أداء الكثير من الوزراء لم يرتق إلى حد الآن إلى المستوى المطلوب. ولم نسمع يوما أن هؤلاء الوزراء الذين أصبحت تصريحاتهم الفلكلورية مصدر إستهزاء الناس قاموا بتقديم مبادرات جريئة وقابلة للتنفيذ لإصلاح القطاعات التي يشرفون عليها لكننا سمعناهم وهم يستبلهون الشعب التونسي.
بقلم مصطفى عطية *
تأكد، بشكل واضح ولا يمكن الطعن فيه، أن بعض الوزراء المسجلين في حكومة يوسف الشاهد مثل عدد ممن كانوا مسجلين في الحكومات السابقة لا يستحقون شرف تحمل المسؤوليات التي عهدت إليهم، لأسباب أثبتتها الأيام والوقائع والأحداث والمواقف. إنهم يفتقدون لكل المواصفات الضرورية التي يفترض أن تكون من شروط تحملهم لمناصب وزارية، لا كفاءة مهنية ولا تجربة ميدانية مختصة، ولا قدرات إتصالية، ولا شعور بالمسؤولية ولا احترام للمواطنين ولذكائهم الإجتماعي ؟! ماذا بقي لهم ليستحقوا الحقائب التي عهدت إليهم … لا شيء على الإطلاق إلا الإنتماء إلى هذا اللوبي النافذ أو ذاك أو التقرب الإنبطاحي والإنتهازي من مراكز القوى بشتى أنواعها ومهما كان نفوذها وضغطها ومنطقها الزبائني.
منطق الإرتجال و”التغفيس” و”التجلطيم” والإستهتار وٱنتهاك ذكاء المواطنين
إن ما علق بالحكومات السابقة منذ حراك الرابع عشر من جانفي 2011 هو تعامل العديد من وزرائها، الذين جاءت بهم المحاصصات الحزبية والجهوية والزبائنية، بمنطق أعرج هو منطق الإرتجال و”التغفيس” و”التجلطيم” والإستهتار وٱنتهاك ذكاء المواطنين والضحك على ذقونهم تارة أوالتعالي والهروب وترك أهل البلاء في البلاء تارة أخرى، دون مراعاة تذكر لشروط وٱلتزامات وواجباتهم الأصلية والأساسية، فتتالت فصول المهازل والفضائح والمسرحيات الفلكلورية والدينكشوتية المقرفة، وتعطلت القوانين والتشريعات ومصالح المواطنين، وٱنهارت مصداقية الدولة بأكملها بما فيها مؤسساتها.
ها هو وزير الفلاحة الذي كان “رفيقا يساريا جدا” وتحول بعد جلوسه على كرسي الوزارة إلى “أخ قريب جدا” من حركة النهضة، يصفع الشعب بقولة ستظل محفورة في سجله الوزاري : “زيت الزيتون ليس من تقاليد التونسيين” ثم يضيف: “لاوجود لغزال في صحرائنا”. إنه بالطبع لا يقصد ذلك… لكن ذلك ما قاله بالضبط !! إيه والله هكذا هو فن الإتصال الجماهيري المقنع لواحد من الذين كانوا قبل إعتلائهم سدة المسؤولية يصول ويجول في البلاتوهات الإذاعية والتلفزية منددا بحركة النهضة التي يتمتع اليوم ب:”حنانها الرسمي” !!
وها هو وزير التجارة يختزل أزمة فقدان مادة السميد في تنامي إنتاج الملاوي وخبز الطابونة، وهذه وزيرة التشغيل القادمة على سرج المحسوبية العائلية والزبائنية تدق مسمارا آخر في نعش الإتصال الوزاري بالتأكيد على أن البطالة هي أزمة العاطلين عن العمل !.
والقاموس الجديد يزداد إتساعا من يوم إلى آخر. إن هذه “اللغة المضروبة” تعيد الوضع إلى المربع الأول الذي خلناه إندثر دون رجعة !!! لقد تناسى بعض الوزراء ان المسؤولية التاريخية تحتم عليهم في هذه المرحلة الحرجة من مسيرة البلاد الإلتزام المطلق بٱحترام المواطنين وتجنب محاولات إستغبائهم وٱستبلاههم لأن ذلك سيعود على مقترفي هذه الحماقات بالوبال ويضر ضررا فادحا بمصداقية الحكومة ويعطل كل المساعي لإيجاد حلول عاجلة لأكبر الأزمات الراهنة، وخصوصا أزمات التشغيل وٱنهيار المقدرة الشرائية، وصيانة قيم الحرية والديمقراطية وفتح الآفاق أمام شباب نهشه الإحباط ودمرت معنوياته خيبات الأمل المتلاحقة .
لا شك أن المهمة ليست سهلة لأن الفارق شاسع بين واقع البلاد والمستوى المهني والإتصالي للكثير من الوزراء على جميع المستويات من جهة، وطموحات الشعب الذي اختار التغيير الإيجابي ويريد جني ثمار اختياره في أسرع وقت ممكن من جهة أخرى.
من الشعارات الرنانة إلى الخطب الشعبوية الممجوجة
إن البلاد المثخنة بالجراح تحتاج إلى وزراء محنكين في مجالات إختصاصهم ولهم قدرات إتصالية تقنع الناس ومصداقية تؤهلهم لإرسال مؤشرات الطمأنة إلى المواطنين المحبطين الذين أرهقتهم الوعود الزائفة والمماطلات المتراكمة، وأفقدتهم الثقة في السياسيين. وأول هذه الرسائل تتمثل في النزول إلى الواقع ومجابهته بموضوعية وجدية ومصداقية والإقناع بحقيقة وكيفية معالجته لأن الشعارات الرنانة والخطب الإستعراضية الجوفاء، والمزايدات ذات النغمة الشعبوية الممجوجة لم تعد تجدي نفعا ولن تنطلي مرة أخرى على شعب أبدى أخيرا الكثير من اليقظة وبدأ في التحرك ضد الذين يضحكون على ذقنه.
يجب الإعتراف بأن العديد من المشاكل والتعطيلات وحتى المسرحيات الفلكلورية ما زالت قائمة وأداء الكثير من الوزراء لم يرتق إلى حد الآن إلى المستوى المطلوب، فالسلوكيات القديمة متواصلة والتصرفات الجهوية تفاقمت بشكل خطير والمزايدات لم تتقلص كثيرا بما يكتنف ذلك من غموض مثير لكل التأويلات، وها هي التصرفات الإستفزازية واللامسؤولة، التي تنم عن قلة التجربة وعدم الكفاءة قد عادت من جديد لتسقط أقنعة بعض الوزراء وتؤكد أن مكانهم الحقيقي خارج منظومة الحكم.
لم نسمع يوما أن هؤلاء الوزراء الذين أصبحت تصريحاتهم الفلكلورية مصدر إستهزاء الناس قاموا بتقديم مبادرات جريئة وقابلة للتنفيذ لإصلاح القطاعات التي يشرفون عليها لكننا سمعناهم وهم يستبلهون الشعب التونسي. إن عدد هؤلاء في هذه الحكومة ليس قليلا وبعضهم لا يملكون شهادات جامعية ولا إختصاصات وكفاءات وتجارب في حين تعج البلاد بالطاقات المختصة ذات التجارب الواسعة، ولكنها مقصية ومغيبة لأسباب يعرفها القاصي والداني.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
أحفاد المشعوذ “صاحب الحمار” والخائن أبي الحسن الحفصي يعودون من دهاليز الحقد والعمالة !
للتأمل فقط : هوس الكراسي في مزالق المنصف المرزوقي والعهر السياسي
للتأمل فقط : “حجيج مونبليزير”، أو عندما يهرع التجمعيون إلى إنقاذ حركة النهضة !
شارك رأيك