المرزوقي بن جعفر و قائد السابق : من هو الضحية القادمة للنهضة ؟
تواترت تصريحات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، محملة بلوم مشحون بالتهديد المبطن لحركة النهضة، وقد أثارت هذه التصريحات عاصفة من الجدال في ساحة صاخبة بطبعها ! لكن السؤال الذي لا بد من طرحه في هذا السياق هو لماذا تحول “التوافق” بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى خيبة أمل مريرة لدى الأول؟
بقلم مصطفى عطية *
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى الوراء والتذكير بالظروف التي تشكل في سياقها هذا “التحالف” غير الطبيعي، فعندما وصلت المخاطر المحدقة بالبلاد إلى أعلى درجاتها وتعددت العمليات الإرهابية ووجد المتطرفون محاضن تأويهم وإقتطعوا، تبعا لذلك، حيزا من التعاطف الشعبي في بعض المناطق المعزولة، تبين للجميع ان تواصل الصراع وٱضطرامه بين التيارين المتباينين والذين تم وصفهما في تلك الفترة ب” الخطين المتوازيين الذين لا يلتقيان”، سيغذي المزيد من التطرف، وهو ما دفع بالجميع إلى إيجاد نقطة إرتكاز مشتركة لمواجهة هذا المد الخطير الذي يهدد البلاد في وجودها، فكان الإتفاق بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على التحالف في إطار حكومة إئتلافية توسعت بعد ذلك إلى حكومة وحدة وطنية، ثم إقرار مصالحة وطنية تنهي فترة حالكة من الحقد والكراهية والثأر والثأر المضاد وتطلق مرحلة جديدة من بناء مجتمع موحد ومستقر ومتوثب، يرفض النظر إلى الوراء، فالمصالحة الوطنية وعودة الكفاءات إلى مواقعها الأصلية وإنهاء حالات الإقصاء والإجتثاث وإرساء سلطة القانون وإيجاد توازن بين ثوابت المجتمع والتحولات التي يفرضها الإندراج الفاعل في مسيرة العصر، هي المسالك المؤدية إلى الإستقرار المنشود.
الباجي قائد السبسي ليس الأول الذي غدرت به حركة النهضة
لكن المتشددين في حركة النهضة تحركوا بكل ما لديهم من قوة لعرقلة هذا التوجه، لأن مستنقعات الفوضى والتناحر والتطرف والتجارة بالدين وأوهام “الجهاد” ضد الكفار وإقامة “الخلافة”، تمثل الأصل التجاري لشعاراتهم ومزايداتهم، وبغيابها ينتهي وجودهم. فهذه التيارات التي تحرض على العنف والثأر والإقصاء، تحاول في حقيقة الأمر الدفاع عن وجودها لأنها لا تستطيع تأمين بقائها إلا في خنادق الرفض والمزايدات والتحريض. وبالرغم من تقلص قدرتها عل التأثير لٱنتهاء صلوحية شعاراتها، واشتداد الضغوطات الداخلية والخارجية على الحركة لجرها إلى حيث القبول بالتغيير المطلوب، فإن قوى الردة والتعصب والمكابرة تمكنت من فرض أجندتها وبالتالي عرقلة كل محاولات الإصلاح وتعطيل عملية تحويل الحركة الدينية إلى حزب سياسي مدني.
لم يكن الباجي قائد السبسي هو الأول الذي غدرت به حركة النهضة بعد “زواج متعة” عابر، فقد سبقه الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، لذلك كثف الأول، خلال إطلالاته الشارعية والإعلامية، من انتقاداته المكثفة والقاسية، بل “الجارحة” أحيانا لحركة النهضة ورموزها وقيادييها، وتقاطعت هذه الإنتقادات العنيفة مع أخرى لا تقل عنها قساوة صدرت عن رئيس ما سمي بالمجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ! ولم تمر تصريحات الحليفين السابقين لراشد الغنوشي دون أن تثير عواصف من ردود الفعل المتباينة خاصة وأنهما كانا، خلال المرحلة الإنتقالية وهيمنة حكومتي “الترويكا” بنسختيها الأولى والثانية، أشد المدافعين عنها وعن اختياراتها وتوجهاتها، وهما اللذان عملا معها وخبرا قادتها، وقد أبديا من شراسة الدفاع عنها، أثناء ما سمي وقتها ب: “إعتصام الرحيل”، ما أثار إستغراب أنصارها في المقام الأول وقبل خصومها أساسا.
حركة النهضة ليس لها “حلفاء” وإنما “زبائن” عادة ما تنتهي صلوحيتهم
فجأة وبعد إنهيار هذا “التحالف” الإنتقالي نتيجة ما جاد به صندوق الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة، تحول “الحليفان الوفيان” إلى خصمين لدودين وشرسين، ويتذكر التونسيون كيف قاطع محمد المنصف المرزوقي المؤتمر العاشر للحركة، التي طالما نوه بها وعمل على استقطاب أتباعها خلال السباق نحو قصر قرطاج ليصبح بين عشية وضحاها حريصا على أن لا يفوت فرصة ليكيل لها شتى أنواع النقد والإنتقاد حتى وصل به الأمر إلى التنكيل بأحد قادتها التاريخيين رئيس حكومة “الترويكا” الأولى وشريكه في العديد من القرارات المثيرة للجدال حمادي الجبالي، ومن ثنايا الإنتقاد الشديد ذاته خرج حليفها الآخر مصطفى بن جعفر، صاحب مقولة “أنجزنا أحسن دستور في العالم” ليتساءل، في حله وترحاله، عن مصادر تمويل الحركة لمؤتمرها “الباذخ” ويدعو إلى التدقيق في ذلك قبل أن يتهمها أخيرا بمغالطته ويطلق العنان لسيل عارم من الإتهامات ضد شركائه السابقين في الحكم الإنتقالي، وسار على هذا المنوال الكثير من قادة المؤتمر من أجل الجمهورية وحراك تونس الإرادة وحزب التكتل وحزب نداء تونس وأحزاب أخرى كانت تدور في فلك حركة النهضة وحلفائها.
ندرك جيدا معنى أن تتغير المواقف، طبقا للمستجدات الحاصلة، ونتفهم الجنوح الطبيعي إلى تنفيذ مراجعات جذرية في بعض الأحيان، فالسياسة حركة لا تقنع بما كان ولا بما هو كائن، ولكن أن تأخذ التغييرات شكل “الإنقلابات” بهذه الطريقة السافرة فمعنى ذلك أن حركة النهضة ليس لها “حلفاء” وإنما “زبائن” عادة ما تنتهي صلوحيتهم بٱنتهاء قدرتهم على تقديم المنفعة لها .
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : وزراء الإتصال الفلكلوري من “زيت الزيتون ليس من تقاليدنا” إلى”جثث في حالة وفاة”
أحفاد المشعوذ “صاحب الحمار” والخائن أبي الحسن الحفصي يعودون من دهاليز الحقد والعمالة !
للتأمل فقط : هوس الكراسي في مزالق المنصف المرزوقي والعهر السياسي
شارك رأيك