الرئيس المؤقت السابق عضو في نادي أحباء أمير قطر.
أطل المنصف المرزوقي إعلاميا، ليقول مالا يجب أن يقوله عادة من تحمل أعلى المسؤوليات في هرم الدولة وله إلتزام قانوني وأخلاقي بواجب التحفظ، لكنه أصر، مجددا، على مواصلة التجذيف في المجاري المتعفنة غير عابئ بتداعيات ذلك على مصداقيته أو ما تبقى منها.
* بقلم مصطفى عطية *
وأمثال المرزوقي في مثل هذه الإنزلاقات كثيرون مما أدى إلى انحدار الحوار بين السياسيين، أو من يوصفون بذلك، وتنامي التصريحات المشحونة بالمزايدات الوضيعة والشعبويات المبتذلة وكل أنواع ” العهر السياسي” .
أجل لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والإستهتار وقلة الحياء بدهشة وٱستغراب وٱستياء.
تصريحات ملغومة وشطحات فلكلورية
وصل الأمر بالمنصف المرزوقي، في الأيام الأخيرة، وفي لقاء “مشبوه” في توقيته ومقاصده، إلى حد السقوط في متاهات الهذيان أو ما يشبهه، فقد أمعن الرجل في الهروب إلى الأمام غير عابئ بردود الفعل العنيفة تجاه تصريحاته الملغومة والمسمومة، وشطحاته الفلكلورية ذات الإيقاع الهستيري، حتى ذهب الكثيرون إلى إزاحة غبار النسيان عن ملفاته الصحية المثيرة للجدل منذ سنوات عديدة، فبعد شتمه للشعب التونسي بأكمله، والتنكر لحلفائه القدامى والجدد، وإعلانه الحرب على المنتسبين لحزبه الذي فروا بجلودهم تاركين حزب ما يسمى بحراك تونس الإرادة في حالة إندثار وٱضمحلال، وتعمده إلغاء ما يقرب من ألفين سنة من تاريخ تونس دفعة واحدة، مدعيا أن التاريخ الحقيقي لبلادنا بدأ مع الفتح الإسلامي لإفريقية، وهو قول لم يجرؤ عليه غلاة المتطرفين والمتشددين الإسلاميين وحتى الدواعش منهم!
وها هو في حديثه التلفزي الأخير يرحب صهوة الهروب أكثر إلى الأمام بنكرانه لأفعال إقترفها وإساءته المتعمدة لدول شقيقة في حالة خلاف مع الإمارة التي تحتضنه وترعاه!؟ لا شك أنه إنتهى سياسيا، بعد أن إكتشف الشعب التونسي وجهه الحقيقي، ولا شك أيضا أنه أعلنها حربا على نفسه وعلى أعدائه، لكن لا أحد، حتى من ألد خصومه، كان يعتقد أن يصل به الأمر إلى هذه المرحلة المتقدمة من الهذيان، فحتى تاريخ تونس لم يسلم من تشكيكه المرضي ذي النغمة الفلكلورية المبتذلة !ا
لقد تعودنا طيلة السنوات الثماني العجاف على جنوح الكثير من الشعبويين وراكبي سروج الثورجية الزائفة إلى إطلاق التهم جزافا والتشكيك في كل الثوابت ونشر غسيلهم على سطوح الفضائيات وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي ما أفقدهم ما تبقى لديهم من مصداقية لدى الرأي العام، كنا نعتقد، واهمين، أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وعديمي الحياء، ولكننا إكتشفنا، مع مرور الأيام، وجود من يعتقدون أنهم زعماء وتبوؤوا أعلى المناصب في هرم السلطة، بمعنى أنهم حكموا تونس كالمنصف المرزوقي، في فترة حالكة من تاريخها، وكنا نعتقد، أيضا، ان بقاءهم في الساحة لن يطول ولكنهم تسمروا في كل أرجائها.
يحدث كل هذا في ظل ثماني سنوات من الفوضى والإنفلات والتذبذب والإرتباك وانهيار هيبة الدولة ومؤسساتها دون أن تظهر في الأفق مؤشرات جدية لقرب إنتهاء هذا الكرنفال التراجيدي-كوميدي، المشحون بكل أنواع الرداءة، والذي حول العمل السياسي إلى ضرب من ضروب العهر.
خلل وظيفي خطير في المنظومة السياسية
كان التونسيون يتندرون، في ما مضى من الزمان، بما يحدث أحيانا من مهازل في بعض البلدان القريبة منا حتى إكتشفوا فجأة ان ساحتنا السياسية الموبوءة بالإفلاس الفكري والأخلاقي والمعرفي تزخر بالغرائب والغرائبيين وبالفضائح والفضائحيين مما يؤكد، بوضوح ، وجود خلل وظيفي خطير في هذه المنظومة السياسية الغارقة في الأوحال.
لن أتحدث أكثر من اللزوم عن المشاحنات والملاسنات والسب والشتم والقذف والضرب تحت الحزام والتشابك بالأيدي تحت قبة مجلس نواب الشعب، ولن أتعرض إلى المشعوذين الذين دأبوا في كل مناسبة على كشف ما يختزنونه من لؤم وقذارة ولكني سأتوفف هذه المرة عند رئيس دولة سابق، حتى وإن كان مؤقتا، وهو المنصف المرزوقي لأنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، فالتشكيك في تاريخ الوطن يعد أمرا غير مسموح به أخلاقيا على الأقل، والإساءة لبلدان تربطنا بها علاقات تاريخ وٱنتماء وحضارة ومصالح هو إستهداف للوطن.
لو حدث هذا في أي دولة أخرى تحترم نفسها ولها هيبة لفتحت السلط تحقيقات في صحة ما قيل أو عدمه، ولحددت المسؤوليات بدقة، فهذا يتهم وذاك ينفي في سوق مفتوحة على كل المزايدات دون تدخل رادع ! إنها علامة من علامات الإنحدار !
لا بد من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الذين إستفادوا من الفوضى والإنفلات وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح لأنهم لا يستطيعون العيش إلا في بؤر التوتر ومستنقعات الفتن وقواميسها المشحونة بالسوقية.
لقد تفطن الشعب لحقيقة كل هؤلاء الذين أغرقوه على امتداد سنوات في بحار من الشعارات الرنانة والوعود المغرية، وفضح أكاذيبهم وترهاتهم وزيفهم فأقصى الكثيرين منهم وهمش من تبقى منهم وقاطعهم ولكن بعض وسائل الإعلام ما زالت تحن لضجيجهم وشطحاتهم الفلكلورية التي أصبحت مدعاة للشفقة عليهم والألم على ما آلت إليه الأوضاع السياسية في البلاد.
حان الوقت لإنهاء هذه المهازل التي تسيء للبلاد وديمقراطيتها الناشئة وذلك بتطيق القوانين المعمول بها والإلتزام بشروط الحرية وقيم ومبادئ الديمقراطية، لأن تواصل مثل هذه المهازل والفضائح والدونكوشوتيات والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويوسع الفجوة بينهم وبين السياسيين ويقلص، تبعا لذلك، من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد وهو ما من شأنه أن يضرب المسار الديمقراطي برمته في الصميم ويبدد الحلم بٱستعادة البلاد لعافيتها وخروجها من النفق المظلم الذي تردت فيه.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس:
للتأمل فقط : “حجيج مونبليزير”، أو عندما يهرع التجمعيون إلى إنقاذ حركة النهضة !
للتأمل فقط : الإضراب العام في تونس بين الإفلاس السياسي و”التوحش” المطلبي
شارك رأيك