مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في تونس وبداية العد التنازلي لإجرائها في أواخر هذا العام، طفت على السطح توجهات توحي بإمكانية ترشح زعيم حركة النهضة الإسلامية الشيخ راشد الغنوشي لهذا الإستحقاق الإنتخابي الهام.
بقلم عمّـار قـردود
فقد قال القيادي البارز بحركة النهضة ووزير الصحة التونسي الأسبق، عبداللطيف المكي، في تصريح للإذاعة الوطنية، أمس الخميس، إن “رئيس الحركة الإسلامية راشد الغنوشي هو المرشّح الطبيعي للحركة للانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك حسب ما يمليه القانون الأساسي للحركة”.
وأوضح المكي أنّه “في صورة عدم رغبة رئيس الحركة في الترشح، فإنه يقترح مرشّحًا آخر، ويقوم مجلس الشورى بوصفه أعلى سلطة في الحزب، بتزكيته”، مضيفًا أن “حركة النهضة، من منطلق سياسي، معنيّة جدًا بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وتريد أن تكون لها بصمة وتأثير في هذا الاستحقاق، سواء رشّحت أحد أبنائها أو رشّحت حليفًا من خارج الحركة”.
إختلاف حادة في وُجهات النظر حول مرشح النهضة للإستحقاق الرئاسي المرتقب
وأشار المكي، إلى أن قيادات النهضة لم تتخذ قرارًا رسميًا بعد وأن الأمر ما يزال في بدايته، وأكد وجود اختلاف في وُجهات النظر بين قيادات الحركة حول هل تدعم النهضة التونسية مرشحًا آخر أم تعمد لترشيح رئيسيها راشد الغنوشي.
وقبل ذلك إعتبر القيادي البارز بحركة النهضة الإسلامية، محمد بن سالم أنّه “ليس من مصلحة البلاد والنهضة ترشح راشد الغنوشي للرئاسة”.وقال بن سالم في تصريحات سابقة: “إذا قرر الترشح، لن نوافق على ذلك، والنهضة مستعدة لمرحلة ما بعد الغنوشي، هذا مستحيل”.
و في جوان 2018،اعتبر الناطق باسم الحركة عماد الخميري أن رئيس الحركة راشد الغنوشي “معني” بالانتخابات الرئاسية ، مشيرًا إلى أن الغنوشي يمتلك جميع الإمكانيات لشغل هذا المنصب. لكن الخميري استدرك في تصريح صحافي لاحق بقوله إن النهضة لم تحسم رسميًا اسم مرشحها للانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى أن الغنوشي يشكل “نظريًا” المرشّح الأبرز للحركة لشغل منصب الرئاسة، فيما أكد النائب والقيادي في حركة النهضة سمير ديلو أنه من المبكر جدّا الإعلان عن مرشح الحركة للانتخابات الرئاسية المُقبلة، مفنّدا الأخبار الرائجة حول وجود اتفاق على ترشيح الغنوشي لهذه الانتخابات.
و في أوت 2017، اعتبر رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، أن “الغنوشي له من الكفاءة والوطنية ما يخولانه الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، لكن مؤسسات الحركة لم تخض في هذه الإمكانية حتى الآن”، مؤكداً أن “الأمر سابق لأوانه”. وأكّد الهاروني، أنّ “هذه فرضية قانونية، لأن القانون الأساسي للنهضة ينص على حق رئيس الحركة بالترشح للانتخابات، أو لمن يقترحه من الشخصيات، وتتم تزكيته من طرف مجلس الشورى”.
فيما إعتبر القيادي في الحركة، سمير ديلو، أن “الغنوشي لم يعلن عن ترشحه للرئاسة في 2019 لأنه لا يمكن أن يعلن رئيس حركة النهضة عن فكرة لم تطرح في اجتماعات الحركة وفي أعلى مؤسساتها، وسياستنا داخل النهضة لا تدار بهذه الطريقة”. وأضاف ديلو، أن “ترشح الغنوشي لرئاسة الجمهورية في 2019 لم يُطرح داخل مؤسسات الحركة ولم يُناقش هذا الأمر. وبرغم أنه يحتل موقعاً مهماً في الحركة، باعتباره أحد مؤسسيها ومنظريها، فإن هذا لا يعني موافقة كل أبناء الحركة على ترشحه للرئاسة إذا قرر ذلك”. ورجّح “عدم منافسة النهضة على موقع رئاسة الجمهورية، ولن ترشّح أي شخص إلى هذا المنصب، سواء كان الغنوشي أو غيره”.
هذه التصريحات و المواقف المتناقضة والمتباينة لا تصبّ حتمًا في مصلحة الحركة و قد تكون سبيلاً لتأزيم الأوضاع داخلها قد تنتهي بإنفجار وشيك، خاصة في ظل الحديث عن شروع قياديين بارزين بالحركة في التحضير للإطاحة بالغنوشي من على رأس النهضة في إنقلاب أبيض يفضي إلى تحييده و تنصيب زعيم جديد يساهم في ضخ دماء جديدة في الحركة قد تنتج أفكارًا ورؤى تتناسب و العهد الجديد.
و بحسب مراقبين للشأن المحلي التونسي لــ”أنباء تونس” فإن هناك عدة أسباب موضوعية ومنطقية تفرض على الغنوشي عدم الترشح لرئاسة تونس وخلافة الرئيس الباجي قايد السبسي على رأسها الحديث عن تورط النهضة في الإرهاب والإغتيالات السياسية في البلاد من خلال بروز جهازها السري إلى العلن وكشف مكائدها، كما أن طبيعة المجتمع التونسي المتفتح و المتحرر تتناقض و توجهات الحركة ذات التوجه الإسلامي المعتدل.
ويعتقد ذات المراقبين بأن الغنوشي الذي أثبت مهارته وبراعته في قيادة الحركة في ظرف زمني حرج وجد حساس في تونس لما بعد ثورة الياسمين لا يعني أنه سيكون رئيسًا مقتدرًا لتونس وأنه بإمكانه قيادة البلاد إلى بر الأمان. لأنه شتان بين قيادة الحزب و قيادة الدولة برمتها.
الغنوشي إستبعد ترشحه للإنتخابات الرئاسية في حال ترشح لها الرئيس السبسي
و كان زعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي قد إستبعد، في ماي 2018، الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة أواخر السنة الجارية 2019 في تونس إذا ما قرّر الرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي الترشّح لفترة رئاسية ثانية، مؤكّدا أنّه “لا يرى نفسه مرشّحًا ضد السبسي ولا منافسًا له”.
وتابع الغنّوشي في حوار له، آنذاك، مع صحيفة “الشروق” التونسية، أنّ البلاد “ليست في حالة فراغ وأمامها سنتان”، في إشارة إلى الإستحقاق الانتخابي الرئاسي في 2019، لافتا إلى أنّه سيتمّ التداول في ملف مرشّح الرئاسية، داخل هياكل حركة النهضة بعد الانتخابات البلدية التي جرت العام الماضي وحلّت تونس في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس.
وأشار الغنّوشي إلى أنّ النظام الداخلي للنهضة يقرّ بأنّ رئيس الحركة هو مرشحها الطبيعي، “ولكن تنزيله في الواقع ليس آليًا، والترشح للرئاسة أمر تتداخل فيه معطيات عديدة منها طبعا ما هو وطني، ولكن هناك أيضا ما هو إقليمي ودولي، تنزيل هذا المبدأ له حسابات الزمان والمكان”.
وكان الغنوشي أكد في وقت سابق أن النهضة ستشارك في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، ولن تتخذ موقفًا محايدًا كما في عام 2014، مضيفًا: “سوف ندعم مرشحًا محددًا. أما في ما يتعلق بوجود منافس خاص بنا، فسوف نقرر ذلك داخلياً بعد التشاور مع الأطراف الصديقة”.
الخلافات الحادة و عدم التوافق على مرشح بالإجماع بالنهضة قد يُعيد سيناريو 2014
و بحسب مختصين فإن عدم حسم حركة النهضة حتى الآن على الأقل موقفها من ترشيح شخصية محددة لتمثيلها في الإنتخابات الرئاسية القررة قبل نهاية العام الجاري وتوافقها على مرشح ما بالإجماع و دعمه قد يضع النهضة في موقف حرج لا تُحسد عليه، ما قد يُعيد سيناريو 2014 الذي أرغم النهضة على إتخاذ موقف محايد وعدم مشاركتها في رئاسيات 2014 التي فاز بها الرئيس السبسي.
فالخلافات الحادة بين قياديي الحركة قد تتسبب في عدم التوافق، تمامًا مثلما حدث في 2014، عندما كانت قيادات وقواعد في النهضة ترغب في أن ترشح الحركة شخصاً من داخلها، وتقدم لذلك رئيس الحكومة التونسية الأسبق، حمادي الجبالي، لكن الغنوشي رفض هذا الأمر، ما قاد إلى استقالة الجبالي من الحركة. وانقسمت آراء النهضويين أيضاً بشأن دعم الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، من عدمه، و هو ما يوحي بأن سيناريو 2014 سيتكرر هذه السنة.
شارك رأيك