شحنات السلاح القادم من تركيا والمحجوز في ميناء الخمس في ليبيا.
فضائح تهريب شحنات هامة من السلاح من تركيا إلى ليبيا عبر البحر تكشف عن وجود مخطط تركي وربما أيضا قطري لنشر فوضى السلاح في كامل منطقة شمال إفريقيا و خاصة لإفشال الإنتخابات المنتظرة هذا العام في تونس والجزائر. بعض المصادر تتحدث عن مآمرة على الأمن القومي لدول المغرب العربي بتواطئ تركي محتمل.
من الجزائر: عمّـار قـردود
كشفت مصادر عسكرية جزائرية لـــ”أنباء تونس” أن فضيحة تهريب شحنات سلاح من تركيا إلى ليبيا للمرّة الثانية في أقل من شهر واحد والثالثة في ظرف عام، بعد تلك التي تمكنت السلطات الليبية من كشفها في ديسمبر الماضي بميناء الخمس، ثم شحنة آخرى من الأسلحة كانت على متن باخرة قادمة من تركيا، داخل حاوية واحدة في جانفي الماضي، وقبلهما ضبط خفر السواحل اليوناني سفينة محملة بمتفجرات وهي في الطريق إلى ليبيا؛ حيث كانت ترفع علم تنزانيا، إلا أنها أخذت حمولتها من ميناءي مرسين والإسنكدرونة التركيين، وحددت الوجهة في جيبوتي وعمان، وتم رصد السفينة قرب جزيرة كريت، وعثرت السلطات على 29 حاوية بها مواد منها نترات الأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية و11 خزانًا فارغًا لغاز البترول المسال في جانفي 2018.
الجزائر ترفع مستوى التأهب على الحدود مع ليبيا
هذه المعطيات الإستخباراتية الخطيرة أدت إلى رفع مستوى تأهب الجزائر على حدودها الجنوبية الشاسعة مع ليبيا، في سياق الكم الهائل من الأسلحة التي تضبطها قواتها يوميًا في الصحراء، لمنع تسلل الجماعات الإرهابية والحد من تهريب السلاح من المناطق التي تشهد انفلاتًا أمنيًا كبيرًا.
وبحسب ذات المصادر فإن السلطات الجزائرية لم تكتفِ فقط برفع مستوى التأهب على الحدود مع ليبيا، بل راحت تنسّق مع السلطات التونسية أمنيًا و عسكريًا و إستخباراتيًا و سياسيًا من أجل الحؤول دون دخول هذه الأسلحة إلى البلدين ومنع وصولها إلى الإرهابيين و المهربين على حد سواء.
بواخر محملة بالسلاح التركي باتجاه الموانىء الليبية…
وأبدت تونس والجزائر توجسهما العميق من التحركات المشبوهة في ليبيا، خاصة في ظل عمليات إغراق ليبيا بأسلحة قادمة من تركيا تحديدًا، لا سيما و أن البلدين على مواعيد إنتخابية جد هامة و مصيرية وهي الإنتخابات الرئاسية في الجزائر في أفريل المقبل و في تونس في نوفمبر القادم.
كما أن المسؤولين التونسيين و الجزائريين إنزعجوا كثيرًا من التدخل الأجنبي المتواصل و المستمر والذي يزداد بقوة في ليبيا من خلال التدفق الكبير لمختلف أنواع الأسلحة خاصة من تركيا وهو الأمر الذي يعتقدون أنه يتعارض تمامًا مع جهود المجتمع الدولي الرامية إلى إنهاء الأزمة الليبية.
وزير الخارجية التركي زار ليبيا و تونس و تجاهل الجزائر
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو سارع للقيام بزيارة ليبيا وتونس بُغية تدارك الأمور وإحتواء تداعيات أممية محتملة على أنقرة لقضية حجز الأجهزة الأمنية في ميناء الخمس البحري الليبي، شحنات من الأسلحة والذخائر، كانت على متن سفينة قادمة من ميناء مرسين في تركيا، في حمولة كانت تشير بياناتها، إلى أنها مواد بناء – يعني تمويه مقصود ومتعمدّ -. ويصنف هذه الفعل كخرق للقرار الدولي المفروض على ليبيا بشأن حظر توريد الأسلحة منذ عام 2011.
وقالت وزارة الخارجية التونسية في بيان لها عن زيارة أوغلو إلى تونس في ديسمبر 2018 : “تندرج في إطار الحرص المشترك على تعزيز العلاقات بين البلدين، وإعطاء دفع جديد لنسق التعاون الثنائي، إلى جانب متابعة نتائج الزيارة الرسمية التي أداها الرئيس التركي إلى تونس في ديسمبر 2017”. وأضافت أنه تم أيضا خلال هذه الزيارة “التشاور حول القضايا ذات الإهتمام المشترك، إلى جانب الإعداد للاستحقاقات الثنائية القادمة، ومنها بالخصوص الدورة القادمة للمجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي والدورة الرابعة للمشاورات السياسية بين البلدين”.
ولم يذكر بيان الخارجية التونسية التطرق إلى الملف الليبي خلال تلك الزيارة، ومع ذلك قال مراقبون أن هذا الملف الشائك والمُعقد كان حاضرًا على طاولة المحادثات التي أجراهاا مولود جاويش أوغلو خلال زيارته إلى تونس التي إستغرقت يومين. خاصة و أن توقيت تلك الزيارة جاء بعد فضيحة شحنة الأسلحة التركية التي تم ضبطها في ليبيا.
لكن الغريب أن وزير الخارجية التركي زار ليبيا – لعدة ساعات – وتونس – ليومين – لكنه لم يزر الجزائر، بالرغم من أنها كانت أكثر الدول المغاربية قلقًا من زحف الأسلحة التركية على ليبيا، وأكبر بلد لديه حدود برية ساشعة مع ليبيا. وهو الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك و التساؤلات.
الحمولة الحجوزة في ليبيا تركية المنشأ ومصنعة من قبل شركة Zoraki التركية للصناعات الحربية
هل تريد تركيا زعزعة الإستقرار بتونس و الجزائر؟
و كان نائب وزير الدفاع و رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح قد سارع في ديسمبر المنصرم إلى القيام بزيارة عمل إلى الناحية العسكرية الرابعة في ولاية ورقلة الحدودية مع ليبيا وذلك مباشرة في أعقاب ضبط شحنة الأسلحة التركية التي وصلت إلى ليبيا.
وأفادت نفس المصادر أن السلطات الجزائرية تتعامل مع التهديدات الأمنية القادمة من وراء الحدود بحذر شديد، بحكم قيامها بتدريبات عسكرية مكثفة على مقربة من الحدود الليبية، في رسائل موجهة إلى الجماعات المسلحة ومهربي السلاح، حيث قام نائب وزير الدفاع و رئيس أركان الجيش الجزائري خلال تلك الزيارة باستعراض طائرات “ميغ 35” الحديثة التي قامت بطلعات جوية في سماء المنطقة، كما دشن ثكنة مخصصة لوحدة من وحدات الدفاع الجوي عن الإقليم.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، بالتزامن مع ذلك، حجز أسلحة حربية قرب الحدود مع مالي بينها صواريخ ومتفجرات وقنابل يدوية. وقال بيان للوزارة إنه “في إطار مكافحة الإرهاب، كشفت وحدة من الجيش الوطني الشعبي، ببلدة برج باجي مختار، مخبأ للأسلحة والذخيرة، أسفر عن حجز صواريخ ومتفجرات وقنابل يدوية”. وأوضح البيان أن هذه الأسلحة المحجوزة تتمثل في “مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف و(15) صاروخ جو-أرض عيار 57 ملم و(20) قنبلة يدوية و(20) مفجرًا “. ولم تكشف الوزارة عن مصدر هذه الأسلحة أو الجهة التي تعمدت إخفائها داخل التراب الجزائري.
وكشفت مصادرنا أن الأسلحة التي حملتها سفينة قادمة من تركيا وحجزتها ليبيا هي موجهة لإستهداف دول المغرب العربي بما فيهم الجزائر و تونس وزعزعة إستقرارها.
الجيش الليبي: أدلة تثبت دعم تركيا للإرهابيين بالسلاح
وكان العميد أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي قد صرح بأن شحنة الأسلحة التركية التي ضبطت بميناء الخمس الليبي في ديسمبر 2018 كانت موجهة إلى مليشيات هدفها تنفيذ اغتيالات سياسية، مطالبًا بـ”تحقيق دولي عاجل بشأنها”. وأعلن المسماري أن هناك أدلة ومستندات تثبت دعم تركيا للإرهابيين في ليبيا، مؤكداً أن أنقرة تمثل خطراً كبيراً على الأمن الليبي وترتكب جرائم بحق الليبيين.
أنقرة تمثل خطراً كبيراً على الأمن الليبي.
وأشار المسماري في مؤتمر صحفي إلى أن الجيش الليبي يمتلك “كل المستندات الخاصة بباخرة قادمة من تركيا تحمل أسلحة خاصة بأعمال العصابات”، وتابع قائلاً: “أعتقد أن شحنة الأسلحة المضبوطة بميناء الخمس لها علاقة بعمليات الإغتيالات”.
وشدد المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي على أن “تركيا خطيرة على أمن ليبيا”، كاشفاً عن أن “الإرهابيين يتم معالجتهم في تركيا”. ووجّه المسماري تساؤلاً لمجلس الأمن قائلاً: “ماذا ستقول لجنة العقوبات في مجلس الأمن بشأن كميات الأسلحة القادمة من تركيا والتي ضُبطت بميناء الخمس؟”.
وكان رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى الليبية فائز السراج قد اتفق مع وزير الخارجية التركى مولود أوغلو على فتح تحقيق مشترك عاجل لبحث ملابسات الحادثة وكشف المتورطين، لكن الجيش الليبي رفض ذلك لأن السفينة خرجت من ميناء تركى، و لأن تركيا طرفًا فى هذا العمل الجنائى والإرهابى، ولا يجب أن تكون طرفًا فيه.
الأسلحة التركية المحجوزة بليبيا تكفي لقتل قرابة 80 بالمئة من الشعب الليبي
وكانت السلطات الليبية قد نجحت، يوم 8 جانفي 2019، في إحباط عملية تهريب شحنة أسلحة بميناء مصراتة، كانت على متن باخرة قادمة من تركيا. وقالت مصلحة الجمارك بميناء مصراتة إنها “تمكنت من ضبط شحنة أسلحة تحتوي على مسدسات تركية داخل حاوية تحتوي على بعض المواد المنزلية وألعاب الأطفال”. وأوضحت أنه تم حجز 556 كرتونة، تحتوي كل واحدة منها على 36 مسدسًا. وهي المرّة الثانية التي يتم فيها حجز أسلحة قادمة من تركيا، في أقل من 3 أسابيع فقط، والثالثة في ظرف عام، حيث و قبل ذلك أعلن الرائد فهمي حسين الماقوري، الناطق الرسمي باسم الجمارك اللليبية، في ديسمبر 2018، عن ضبط حاويتين قادمتين من تركيا، مُحملتين بـ”4 ملايين و518 ألف طلقة ومسدسات وبنادق صيد” في ميناء الخمس البحري.
ونجا النقيب الليبي طارق زريقيط، الذي كلفته السلطات في طرابلس بالتحقيق في القضية، من محاولة اغتيال مؤخرًا، بعدما حاول مسلحون قتله في مدينة الخمس وهو الأمر الذي يرجحّ عملية التآمر على الأمن القومي لدول المغرب العربي بتواطئ تركي محتمل.
وفي جانفي 2018، ضبط خفر السواحل اليوناني سفينة محملة بمتفجرات وهي في الطريق إلى ليبيا؛ حيث كانت ترفع علم تنزانيا، إلا أنها أخذت حمولتها من ميناءي مرسين والإسنكدرونة التركيين، وحددت الوجهة في جيبوتي وعمان، وتم رصد السفينة قرب جزيرة كريت، وعثرت السلطات على 29 حاوية بها مواد منها نترات الأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية و11 خزانًا فارغًا لغاز البترول المسال.
وكشفت تقارير إعلامية ليبية، أن الحمولة تركية المنشأ ومصنعة من قبل شركة Zoraki التركية للصناعات الحربية وشركة Retay التركية للنظم الدفاعية والمتخصصة فى النظم الدفاعية ويقع موقعها فى مدينة قونيا وسط تركيا إلى الجنوب من العاصمة أنقرة، أما شركة Zoraki فقد تبين من خلال موقعها الإلكترونى بأنها تابعة لمجموعة Atakarms للصناعات الحربية وتتخذ من مدينة إسطنبول مقراً لها.
وحملت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، في أعقاب الكشف عن شحنتي الأسلحة، المجموعة الدولية مسؤولية ما تقوم به تركيا في ليبيا، لافتة في بيان لها إلى أن شحنة الأسلحة المضبوطة “تكفي لقتل قرابة 80 بالمئة من الشعب الليبي، إضافة إلى آلاف المسدسات والبنادق ولوازمها بما فيها تلك القابلة إلى التحوير بكواتم صوت لتنفيذ الاغتيالات”.
كما أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا عن إدانتها لحادثة ضبط شحنة من الأسلحة والذخائر القادمة من تركيا، والتي تم ضبطها بميناء الخمس. وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في بيان لها، لجنة الخبراء الدوليين بمجلس الأمن الدولي الخاصة بليبيا بفتح تحقيق شامل حيال الشحنة، والطرف المسؤول عن تصديرها إلى ليبيا، والمسؤول عن تسهيل خروجها عبر الموانئ التركية، خاصة أنها تعد ثاني شحنة سلاح يتم ضبطها خلال 2018 قادمة من تركيا. واتهم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر (المسيطر على أغلب مناطق الشرق والجنوب) دولتي قطر وتركيا بدعم الإرهابيين بالسلاح والمال.
هذا و نشير إلى أن الأمم المتحدة كانت قد فرضت حظرا على الأسلحة المنقولة إلى ليبيا بعد سقوط نظام القذافي عام 2011. ومددت الأمم المتحدة في جوان 2018 حظرًا على السلاح لليبيا لعام آخر.
شارك رأيك