حسب منظمة هيومن رايتس ووتش حظيت حرية التعبير في تونس في 2018 بالإحترام بشكل عام، و “تمكنت المؤسسات الإعلامية المستقلة من العمل بحرية” إلا أن تونس “توقفت عن إصلاح القوانين القمعية وإنشاء المؤسسات الرئيسية لحماية حقوق الإنسان” كما أن “السلطات استمرت في محاكمة التعبير الذي تعتبره تعديًا على “الآداب العامة” أو “الأخلاق الحميدة”.
بقلم عمّـار قـردود
نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، الخميس الماضي، تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في العالم لسنة 2019، والذي قدمت فيه صورة شاملة عن التدابير التي اتخذتها دول المعمورة من أجل ترقية حقوق الإنسان، وتقييما للوضع الحقوقي في كل بلد على حدة.
وتطرق التقرير لوضعية حقوق الإنسان في تونس بالتفصيل، وأورد بأنه و بالرغم من أن “حرية التعبير حظيت بالإحترام بشكل عام، وتمكنت المؤسسات الإعلامية المستقلة من العمل بحرية” إلا أن تونس “توقفت تونس في 2018 عن إصلاح القوانين القمعية وإنشاء المؤسسات الرئيسية لحماية حقوق الإنسان” و أن ” السلطات استمرت في محاكمة التعبير الذي تعتبره تعديًا على “الآداب العامة” أو “الأخلاق الحميدة”.
كما تم في أكتوبر 2018 تمديد حالة الطوارئ لشهر، بعد أن أُعلنت في نوفمبر 2015 على إثر هجوم أودى بحياة عناصر من الحرس الرئاسي. و قد استخدمت السلطات حالة الطوارئ لفرض إقامة جبرية على مئات الأشخاص المتهمين بتهديد أمن الدولة”.
قانون حالة الطوارىء وتأثيره على الحريات
وفي هذا الصدد، ذكّرت المنظمة بالحكم بالسجن على النائب بالبرلمان ياسين العياري 3 أشهر بسبب تعليق على فيسبوك انتقد فيه الجيش. كما نال العياري في 27 مارس الماضي حكمًا بالسجن 16 يومًا بسبب تدوينة أخرى. و في 1 نوفمبر الماضي، شددت “محكمة الاستئناف العسكرية” هذه العقوبة فصارت 3 أشهر. لم تُنفذ العقوبة، ولم يُسجن العياري حتى الآن.
و في 13 سبتمبر 2018، قضت محكمة ابتدائية في بن عروس بسجن المدونة أمينة منصور شهرين مع وقف التنفيذ بسبب تعليق على فيسبوك قالت فيه إن الحرب على الفساد التي أعلنها رئيس الحكومة مزيفة. وصدر هذا الحكم ضدها بموجب الفصل 86 من “مجلة الإتصالات” الذي يجرم “تعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”، والفصل 128 من المجلة الجزائية الذي يجرم التشهير بالموظفين العموميين.
و أشار التقرير المعني إلى أن الشرطة التونسية اعتدت على الموقوفين خلال مختلف الإحتجاجات بالضرب، وحرمتهم من حقهم في الإتصال بمحام بموجب القانون التونسي. كما اعتقلت الشرطة بعض الأشخاص واحتجزتهم لفترات بلغت يومين بسبب تدوينات أو توزيع مناشير فيها انتقادات سلمية لسياسات الحكومة وتدعو لتحقيق العدالة الاجتماعية. عبر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات عن قلقه بشأن التقارير المتعلقة بالاعتقال التعسفي واستخدام القوة بشكل غير متناسب أثناء الإحتجاجات.
كما “اعتمد البرلمان في 27 جويلية 2018 قانونًا جديدًا أنشأ “السجل الوطني للمؤسسات”، وفيه تجاوز لـ “المرسوم عدد 88” لسنة 2011 الذي حرر الإطار القانوني المنظم للجمعيات. بموجب القانون الجديد، يتوجب على أي جمعية الحصول على “وصل تسجيل”، وهو وثيقة يتعين على الحكومة إصدارها للجمعية عند تقديم نظامها الأساسي ووثائقها التأسيسية.
وخلافًا للمرسوم 88، الذي ينص على افتراض استلام الوصل إن لم ترد الحكومة في غضون 30 يومًا، لا ينص القانون الجديد على التسجيل التلقائي عندما لا تصدر الحكومة وصل التسجيل، ما يجعل الاعتراف القانوني بالجمعية مرتبطا بحسن نية الإدارة.
في تقرير صدر في ديسمبر 2017، صنف “فريق الإجراءات المالية الدولية” تونس ضمن الدول المقصرة في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. أوصى هذا الفريق بفرض مزيد من الشفافية على القطاع غير الربحي. يُعتقد أن القانون المنشئ للسجل الوطني جاء في جزء منه استجابة لتوصيات فريق الإجراءات المالية الدولية”.
البرلمان التونسي مُتهم بتقويض مسار العدالة الإنتقالية
و عن العدالة الإنتقالية في تونس مثلما وصفها التقرير قال: “اعتمدت تونس في 2013 قانونًا بشأن جرائم الماضي، تضمن إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة التي من صلاحياتها التحقيق في جميع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بين 1955 و2013، ومحاسبة أعمال التعذيب والإخفاء القسري وغيرهما من انتهاكات الماضي. استلمت الهيئة أكثر من 62 ألف تظلم وعقدت جلسات سرية في أكثر من 50 ألف منها.
و أشار التقرير بأصابع الإتهام صراحة إلى البرلمان التونسي وتسببه في تقويض مشار العدالة الإنتقالية “بالتصويت على عدم السماح لهيئة الحقيقة والكرامة بتمديد مهامها لمدة سنة، وهو إحدى صلاحياتها. ينص “القانون الخاص بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها” على أن تحيل الهيئة الجرائم الخطيرة إلى دوائر جزائية متخصصة ستُنشأ ضمن منظومة المحاكم في البلاد “للنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، [ومنها] القتل العمد، الاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، التعذيب، الاختفاء القسري، الإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة”.
و في 29 ماي 2018، انطلقت أول محاكمة لانتهاكات الماضي في دائرة جزائية متخصصة بمدينة قابس. ارتبطت المحاكمة بالإختفاء القسري لكمال المطماطي، ناشط إسلامي اعتقلته الشرطة في 1991. كما أحالت الهيئة 16 ملفًا آخر لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إلى الدوائر الجزائية المتخصصة، منها ملفات تعذيب واختفاء قسري واعتقالات تعسفية. حتى نوفمبر، لم تصدر أي أحكام في هذه الملفات.
المنظمة تنوه بإتجاه تونس نحو إلغاء تجريم “اللواط” و قوانين الأخلاق و عقوبة الإعدام
و أفاد التقرير أنه “في 6 ماي 2018، أجرت تونس أول انتخابات بلدية بعد الإنتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المستبد زين العابدين بن علي في 2011. جاءت القوائم المستقلة في المرتبة الأولى وطنيا، وبعدها قوائم حزب حركة النهضة، الحزب الإسلامي الرئيسي. وفي 12 جوان 2018، أصدرت لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي عينها الرئيس الباجي قائد السبسي، تقريرًا أوصت فيه بإلغاء تجريم اللواط”،حيث أنه و “رغم قبول تونس بتوصية تتعلق بالقضاء على اختبارات الفحص الشرجي الفاقدة للمصداقية التي تطلبها الشرطة لإثبات السلوك الجنسي المثلي أثناء الاستعراض الدوري الشامل لتونس في مجلس حقوق الإنسان، لم تتخذ الحكومة بعد أي خطوات لتنفيذ ما تعهدت به. واستمرت السلطات في محاكمة وسجن مثليين مفترضين بموجب الفصل 230 من المجلة الجزائية الذي ينص على عقوبة تصل إلى 3 سنوات سجنًا لتهمة اللواط.”
تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وإلغاء قوانين الأخلاق وعقوبة الإعدام
أيد الرئيس بشكل علني التوصية المتعلقة بالمساواة القانونية في الميراث، لكنه التزم الصمت تجاه التوصيات الأخرى”.
كما تحدث التقرير عن عراقيل تعطيل المحكمة الدستورية موضحًا: “بسبب عدم قيام البرلمان بانتخاب حصته من أعضاء المحكمة الدستورية، لم تتمكن هذه المحكمة من الاضطلاع بوظائفها المنصوص عليها في الدستور والمتمثلة في التدقيق في القوانين غير المتلائمة مع معايير حقوق الإنسان وإسقاطها. كما توجد هيئات دستورية أخرى لم ترَ النور بعد، ومنها الهيئة العليا لحقوق الإنسان والهيئة العليا للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد”.
و أثنى التقرير مقابل ذلك عن السلطات التونسية التي حققت تقدمًا في ملاءمة التشريعيات مع الدستور “في 2016، نقح البرلمان مجلة الإجراءات الجزائية بمنح المشتبه فيهم حق الاتصال بمحام منذ بداية الاحتجاز، وتقصير الفترة القصوى للإيقاف التحفظي في جميع الجرائم إلى 48 ساعة، قابلة للتجديد مرة واحدة، باستثناء الجرائم الإرهابية التي يُمكن أن يمتد فيها الإيقاف التحفظي إلى 15 يوما. رحب المحامون بالقانون الجديد لأنه سهل عليهم زيارة الموقوفين ومراقبة معاملتهم، لكن تنفيذ القانون على أرض الواقع لم يمكّن المحامين من الاتصال الفوري بموكليهم، ومازال الموقوفون يواجهون انتهاكات لحقوقهم في سلامة الإجراءات أثناء الإيقاف التحفظي”.
بعض القيود الواضحة على حرية الدين أو المعتقد
وختم التقرير: “زار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين والمعتقد تونس في أبريل 2018، ولاحظ وجود بعض القيود الواضحة على حرية الدين أو المعتقد، وتعرض بعض الجماعات – مثل جماعة البهائيين الصغيرة في تونس – إلى قيود غير مباشرة، لا سيما عدم تسجيل جمعيات تمنحهم الوضع القانوني الذي يحتاجون إليه للقيام بالعديد من الوظائف المؤسسية أو إشهار عقيدتهم”.
شارك رأيك