معظم الإجتماعات المخصصة لتدارس أزمة قطاع النسيج والملابس الجاهزة في تونس منذ 2011 كانت لغاية معالجة الإنعكاسات السلبية للأزمة كنقص السيولة وهيكلة الديون المثقلة على هذه المؤسسات لدى البنوك والصناديق الإجتماعية ولم يقع تنفيذ الآليات الكفيلة بإيجاد حلول للمشاكل الهيكلية ومن بين هذه الحلول الإستراتيجية للنهوض بالقطاع.
بقلم فوزي عبيدي
الأزمة الإقتصادية التي تعيشها تونس وتمتد جذورها منذ سنة 2001 تجد لها مرآة عاكسة بشكل جلي في قطاع النسيج والملابس الجاهزة وتعطينا فكرة واضحة على المشاكل الهيكلية للقطاعات الإنتاجية بتونس و التحديات التي نواجهها على مستوى التصدير خاصة مع ما أفرزته العولمة الإقتصادية من مصاعب كالمنافسة الحادة في الأسواق العالمية، ففي المستقبل القريب من يكون قادرا من المسؤولين على إيجاد الحلول الكفيلة بإعادة هذا القطاع على سكة النمو سوف يستطيع إلى حد كبير النهوض بالإقتصاد الكلي للدولة التونسية نتيجة الإنعكاسات الكبيرة لهذا القطاع على التشغيل، التصدير و الإستثمار.
قطاع أساسي في الإقتصاد التونسي
تمثل المؤسسات العاملة في قطاع النسيج و الملابس حوالي ثلث المؤسسات الصناعية التونسية حيث تعد 1570 مؤسسة من ضمنها 1298 مؤسسة مصدرة كليا وتقوم بتشغيل قرابة 160 ألف عامل أغلبهم من النساء أي قرابة 30 بالمائة من مواطن الشغل الصناعية وتمثل رافدا أساسيا لإستقطاب الإسثمارات الخارجية حيث يوجد 678 مؤسسة ذات مساهمة أجنبية في رأس المال وهي أساسا إستثمارات أوروبية.
فرغم التقهقر الذي عاشه القطاع مازال يساهم بفائض تجاري إيجابي في الميزان التجاري عند حدود 1100 مليون دينار سنة 2018 ورغم حالة الإستقرار التي يعيشها القطاع اليوم الناتجة عن إنخفاض تكلفة الإنتاج المحلي تبعا لإنخفاض الدينار مازالت هناك مشاكل هيكلية كبيرة.
تأثيرات العولمة الإقتصادية
تميزت سنوات ما بعد 2001 بإحتدام نسق العولمة الإقتصادية خاصة مع إنضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة فالتسونامي الصيني يقدر رقم صادراته في قطاع الملابس الجاهزة بــ 170 مليار دولار أي ضعف ميزانية الدولة التونسية بأكثر من ثمانية مرات مستغلة في ذلك ضعف التكلفة وقوة الإمداد اللوجستي من ذلك إعتماد سفن نقل بحري عملاقة ذات حمولة 200 ألف طن الواحدة ما يتجاوز الصادرات السنوية لبعض الدول، شهدت هذه الفترة تحولا كبيرا في تدفق الإستثمارات القادمة من دول الإتحاد الأوروبي نحو بلدان شمال إفريقيا ونحو الصين بفعل إنخفاض التكلفة.
هذا الوضع كان له أثر واضح على تدهور قطاع النسيج و الملابس بتونس وشمل جميع المؤشرات من إنخفاض الإستثمارات الخارجية، والتشغيل وخاصة التصدير.
لقد كانت الإنتكاسة التي شهدها هذا القطاع خاصة في سنوات 2007 إلى 2010 إلى جانب تدهور القطاع السياحي وما إنجر عنه من بطالة، كان له أثر كبير في اندلاع العديد من الإحتجاجات كانت ذروتها بأحداث 14 جانفي 2011 .
هذا القطاع كان يشغل قرابة 200 ألف عامل ولكن للأسف تم فقدان قرابة 40 ألف موطن شغل من سنة 2007 إلى حد سنة 2016 وللأسف كان الإنعكاس الكبير على المرأة التونسية العاملة بإعتبار أن العاملين في هذا القطاع 80% نساء وجدوا أنفسهم بلا شغل ولا تغطية إجتماعية وهذه التأثيرات من أهم الأسباب الدافعة لتنظيم ندوة أمس الإربعاء واليوم الخميس 30 و31 جانفي 2019 تحت إشراف وزيرة المرأة ووزير التجارة لتباحث ومناقشة واقع تأثير الإتفاقيات التجارية على المرأة التي فرضتها العولمة وكذلك انعكاسات التحرر التجاري عليها بمشاركة تونس، الجزائر، المغرب، لبنان ،مصر والأردن.
أية حلول للأزمة ؟
منذ بداية أزمة قطاع النسيج قبل سنة 2011 إلى حد الآن عقدت عشرات الإجتماعات من قبل الهياكل المختصة والمتدخلة في القطاع وآخرها كان المؤتمر السنوي للجامعة التونسية للنسيج والملابس الذي انعقد بسوسة الأحد 27 جانفي 2019 تحت شعار: “مسؤولية، استراتيجية، تنمية”. لكن أغلب هذه الإجتماعات كان لغاية معالجة الإنعكاسات السلبية للأزمة كنقص السيولة وهيكلة الديون المثقلة على هذه المؤسسات لدى البنوك والصناديق الإجتماعية ولم يقع تنفيذ الآليات الكفيلة بإيجاد حلول للمشاكل الهيكلية ومن بين هذه الحلول الإستراتيجية :
– إستراتيجية وطنية للإنتقال من إقتصاد المناولة إلى إقتصاد منتج وخلاق فجميع المؤسسات التي أغلقت تعمل وفق نظام المناولة للشركات الأوروبية وهذا يكون بطبيعة الحال بالتنسيق بين مؤسسات التعليم العالي المتخصصة في مجال النسيج ومراكز التكوين المهني ومعامل النسيج ممثلة في الجامعة العامة للنسيج ويكون ذلك تحت إشراف المركز الفني للنسيج التابع لوزارة الصناعة لأن أكبر معرقل هو عدم التنسيق بين هذه الهياكل فلكل جهة رؤيتها الخاصة بينما نحن إزاء مشكلة واحدة . أول ما يجب العمل عليه من خلال هذا التنسيق هو تدعيم آليات الإنتاج التي تقطع مع المناولة عبر إيجاد بدائل محلية على المستوى البعيد للسلسلة المكونة للإنتاج بداية من معضلة التصميم نظرا لأهميته الكبرى في التسويق وذلك بالتقريب بين حاجيات المؤسسات ومؤسسات التعليم العالي المتخصصة في النسيج عبر تربصات ميدانية وكذلك الإستعانة بخبراء في مجال التصميم. هذا الجهد التنسيقي يشمل كذلك متطلبات التكوين وضرورة الرفع من كفاءة مراكز التكوين المهني في قطاع النسيج والتي في أغلبها تعاني من ضعف مستوى خريجيها وعدم ملائمة وسائل العمل التي تم التكوين من خلالها مع ماهو موجود في معامل النسيج و الملابس الجاهزة مما يظطر هذه المؤسسات إلى إعادة تكوين المتخرجين مرة أخرى داخل المعامل حسب وسائل و آلات العمل الموجودة.
– في نفس الإطار تبقى أكبر معضلتين يجب العمل عليهما بوسائل تتجاوز البيروقراطية المعتادة هي توفير المواد الأولية فأكثر من 90 بالمائة من المواد يتم إستيرادها وهذا يكون بالإستئناس بالتجارب التي سبقتنا و القريبة لنا كالتجربة التركية فبدل أن نكون سوق إستيراد رسمي وموازي وجب الدخول في شراكة تمكننا من إكتساب المعرفة الفنية والتقنية لإنتاج المواد الأولية. المعضلة الثانية تكمن في التسويق خاصة أن جميع صادرات البلاد التونسية تتم تحت علامات أجنبية وهذا العائق ليس بالسهل تجاوزه حيث يستلزم تنمية قدرة مؤسساتنا على إكتساب علامات مسجلة خاصة بها وهذا يتطلب تمويلات إشهارية و البحث عن أسواق تتناسب مع خصائص الإنتاج التونسي كالسوق الإفريقية و الأمريكية الشمالية والجنوبية لكسر التبعية المفرطة تجاه السوق الأوروبية.
– حوكمة التصرف في تمويل التكوين المهني داخل مؤسسات النسيج و الملابس الجاهزة والتي ينضمها الأمر عدد 292 لسنة 2009 مؤرخ في 2 فيفري 2009 المتعلق بضبط مجال تطبيق التسبقة على الأداء على التكوين المهني ونسبتها وطرق وشروط الإنتفاع بها وكذلك مجال تطبيق حقوق السحب وطرق وشروط الانتفاع بها، حيث يتم إسناد التمويلات اللازمة لعملية تكوين عمال هذه المؤسسات حسب لجنة وطنية ولجان جهوية تضم ممثلين عن الإدارات المعنية بعملية التكوين كوزارة التشغيل، المركز الوطني للتكوين المستمر والترقية المهنية، ممثل عن الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ممثل عن الإتحاد العام التونسي للشغل، ممثل عن الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وممثل عن وزارة المالية التي تمول العملية عن طريق عائدات الأداء على التكوين المهني والمقصود هنا بعملية حوكمة العمل بهذه الآلية هو تجاوز عملية السهر على حسن تطابق عملية التكوين مع الإجراءات القانونية والمرور إلى تحديد أهداف سنوية مطلوب تحقيقها من قبل المؤسسة ضمن إستراتيجية وطنية فالملاحظ ضمن عمل هذه اللجان أن المؤسسات المنتفعة في غالبها تبحث عن إسترجاع المبالغ الخاصة بهذا الأداء أكثر من ربط عملية التمويل بأهداف إستراتيجية للمؤسسة المعنية.
شارك رأيك