قد يخفي مايسمى عادة بازدواجية الخطاب لدى قادة حزب النهضة اختلافات و تناقضات عميقة تشق الحركة الإسلامية التونسية وتنذر بشروخات عميقة قد تتحول مستقبلا إلى انقسامات و صراعات على افتكاك مقاليد السلطة داخل التنظيم الإخواني من مؤسسه وقائده التاريخي الشيخ راشد الغنوشي.
بقلم مصطفى عطية *
يعمل رئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، منذ أشهر عديدة على ترميم صورة حركته وتجميل ملامحها بالداخل والخارج، مواكبة منه للمستجدات الحاصلة على الساحة الوطنية وللتحولات العميقة إقليميا ودوليا، وذلك بعد سقوط الإخوان في مصر وهزيمة “الجهاديين” في سوريا والعراق وخسوف الحلف المناصر لهم والمتركب من تركيا وقطر وتفكك مجلس التعاون الخليجي وصعود العدو الأكبر للإسلامين، دوناد ترمب، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وتنامي شعبية اليمين المتطرف في أغلب البلدان الأوروبية، وعودة روسيا إلى واجهة الأحداث والرجوع بالعالم إلى حالة الإستقطاب الثنائي التي كانت سائدة قبل سقوط حائط برلين منذ أكثر من عقدين ونصف، لكن بدا جليا وواضحا أن كل ما يبنيه راشد الغنوشي ورموز “الإعتدال” في حركته يهدمه “أبناؤه” المتمردون على سلطته والمعارضون لإصلاحاته.
إنقلاب جذري في الخطاب السياسي لبعض قادة النهضة
عندما تستمع إلى زياد العذاري وعبد الفتاح مورو ولطفي زيتون وآخرون، وهم يتحدثون، بلغة أخرى ومفاهيم جديدة وأسلوب مختلف، عن مدنية الحركة وقطعها مع الإسلام السياسي و تبرئها من تنظيم “الإخوان المسلمين” ومعارضتها لعودة الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء في سوريا والعراق وليبيا، تستشف إنقلابا جذريا في الخطاب السياسي لدى هؤلاء ورغبة واضحة في الإصلاح ومواكبة التطورات الحاصلة في البلاد وخارجها، وحرصا شديدا على إنقاذ الحركة ودرء التهم التي تستهدفها وبالتالي تأمين تواصلها وٱمتدادها كرافد مدني للعمل السياسي وتدعيم المسار الديمقراطي في البلاد، في انتظار إتخاذ الخطوة العملية التي لا بد منها، وهي تغيير ميثاق الحركة وتخليصه مما علق به من شوائب تتعارض مع التوجه الجديد.
لكن عندما تتمعن في الخطاب المضاد الذي يروج له عبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم وعبد الكريم الهاروني، على سبيل المثال وليس الحصر، وهم يتحدثون بٱسم حركة النهضة، تتراءى لك الهوة شاسعة جدا بين التيارين إلى حد الإعتقاد بأن هذه الحركة التي تتباهي، إعلاميا على الأقل، بوحدتها الصماء قد أصبحت حركتين إثنتين متصادمتين، فعندما يعلن لطفي زيتون أو عبد الفتاح مورو عن رفض الحركة لعودة الإرهابيين يجيب محمد بن سالم بأن عودتهم شرعية بل يذهب إلى نفي صفة الإرهاب عنهم، ولما تؤكد محرزية العبيدي أن الحركة لا ترى مانعا في إقرار المساواة بين الجنسين ترتفع أصوات مضادة تطالب بعدم المساس بتعاليم القرآن، ويتذكر التونسيون جيدا حالة التضارب الصارخ بين قياديي النهضة تجاه إغتيال محمد الزواري من قبل الموساد الإسرائيلي فمن قائل من قادة الجماعة، إنه لا ينتمي للحركة، إلى إجابة عبد اللطيف المكي بتنظيم مظاهرة في صفاقس تكريما له.
وفي خضم ردود الفعل الصاخبة ضد تصريحات رئيس الجمهورية المؤقت سابقا، محمد المنصف المرزوقي، الذي كال فيها التهم للنهضة وقف محمد بن سالم مدافعا عنه ، ووصفه بأنه “أفضل” من الباجي قائد السبسي، ويحتفظ السجل الأسود لما يسمى بمجلس نواب الشعب بما أتاه النائب عن حركة النهضة في مجلس نواب الشعب المدعو حسين اليحياوي من كراهية وحقد عندما قال أن ثروات تطاوين منهوبة وتذهب مداخيلها إلى منطقة الساحل (هكذا) في تحريض علني مفضوح على الفتنة الجهوية، وهي، لو علم، أشد من القتل كما جاء في ديننا الحنيف لكن هذا “النائب” الذي ينتمي إلى حزب ذي مرجعية إسلامية عمل بما يخالف تماما تعاليم الإسلام، وهذه من الكبائر ، حسب الفقهاء!
وفي الوقت الذي كان فيه أغلب التونسيين الذين صدمهم هذا القول الخطير جدا بإنتظار موقف من حركة النهضة تتبرأ فيه من تصريحات حسين اليحياوي لازمت قيادة الحركة الصمت المطبق، والأمثلة في هذا المجال عديدة وصادمة.
التناقض الصارخ بين خطابين “رسميين” لقيادات النهضة
تفسر الأحزاب والتيارات المعارضة لحركة النهضة هذا التناقض بين خطابين “رسميين” لقياداتها بجنوح الحركة إلى ممارسة إزدواجية خطابية قصد توزيع الأدوار والإيهام بوجود توجهات إصلاحية تلاقي رفضا من تيارات متشددة، ولكن المنطق يرفض هذا التأويل المتسرع لأن توزيع الأدوار، إن تم إعتماده وحصل، فلن يكون بهذه الحدة، خاصة وأن التجربة أثبتت فشل مثل هذه الممارسات في السابق ولم تعد تنطلي حتى على أبسط العوام !
ماذا يحدث إذن؟! لا شك أن حركة النهضة تعيش مخاضا عسيرا، نتجت عنه صراعات شديدة بين بعض المدركين لأهمية التغيير في التحولات الداخلية والخارجية العميقة والمتسارعة من جهة، وقوى الجذب إلى الخلف من محافظين ومتشددين ومتطرفين الذين لم يستوعبوا هذه التحولات بل لم يعترفوا بها أصلا، من جهة أخرى، ومن المنتظر ، والحال تلك ، أن تحدد نتيجة هذا الصراع، الذي خرج من الكواليس وأصبح معلنا ويزداد إضطراما من يوم إلى آخر، الموقف الرسمي للحركة بالداخل وخاصة بالخارج حيث تترصدها الأعين والأسماع لقياس مدى إندراجها في مسالك الإصلاح المطلوب وتحولها إلى حزب مدني ديمقراطي يقطع من التنظيمات المصنفة إرهابية كتنظيم الإخوان المسلمين، ويتنصل من تبعيته للإسلام السياسي.
* صحفي وكاتب.
للتأمل فقط : قائد السبسي يلتحق بالمرزوقي وبن جعفر في الحرب على النهضة التي غدرت بهم !
للتأمل فقط : وزراء الإتصال الفلكلوري من “زيت الزيتون ليس من تقاليدنا” إلى”جثث في حالة وفاة”
أحفاد المشعوذ “صاحب الحمار” والخائن أبي الحسن الحفصي يعودون من دهاليز الحقد والعمالة !
شارك رأيك