إذا أفرزت الإنتخابات الرئاسية القادمة عن دور ثان يشهد منازلة شرسة بين المنصف المرزوقي المدعوم من الإسلاميين وبعض اليساريين الحالمين والمعادين لمنظومة التجمع السابق وبين عبير موسي المدعومة من التجمعيين السابقين وبقية الغاضبين فلن يكون ذلك مفاجأة لا تخطر على بال.
بقلم سامي بن سلامة *
يبدو أنه لا مفر في ذهن الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي من الترشح مرة أخرى سنة 2019 أملا في الفوز بالرئاسة هذه المرة. ستكون الأمور صعبة جدا، إذ لن يجد في الإنتخابات المقبلة مصالح الرئاسة ولا سياراتها وبنزينها ولا الأمن الرئاسي في خدمة مشروعه ولكي يستغل كل تلك الامكانيات في حملته الانتخابية.
ستكون الأمور صعبة بالنسبة له كذلك لأن حركة النهضة قد تميل الى مساندة الباجي قايد السبسي إن فرط لها في ملف الجهاز السري في مقابل منحه مدة أخرى في القصر، إذ لن يحضى المرزوقي بالتالي في الحالة تلك بدعم قواعدها المنضبطة تماما للتعليمات.
حالة انقلاب السحر على الساحر بوجود غضب شعبي عارم
لم يقدر الرئيس المؤقت السابق على بناء حزب قوي رغم كثرة تحركاته في البلاد وخارجها لحشد الدعم لطموحه اللامحدود في العودة كرئيس دائم، إذ فشل حزبه الجديد في ترشيح عدد معتبر من القائمات في الإنتخابات البلدية لسنة 2018 ولكنه ينوي مع ذلك الترشح مرة أخرى. وهو يعول طبعا على أصوات الاسلاميين التي أوصلته للدور الثاني في انتخابات 2014 وسيترشح إذ لا شك في ذلك ويمكنه أن يفوز ولكن ليس بفضل أصوات الإسلاميين. إذ أنه سيفوز في حالة واحدة لا غير وهي حالة قد تفوز فيها حتى عبير موسي.
تلك الحالة هي حالة انقلاب السحر على الساحر بوجود غضب شعبي عارم يقرر قطع الطريق أمام السبسي رئيس الجمهورية الحالي أو يوسف الشاهد رئيس حكومته المتمرد عليه أو كلاهما واسقاطهما نهائيا من المعادلة.
سنشهد عندها دورا ثانيا بين المنصف المرزوقي وعبير موسي. إن الملف الوحيد الذي سينسي التونسيين مشاكلهم الإقتصادية والإجتماعية ويمكن أن ينسيهم كذلك رداءة المترشحين وفشلهم فضلا عن ماضيهم هو ملف “الجهاز السري لحركة النهضة”.
وهو ملف يشتعل كالنار تحت الرماد ومن شأن التطورات اللاحقة المتوقعة التي ستطرأ عليه أن تحدد توجهات جانب كبير من الرأي العام قبل إنتخابات 2019 التشريعية والرئاسية. ستُركَّز الحملات الإنتخابية المقبلة على الأرجح على إعادة إحياء الإستقطاب بين الحداثيين والرجعيين بشكل أكثر حدّة، فلا مفر من ذلك في ظل افتقار الجميع إلى البرامج وفشلهم سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة في جلب اهتمام المواطنين بالحلول التي يقترحونها لمعالجة مزيد تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.
لا حلول لدى طبقة سياسية عاجزة أخفقت في إدارة المرحلة ولم تتقدم بتونس قيد أنملة بل أغرقتها في إشكاليات جديدة وعرضتها لمخاطر أمنية وإجتماعية لا قبل لها بمواجهتها.
ومن الطبيعي والحالة تلك وفي ظل غياب التوقعات بتحسن الأوضاع أن ينشغل الجميع عن تفاصيل الحلول الإقتصادية التي قد يقترحها هذا أو ذاك وأن يهتموا بتصفية حسابات مؤجلة دفنها ”التوافق“ في السنوات الأربع الأولى من الفترتين الرئاسية والنيابية الحاليتين.
ملف الجهاز السري واختراق مفاصل الدولة والإغتيالات السياسية
فالإستقطاب الثنائي عائد لا محالة وبقوة، إذ يفرضه تردي الوضع الحالي والصراع على السلطة ووصول التوافق إلى نهايته وخاصة جهود هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي التي كشفت ملفا من أخطر الملفات المسكوت عنها. ورغم أن لا المرزوقي قادر على قيادة البلاد ولا يعرف عن موسي ما يسمح بتوقع نجاحها في ذلك، إلا أنهما يمثلان سلاحان فتاكان لدى كلا الطرفين لتصعيد المواجهة إلى حدودها القصوى.
وسيكون قطب الرحى لذلك الإستقطاب المتوقع ذلك الملف الحارق، ملف الجهاز السري واختراق مفاصل الدولة والإغتيالات السياسية. فلا ملفات أخرى تجلب الانتباه في الأفق. ويبدو قائد السبسي كما الشاهد في تراجع مستمر شعبيا ولو حدث وواصلا تواطؤهما وتلاعبهما بذلك الملف واخفائهما لمعالم فضيحة القرن في تونس كما يؤكد البعض وكذلك تسترهما المفضوح بالنسبة للشاهد والمحتمل بالنسبة للسبسي على قضية الجهاز السري. فسيتم كنسهما انتخابيا معا ويمكن للجميع أن يتأكد أن ذلك ما سيحصل ولو صوت لهما أو لأحدهما الإسلاميون.
وفي تلك الحالة سيصوت كثيرون للمنصف المرزوقي رغم اقتناعهم بأنه لا يصلح للحكم لرفض العودة للسجون من جديد وسيصوت آخرون وهم كثر كذلك لعدوة المنظومة الحالية زعيمة الحزب الدستوري الحر لغايات مختلفة تماما. إذ تبدو عبير موسي من ناحيتها في موقع مريح وفق للتوجهات “الشعبية” التي تختلف عن استطلاعات الرأي الرسمية. فمن الوارد جدا بالنسبة للانتخابات التشريعية المقبلة أن يحقق حزبها فوزا كببرا في عدد من المناطق وخاصة الساحلية منها أي المنفتحة على البحر وربما كذلك في مناطق الشمال الغربي أيضا.
وهكذا سيغلق قوس قصير حلمنا فيه بانتقال ديمقراطي سلس وناجح وأفسده كل من حكموا تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وخاصة حركة النهضة التي تبين أنها كانت العدو الرئيسي للثورة وللانتقال الديمقراطي.
كل هذا رغم أنه يشك في قدرات المرزوقي على قيادة البلاد ولا يعرف عن موسي ما يسمح بتوقع نجاحها في ذلك. أما المستقلون فلن يقدروا على الفوز على الأرجح ولا على تحقيق الاختراق المأمول، إذ أن محرك الإنتخابات التشريعية في تونس عادة ما يكون المرشح للرئاسة. وطالما أنهم لا يفكرون في تصعيد مرشح واحد ينافس على الرئاسة، فمن المتوقع أنهم سيتمكنون من تحقيق بعض الاختراقات في بعض المناطق والجهات ولكن من المستبعد جدا أن يعيدوا تكرار فوزهم المستحق في الإنتخابات البلدية لسبب بسيط يتمثل في أن أغلب القائمات المستقلة التي حكمت البلديات أخفقت في تحقيق انجاز يذكر على المستوى المحلي.
لن يكون بالتالي دورا ثانيا يشهد منازلة شرسة بين المرزوقي المدعوم من الاسلاميين وبعض اليساريين الحالمين والمعادين لمنظومة التجمع السابق وبين موسي المدعومة من التجمعيين السابقين وبقية الغاضبين مفاجأة لا تخطر على بال، لا شيء يمنع من أن تسير الأمور على ذلك النحو.
* عضو سابق بالهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
شارك رأيك