على 6.42 نقطة، وفي تسيير الحكومة 5.71 نقطة، وفي المشاركة السياسية 7.78 نقطة، و في الثقافة السياسية 6.25 نقطة، وفي الحريات المدنية 5.88 نقطة.
ورسم التقرير السنوي الصادر عن عن وحدة “إيكونوميست إنتيليجانس” البحثية التابعة لمجلة “إيكونوميست” البريطانية صورة قاتمة عن حالة الديمقراطية، في العديد من الدول العربية، وباستثناء تونس التي جاءت في الريادة عربيًا، تشير نتائج التقرير إلى أن باقي الدول العربية تعيش حالة متدهورة في المناخ الديمقراطي.
ويشمل التقرير 167 دولة من دول العالم، وهو يصنف الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم، ضمن أربعة تصنيفات هي الديمقراطيات الكاملة، والديمقراطيات المعيبة، والأنظمة الهجينة بين الديمقراطية والديكتاتورية، ثم الأنظمة الدكتاتورية.
و إعتبر التقرير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المينا) بأنها “لا تزال أفقر المناطق أداءً في مؤشر الديمقراطية عبر العالم. ومع ذلك، و بعد الإضطرابات السياسية والإجتماعية في وقت سابق من هذا العقد، شهد عام 2018 تقدمًا طفيفًا للمنطقة في مؤشر الديمقراطية، مع متوسط درجة تقريبًا دون تغيير و معظم الدول التي تسجل تغييرات هامشية في النقاط ؛ فقط المغرب واليمن وليبيا (التي شهدت التدهور) وتونس (التي سجلت تحسنًا)”.
وبحسب ذات التقرير فإن “ثورة الربيع العربي في أوائل عام 2010 كان لها تداعيات عميقة، مع الإستحواذ على السلطة من قبل الأنظمة الاستبدادية أو الهجينة في جميع البلدان باستثناء دولة واحدة (تونس) – بينما يستمر الآخرون في الغرق في الصراع، بما في ذلك سوريا واليمن وليبيا”.
و أوضح التقرير”جعل الربيع العربي مواطني العديد من البلدان مترددين في السعي لتغيير سياسي جذري. ومع ذلك، في حين أن العملية الإنتخابية بشكل متزايد ينظر إليها بازدراء، حتى في البلدان القليلة في المنطقة حيث الإنتخابات على الأقل ذات مغزى إلى حد ما، كانت هناك زيادة ملحوظة خلال العام الماضي في الإستعداد العام للانخراط في الإحتجاجات العامة، سواء من خلال الوسائل التقليدية، وبشكل متزايد، استخدام وسائل التواصل الإجتماعي و أدوات أخرى”.
تونس و إسرائيل الأكثر ديمقراطية في المنطقة العربية
أفاد التقرير بأن تونس و إسرائيل هما الدولتان الوحيدتان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تصنفان على أنها ديمقراطيات من أي نوع، على الرغم من أن كليهما “معيبة” وليست ديمقراطيات كاملة. فيما الـــ 18 دولة المتبقية في منطقة “المينا” هي إما أنظمة هجينة أو أنظمة استبدادية، فسوريا واليمن، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وليبيا والبحرين كلها في أسفل 20 دولة من التصنيف العالمي. وبصرف النظر عن إسرائيل وتونس، كل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم تصنيفها من 100 أو أقل في مؤشر الديمقراطية.
مغاربيًا جاءت تونس الأولى يليها المغرب في المركز 100 عالميًا والجزائر في المركز 126 عالميًا وفي المرتبة التاسعة في شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. وحصلت الجزائر على 2.58 نقطة في “العملية الانتخابية”، و 2.21 في “أداء الحكومة”، و 3.89 في “المشاركة السياسية”، و 5 في “الثقافة السياسية”، و3.82 على مستوى “الحريات المدنية”.
20 دولة فقط لديها نظام ديمقراطي في العالم
وفي الدراسة نجد 20 دولة فقط لديها نظام ديمقراطي في العالم، وتأتي في قمة الترتيب النرويج ، (9.87 نقطة) ، أيسلندا (9.58) ، السويد (9.39) ، نيوزيلندا (9،26) ، الدنمارك (9،22) ، كندا (9،15) ، أيرلندا (9،15) ، فنلندا (9،14) ، أستراليا (9،09).ونجد إيطاليا في المرتبة الثالثة والثلاثين (-11 مكاناً بسبب الحكومة اليمينية المتطرفة) ، وفرنسا “بديمقراطية ناقصة”.
ماهو مؤشر الديمقراطية؟
ومؤشر الديمقراطية هو مؤشر أعدته وحدة الاستخبارات الاقتصادية تتبع قطاع الأعمال الخاصة لقياس حالة الديمقراطية في 167 بلداً، منها 166 دولة ذات سيادة و165 عضو في الأمم المتحدة. وتستند وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مؤشر الديمقراطية على 60 مؤشر مجمعين في خمس فئات مختلفة: العملية الانتخابية والتعددية والحريات المدنية وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية والثقافة السياسية. وقُدم هذا المؤشر لأول مرة في عام 2006، كما صنعت له قوائم جديدة في الأعوام 2008 و2010 و2011.ويستند المؤشر على مقياس يتدرج من صفر إلى 10 ويرتكز على معايير عدة مثل الحريات المدنية والعملية الانتخابية والتعددية والأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية.
ومؤشر الديمقراطية هو نوع من المتوسطات المرجحة المحسوبة على أساس الإجابات لستين (60) سؤالاً، حيث يكون لكل سؤال من تلك الأسئلة بديلان أو ثلاثة من الإجابات المسموح بها. معظم الإجابات على تلك الأسئلة تكون “تقييمات لخبراء”؛ ولكن التقرير لا يبين أي أنواع الخبراء هم من قاموا بالإجابة، ولا عددهم، ولا فيما إذا كان الخبراء هم من موظفي وحدة الاستخبارات الاقتصادية أو العلماء المستقلين، ولا جنسيات الخبراء. بعض هذه الإجابات تُقدم من خلال استطلاعات للرأي العام في البلدان المعنية. في حالة البلدان التي لا توجد لها نتائج مبنية على الاستطلاعات، يتم استخدام نتائج الاستطلاعات لدول مماثلة وتقييمات الخبراء من أجل سد الثغرات في التقرير.
ويتم توزيع الأسئلة في التقرير على الفئات الخمس المذكورة أعلاه. وتتم ترجمة كل إجابة على سؤال من الأسئلة إلى علامة، إما 0 أو 1، أما بالنسبة للأسئلة ذات البدائل الثلاث للإجابة فتضاف، 0.5. وعلى ما يبدو، يتم جمع مجموع الأرقام لكل فئة على حدة، ويتم ضربه في عشرة، وقسمته على العدد الكلي للأسئلة التي تضمها تلك الفئة مع اعتبار الإستثناءات المذكورة أدناه. هناك عدد قليل من “التبعيات التعديلية”، والتي يتم شرحها على نحو أكثر دقة في التقرير من الإجراءات المتبعة كقاعدة رئيسية في الدراسة. في حالات قليلة، كان الجواب بصفر على سؤال واحد يلغى سؤالاً آخر، على سبيل المثال، إذا كانت الانتخابات للبرلمان ورئاسة الحكومة لا تعتبر حرة (كإجابة للسؤال الأول)، فإن السؤال التالي: هل الإنتخابات نزيهة… ؟ لا يتم أخذه في الإعتبار، ولكن يتم وضع علامة صفر تلقائياً كإجابة على ذلك السؤال. وبالمثل، هناك بعض الأسئلة التي تعتبر أسئلة هامة بحيث أن أي إجابة لها بدرجة منخفضة ينتج عنها عقوبة على مجموع الدرجات الكلية للفئة المعنية كلها، وهي كالآتي: “انتخابات شعبية حرة ونزيهة على حد سواء”، “أمن الناخبين”، “تأثير القوى الخارجية على الحكومة”، “قدرة موظفي الخدمة العامة على تنفيذ السياسات”.
ثم يتم حساب المتوسط لمؤشرات الفئات الخمس، والتي يتم تسجيلها كلها في التقرير، لإيجاد مؤشر الديمقراطية الخاص ببلد معين. وأخيراً، فإن مؤشر الديمقراطية، يتم تقريبه لرقم عشري واحد، يقرر تصنيف البلاد المعنية، وفقاً لما ورد في التقرير:
الديمقراطيات الكاملة — تسجل مؤشرات من 8 إلى 10.
الديمقراطيات المعيبة — تسجل مؤشرات من 6 إلى 7.9.
الأنظمة الهجينة — تسجل مؤشرات من 4 إلى 5.9.
الأنظمة السلطوية — تسجل مؤشرات من 0 إلى 3.9.
ويناقش التقرير مؤشرات أخرى للديمقراطية، كما يُعرفها بيت الحرية، على سبيل المثال، الذي يجادل في بعض الخيارات التي قام باختيارها فريق وحدة الاستخبارات الاقتصادية. في تلك المقارنة بين المؤشرات، وُضع تشديد أعلى على الرأي العام والسلوك داخل البلد، الذي تقيسه الاستطلاعات العامة، ولكن من ناحية أخرى، لم يتم أخذ المتوسط المرجح لمستوى المعيشة الاقتصادي في التقرير كأحد معايير الديمقراطية (كما فعل بعض المحققين الآخرين فيما يبدو).
ويستشهد بهذا التقرير على نطاق واسع في الصحافة الدولية، كما يرد ذكره كذلك في المجلات الأكاديمية المراجعة بواسطة نظراء في نفس المجال.
شارك رأيك