أثارت الزيارات التي أداها ويؤديها بعض كبار مسؤولي النظام السابق ورموزه الأكثر “عداوة” للتنظيمات الإسلامية إلى مقر حركة النهضة في مونبليزير وأماكن أخرى للإلتقاء بالشيخ راشد الغنوشي وجماعته، ردود فعل متعددة ومتباينة وأحيانا صاخبة وعاصفة.
بقلم مصطفى عطية *
وقد تزامنت هذه الزيارات، التي وظفها إعلام حركة النهضة أحسن توظيف، بتأكيده في كل مرة على “إنها جاءت بطلب من أولئك المسؤولين القدامى”، مع أحداث داخلية وخارجية هامة جدا، كمواصلة ٱحتقان الوضع الإجتماعي وٱشتداد الصراع بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل وتهديد هذا الأخير بمزيد التصعيد بعد الإضراب العام، وتواصل “التنافر” بين قصري قرطاج والقصبة وسقوط مجلس نواب الشعب في حضيض العار بالإضافة إلى تغير الأوضاع في المنطقة والعالم بعد الضغوطات الأمريكية والأوروبية الأخيرة على الحركات الإسلامية والبلدان الداعمة لها وزحف اليمين المعادي للإسلام في أوروبا وتفكك مجلس التعاون الخليجي وخروج الحرب في اليمن عن السيطرة وظهور تحالفات جديدة في المنطقة.
حركة النهضة أصبحت في مرمى الإستهداف
تشير كل التغييرات الخارجية التي ذكرناها إلى أن حركة النهضة أصبحت في مرمى الإستهداف، وهي مدعوة، منطقيا وموضوعيا، إلى إعادة النظر في ميثاقها التأسيسي وخطابها الرسمي وسياساتها ومواقفها وتحالفاتها لتجنب كل ما يهدد وجودها، وكان من المنتظر أن تبادر بمد يدها إلى خصومها التاريخيين لكسر الحصار الذي اشتد حولها، شأنها في ذلك شأن كل الحركات الإسلامية في العالم والمنبثقة بالخصوص عن تنظيم الإخوان المسلمين، بعد ٱرتباك المواقف التركية والقطرية الداعمة لها، لكن الذي حدث هو العكس تماما إذ كثف مسؤولو النظام السابق من طلبات الإلتقاء براشد الغنوشي وكبار أعضاء حركته والتقرب إليهم بطرق إستفزت الكثير من الدساترة والتجمعيين الملتزمين بالبقاء على العهد، لما في تلك الطرق والأساليب من تملق وٱستعطاف وٱنبطاح لا تليق بمن كانوا يتباهون طيلة عقدين وثلث العقد من الزمان بمحاربتهم للإسلاميين.
إن كل التبريرات التي قدمها “حجيج مونبليزير” من مسؤولي ورموز النظام السابق غير مقنعة لدى أغلب الدساترة والبورقيبيين والتجمعيين، وهي تصب في تلك المعاني المهينة التي يتضمنها القول المأثور “رب عذر أقبح من ذنب” !!!
مواجهة التغييرات الإقليمية والدولية وتداعياتها عاى الحركة الإسلامية
لقد وجدت حركة النهضة في هذا ” الحج” إلى أماكنها فرصة لا تعوض لتأكيد انها كانت ضحية النظام السابق بمرحلتيه البورقيبية والنوفمبرية، وذلك بشهادة أهله المهرولين لطلب صفحها ! وهي بذلك تكسب من جهتين، جهة “الضحية” المعترف بها من “جلاديها”، وجهة القوة النافذة التي أصبحت عليها والتي جعلت خصومها يأتونها صائغين طلبا لعفوها ! لذلك عملت على توظيف تلك الزيارات بشكل يصب في الإتجاهين الذين ذكرناهما وذلك تمهيدا لمواجهة التغييرات الإقليمية والدولية وتداعياتها على الأوضاع الداخلية من موقع قوة .
أكدنا في العديد من التحاليل السابقة ان حركة النهضة تحسن إستغلال الفرص وتوظيفها لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها، وتجيد المناورة كلما تكثفت عليها الضغوطات من الداخل أو الخارج، وقد كسبت، مع مرور الوقت، الكثير من الخبرة في إدارة الأزمات ومعالجتها بما يحمي نفوذها ويثبت موقعها في الساحة، في حين إنزلق خصومها في منحدرات التفتت والتشرذم وٱنعدام الرؤية والإنتهازية.
لا يعني هذا أن حركة النهضة قوية ومتماسكة وذات قدرة على السيطرة على المشهد السياسي، وإنما ضعف خصومها سواء الدساترة والتجمعيين أو اليساريين واللائكيين وحاملي قبعات “الحداثيين” هو الذي دفعها إلى إيهام الداخل والخارج بأنها “قوية” و”فاعلة ” و”مؤثرة”.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : الإضراب العام في تونس بين الإفلاس السياسي و”التوحش” المطلبي
للتأمل فقط : الترحال البرلماني و” البداوة ” السياسية في تونس
شارك رأيك