في جميع بلدان العالم تحدث الأحزاب السياسية من قبل المواطنين وتطمح للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها، إلا حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد الجديد الذي سيولد بطريقة غريبة وهو في السلطة من قبل من يمسكون بتلابيبها.
بقلم سامي بن سلامة
من البديهي أن يعبر المرء عن احترامه للعديدين ممن خيروا الالتحاق بحزب رئيس الحكومة الجديد والذي سيعلن عنه اليوم الأحد 27 جانفي 2018، خاصة إن كان كثيرون ممن يدعمونه سرا وعلنا من أفضل أصدقائه فهي فرصة لكي يعبر عما يكنه لهم من مودة واحترام.
ومن حق يوسف الشاهد كمواطن تونسي إنشاء الأحزاب التي يريدها ومن حقه كذلك الترشح لجميع المسؤوليات التي يطمح لها مدعوما بماكينة حزبية في مستوى طموحاته. والجميع يشجع الشباب من جيلنا والجيل الذي لحقنا على الإلتحاق به وبغيره لخوض غمار الشأن العام وتحمل المسؤوليات وقيادة البلد إلى بر الأمان بطبقة سياسية جديدة وشابة تقطع مع الماضي وتدخل أساليب جديدة في حكم البلاد والعباد.
إقرار ممارسات سليمة تنظم حياتنا السياسية
على أن هذه المسألة لا تقتصر زاوية النظر لها على زاوية العاطفة والنوايا الحسنة والأماني الطيبة التي افتتحت بها هذا النص القصير. إذ أن المسألة في نظري مرتبطة ارتباطا متينا بمدى النجاح في إقرار ممارسات سليمة تنظم حياتنا السياسية في مساندة ودعم لأحكام الدستور والقوانين.
يدفعنا ذلك للخوض في مسألة مدى توفر الحق لمن عُيّن من قبل الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات ومن قبل رئيس الجمهورية المنتمي لذلك الحزب في أن ينقلب على حزبه الأصلي وعلى ناخبيه أثناء عهدة ذلك الحزب الانتخابية. وفي أن يحرمه من الحكم عن طريق رئيس الحكومة الذي يختاره برفضه التخلي عن منصبه وفي أن يتمرد على من عينه وفي أن يرفض تطبيق برنامجه. وفي حقه في أن يتخلي عنه لتعويضه بدعم سياسي واعلامي متأت من الحزب المنافس له الذي أتى ثانيا في تلك الإنتخابات لأن ناخبي الحزب الأول أرادوا إقصائه من الحكم ولم يحض قطعا بحق إختيار رئيس الحكومة ولا أعضائها ؟
أعتقد أنه وإن كان من حق يوسف الشاهد تأسيس حزب جديد والطموح لتولي مسؤوليات أكبر أو العودة إلى رئاسة الحكومة بعد الإنتخابات، فإنه ليس من حقه تغيير ولاءاته وهو رئيس حكومة ولا الإنقلاب على من عينه مهما كانت بشاعته وأخطاؤه للإعتماد على الحزب المنافس له للبقاء في السلطة، ففي ذلك خرق للوكالة وخيانة للمؤتمن.
كما أنه ليس من حقه التجول حزبيا ولا إنشاء حزب وهو في منصب رئيس الحكومة واستغلال سلطته ونفوذه الناتجان عن ذلك المنصب الحساس لتحقيق غايات شخصية. وكان عليه بدل ذلك التصرف كرجل دولة ديمقراطي والاستقالة فور تفجر الخلاف بينه وبين من عينه في منصبه.
ممارسات جدّ سيئة ستؤثر على الواقع السياسي التونسي
إن رئيس الحكومة أرسى بصنيعه ذاك ممارسات جدّ سيئة ستؤثر على الواقع السياسي التونسي مستقبلا مع أنه كان يمكن له لو استقال أن يحضى بدعم شعبي وسياسي منقطع النظير يفوق بمراحل الدعم الذي يلقاه اليوم ممن يحومون دوما حول الحاكم بأمره ويتخلون عنه متى فقد السلطة.
كان حزب التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة أحمد أويحيى وكان رئيس حكومة الجزائر عندها أنشأ سنة 1997 كحزب للسلطة والإدارة بدفع من الجيش ومن الرئيس ليامين زروال لتقديم بديل عن جبهة التحرير الوطني التي خسرت كثيرا من شعبيتها حينها. وقد اكتسح منافسيه في الانتخابات التشريعية التي جرت في تلك السنة بصفة مفاجئة.
وفي اعتقادي أن حزب الشاهد الجديد غير قادر على تحقيق مثل ذلك الإنجاز التاريخي، إذ أنه طفل أنابيب من رحم حكومة لم تنجح في أداء مهامها. كما أن إنشاءه لم يكن مطلبا للسلطة أو الإدارة لظروف استثنائية خطيرة أحاطت بالبلد وهو لن يمثل بالتالي بديلا مقنعا لعموم المواطنين لكي يصوتوا له بكثافة. وسيضطر لأن يعول على تمثيله للسلطة وعلى اعتباره حزب من يحكم لجني بعض الأصوات عند خوضه المنازلات الانتخابية المقبلة.
وهو ليس سوى استنساخا لحزب آخر ولد في المعارضة من ناحيته وهو حزب نداء تونس الذي فشل فشلا ذريعا في قيادة المرحلة وأفرز تشوهات خلقية كثيرة في المشهد السياسي التونسي. ولكنه استنساخ لتجربة فشلت وفي رصيدها خيانة عظمى للناخبين واخفاق في إدارة شؤون الحكم وفضائح وفضاعات لا تحصى ولا تعدّ.
وهو حزب ولد مستنسخا يحمل جميع عاهات النداء فضلا عن أنه متحالف منذ ما قبل ولادته مع حزب حركة النهضة الذي يبدو أنه شجع على إحداثه وينظر بعين الرضاء لزعيمه ولمن التحقوا به. ممنيا النفس بمواصلة التحالف معه بعد انتخابات 2019 لاستكمال السيطرة على باقي مفاصل الدولة والمجتمع بفضل مساعدته ومساهمته الثمينة.
كان حزب التجمع الجزائري استثناء فريدا من نوعه، إلا أن إنشاؤه على عجل لم يمنع فوزه ولكن ذلك تم في إطار تجربة خصوصية لدولة قوية لم تكن في طور الانتقال إلى الديمقراطية بل تشهد رجات إجتماعية وأمنية قوية ويسيطر جيش كبير ومتماسك على مفاصله. وكان إحداثه حلا مثاليا لتفادي مزيد انفلات الأوضاع وهو بالتالي ليس مثالا يقتدى به لكي نستورده ونطبق نموذجه في حياتنا السياسية المتعثرة.
حزب جديد اليولد بطريقة غريبة وهو في السلطة
في جميع بلدان العالم تحدث الأحزاب السياسية من قبل المواطنين وتطمح للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها، إلا حزب الشاهد الجديد الذي سيولد بطريقة غريبة وهو في السلطة من قبل من يمسكون بتلابيبها.
عديد من الأسئلة قد تطرح في هذا الإطار: هل سيستطيع هذا الحزب السلطوي أن يصل إلى الشعب ؟ هل يمكن له بناء على تجربة زعيمه غير الموفقة في الحكم أن يطمح جديا للفوز بالانتخابات ؟
قبل ذلك، ألا يمثل هذا الحزب خطرا على التجربة الديمقراطية ؟ إذ كيف يسمح لحزب جمع كل من يشتغل تحت إمرة رئيس الحكومة تقريبا وهو يعتبر سلطة رئاسية للإدارة التونسية مركزيا وجهويا وللولاة والمعتمدين والعمد من أن يشرف على إجراء الانتخابات المقبلة ؟
سيكون خطأ جسيما السماح بذلك في ظل المصاعب التي يعيشها مسار الانتقال الديمقراطي. سيعقد الأمر من أزماتنا ويعاظم من مناخ انعدام الثقة بين الأطراف السياسية.
في ظروف مثالية كان يجب على رئيس الحكومة المعني بالاستحقاقات الانتخابية أن يستقيل من منصبه ليتفرغ لحملته ولكي لا يستغل امكانيات وأجهزة الدولة لتحقيق أهداف حزبية ضيقة.
لكننا نحن لسنا في عالم مثالي، نحن في تونس.
حظا سعيدا للحزب الجديد، مع أن ذلك القرار ستكون له كلفة مرتفعة جدا ولا يتوقع معها أن يذهب الحزب بعيدا على ما يبدو، إلا إن خلت الساحة السياسية تماما وانعدمت الخيارات وانسحب رئيس الجمهورية الحالي من الحياة السياسية وحُلّ حزبه واختفت بقية الأحزاب الحداثية من الساحة السياسية في لمح البصر. للسياسة أحكامها وسنعلم في وقت قصير حكم الشعب على من يفضل الاستنساخ بعد أن خير سبيل الإنسلاخ، فحكم الشعوب لا مرد له.
* عضو سابق للهيئة المستقلة العليا للإنتخابات.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
في ضرورة تحييد هيئة الإنتخابات : كي لا تحاصر المشاركة الشعبية بحكم الأقلية
الإنتخابات الرئاسية 2019: دور ثان محتمل بين المنصف المرزوقي و عبير موسي…
شارك رأيك