يعتبر الجهاز السري من تقاليد التنظيمات الإخوانية التي تسعى إلى تكريس هيمنتها وسطوتها سياسيا من خلال إستخدام هذا الجهاز الذي استلهمه الإخوان من التنظيمات الفاشية والنازية و قد غعتمده أيضا الإخوان المسلمون في تونس ممثلين في حركة الإتجاه الإسلامي ووريثه حزب النهضة.
بقلم إيهاب الغربي *
كانت غاية مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر حسن البنا من إنشاء الجهاز السري هي تنظيم الشباب المتدين المتحمس لأفكار الجماعة سريا في شكل ميليشيات عسكرية.
وكان صاحب فكرة مليشيات الاخوان ذوي القمصان السوداء ضابط سابق بالجيش المصري إسمه محمود لبيب الذي استعان ببعض الضباط الألمان في البداية حتى أشرف على النظام السري صالح عشماوي.
النظام السري تشكل بعد ذلك على أساس الخلايا والمجموعات، حيث كل خلية تتكون من خمسة أشخاص ويرأسها عضو لا يتصل الا بهم و لكل عشرة من رؤساء الخلايا مجموعة يرأسها عضو لا يتصل إلا بهم وهذه المجموعة لها مسؤول آخر بمعنى أن هذا الجهاز يتدرج هرميا حتى يصل الي الرئيس الفعلي للجهاز المجهول من خلاياه.
وقد ترأس الجهازالسري لجماعة الإخوان المسلمين بعد صالح عشماوي كل من عبد الرحمان السندي حتى عهد المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي ليخلفه صلاح شادي ثم يوسف طلعت.
“هم ليسوا بإخوان ولا بمسلمين”
إرتكب الجهاز السري جرائم فضيعة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي حيث تم إغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر سنة 1945 عن طريق شاب إخواني يدعى محمود العيسوى، تتلوها جريمة اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار سنة 1948 لتتوالى الإنفجارات التي تسبب فيها الجهاز السري للإخوان في نفس السنة وصولا إلى إغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء في 28 ديسمبر 1948، خاصة بعد إصدار النقراشي قرارا بحل الجماعة وهو ما جعل البنا يأمر بتصفيته. حادثة إغتيال قال إثرها البنا عن إخوانه : “هم ليسوا بإخوان ولا بمسلمين”. قال هذه المقولة عن جهاز أنشأه هو بنفسه لمثل تلك المهمات القذرة.
جهاز سري التهم نفسه بنفسه بعد أن شرب من دماء الخصوم فعندما قام البنا بتعيين سيد فايز مسؤولا عن الجهاز الخاص بدلا من عبد الرحمن السندي قرر الأخير اغتيال أخيه في الدعوة الذي جاء ليزيحه عن مكانه فأرسل إليه علبة من الحلوى في ذكرى المولد النبوي الشريف، وعندما حاول سيد فايز فتحها انفجرت في وجهه ومعه شقيقه فأردته قتيلا في الحال وأسقطت جدار الشقة.
لم تتوقف جرائم الجهاز السري للإخوان المسلمين في مصر عند هذا الحد، فقد استمرت جرائمهم في الخمسينات إذ حاول الإخوان اغتيال جمال عبد الناصر في ما يعرف بحادثة المنشية سنة 1954، حيث وصل الإخوان إلى طريق مسدود مع عبد الناصر وكانوا قد أعادوا تنظيم الجهاز السري آنذاك، ففي يوم 26 فيفري 1954 وبمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء وقف الرئيس عبد الناصر يلقي خطابا بميدان المنشية بالإسكندرية. وبينما هو في منتصف خطابه أطلق محمود عبد اللطيف أحد قيادات التنظيم السري لجماعة الإخوان ثماني طلقات نارية من مسدس بعيد المدى باتجاه الرئيس ليصاب شخصان وينجو عبد الناصر.
كما سعى القيادي والمفكر الإخواني الكبير سيد قطب في الستينات إلى قلب نظام عبد الناصر ففي سنة 1965 قامت جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم نفسها تنظيما مسلحا بغرض القيام بعمليات إغتيال للمسؤولين تعقبها عمليات نسف وتدمير للمنشآت الحيوية بالبلاد هادفة من وراء ذلك الاستيلاء علي الحكم بالقوة، وأن التنظيم يشمل جميع مناطق الجمهورية يتزعمه سيد قطب وهو ما أجبر عبد الناصر على إعدام سيد قطب وستة من زملائه.
الجهاز السري للنهضة يعود للثمانينات من القرن الماضي
في تونس، عرضت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد والبراهمي، خلال مؤتمر صحفي عقدته يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 2018، بالوثائق والأسماء معطيات خطيرة جدا عن التنظيم الأمني السرّي الخاص بحركة النهضة. وتعود نشأة الجهاز السري التابع لحركة النهضة إلى الثمانينات من القرن الماضي حيث كشف المنصف بن سالم القيادي السابق لحركة النهضة و الإتجاه الإسلامي وهو الإسم القديم للحركة بأن بن علي قد”سرق جهدنا الإنقلابي” أي أن بن علي قام بإنقلاب 7نوفمبر1987 على بورقيبة قبل يوم واحد من الإنقلاب الذي حضر له الجهاز السري لحركة الإتجاه الإسلامي في 8 نوفمبر1987.
وقد قال بن سالم أن حركةالإتجاه الإسلامي خططت إلى قلب حكم بورقيبة من خلال جهازها السري الذي إخترق المؤسسة الأمنية والعسكرية مضيفا: “المجموعة تكونت بسرعة خیالیة وضمّت عددا من العسكريين من شتى الرتب ومن رجال الأمن بكل أصنافھم ومن المدنیین، و وضعت المجموعة لنفسھا ھدفا واحدا ھو إزاحة بورقيبة و من سار في دربه في الحكم، أما وسائلھا فھي سلمیة إلى أبعد حد ممكن و لذلك تم جلب 5000 مسدس غازي من الخارج قمنا بتجربتها على أنفسنا للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمستھدف، وكان دور المسدس ھو تحیید المستھدف لمدة نصف ساعة، أما وسائل الدفاع الأخرى من الأسلحة النارية والدبابات والطائرات العسكریة فتكون بید رجال المجموعة. وما لم يكن ذلك يتم تحييده قبل بدء العملية بساعات محسوبة و مدققة، اخترنا أن تكون العملیة أفقية أي تعتمد على العنصر القاعدي أكثر منه على القیادات. كما خططنا لدمج المدد المدني في الساعة الثانية و الثالثة من البدء.”
السيد فرجاني وصالح كركر والصحبي العمري وقيادات أخرى
ولقد شارك المنصف بن سالم في تكوين الجهاز السري لحركة الإتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليا) كل من السيد فرجاني وصالح كركر والصحبي العمري وقيادات أخرى بارزة في الحركة كما يعد فتحي معتوق وهو قيادي بارز في الجهاز السري متورط في تفجيرات نزل سوسة والمنستير في أوت 1987. وقد كان التّنظيم يشتمل على حوالي 164 عنصرا بين عسكريّين وأمنيّين وأعوان ديوانة ومدنيين.
كشفت الوثائق الخاصة التي قدمتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، خلال عرضها لمجموعة من الوثائق والمعلومات عن علاقة حركة النهضة بالإغتيالات السياسية داخل “التنظيم السرّي للحركة” بقيادة رئيسها راشد الغنوشي وبمساعدة 4 قياديين وهم كل من مصطفى بن خذر ورضا الباروني، خالد التريكي وكمال علالي وقد أثبتت الوثائق التي أثارت جدلا كبيرا في الساحة السياسية التونسية تورط حركة النهضة من خلال جهازها السري في الإغتيالات وأحداث العنف التي شهدتها تونس منذ وصول الإخوان إلى سدة الحكم.
لعب الجهاز السري دورا محوريا في تشكيل التنظيمات الإخوانية فبان بالكاشف أن النزعة الفاشية واليمينية المتطرفة للإخوان المسلمين تطغى على الجانب الديني والعقائدي لهذه التنظيمات.
* ناشط ومحلل سياسي.
شارك رأيك