لضمان التنوّع الإعلامي ودعم التعددية الفكرية وحماية الصحافة المكتوبة والإلكترونية من تدخل المال السياسي والتمويلات الإنتخابية وجب الإسراع في إصدار القانون المنظم للوكالة الوطنية للتصرف في الإشهار العمومي والإشتراكات التي طال إنتظارها منذ سبعة سنوات.
بقلم فوزي عبيدي
تمثل الصحافة الحرة أحد أهم أعمدة النظام الديمقراطي و المرآة العاكسة لتعدد أفكار مجتمعه وحرية الصحافة هي مفتاح تطور هذه الديمقراطية، الجانب الذي يهم الحرية كفله المرسوم عدد115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة و الطباعة والنشر حيث تم التخلي عن الترخيص والإكتفاء فقط بعملية التصريح طبقا للإجراءات المشار إليها بالفصل 18 من المرسوم، لكن هذا الجانب المضيء يقابله جانب مظلم وهو الأزمة المالية التي تعيشها الصحافة المكتوبة في تونس سواءا الورقية أو الإلكترونية، فأغلب الصحف تصارع من أجل البقاء على وقع الأزمات وبعضها أعلن إفلاسه في ظل تزايد حدة الأزمة الاقتصادية المحدقة به جراء إرتفاع تكاليف الورق والطباعة، لكنّها في المقابل تتمتع بمداخيل أقل وتعاني من صعوبات الحصول على الإشهار في ظل الأزمة الإقتصادية التي دفعت أصحاب الشركات إلى التنقيص من ميزانية الإعلانات.
بالنسبة للصحافة الإلكترونية فهي ليست بأفضل حال من الصحافة الورقية فهي تنفق مصاريف أخرى خاصة التزود بسعات الأنترنات، الإيواء الإلكتروني للموقع، التعاقد مع مصممي المواقع الإلكترونية والتصدي لمحاولات القرصنة فبالرغم من الإعتراف بالصحافة الإلكترونية من خلال المرسوم عدد 115 فإنها محرومة في أغلبها من حصتها من الإشهار العمومي.
فوضى بعد حل وكالة الإتصال الخارجي
تم حل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي وفق الأمر عدد 3292 لسنة 2012مؤرخ في 18 ديسمبر 2012 نظرا لسوء إستخدام المال العمومي حيث عمدت الوكالة إلى تلميع صورة النظام وذلك بالتحكم في الإشهار العمومي وتوزيع موارده المالية على الصحف والمجلات التابعة مما تسبب في حرمان البقية من الصحافة المستقلة.
لكن بعد حل هذه الوكالة سارت الأمور نحو نوع من الفوضى في ظل غياب إطار منظم وواضح مما ساهم في ظهور بعض الممارسات غير الشفافة وعدم وجود عدالة في توزيع الإشهار العمومي فضلا عن عدم مواكبة التطورات الحاصلة خاصة في حق الصحافة الإلكترونية التي أخذت مجال واسع من المجال الإعلامي المكتوب لكن تم إقصائها من الإشهار العمومي.
من ناحية أخرى، توزيع الإشهار العمومي حسب طريقة طلب العروض ساهمت في رضوخ الصحافة المكتوبة لإعطاء مساحات إعلانية دون قيمتها الحقيقية نتيجة المنافسة غير النزيهة التي تحصل عند تحديد أسعار الإشهار على أعمدة الصحف.
إن الإهتمام بالإعلام ليس فقط لأنه من الحقوق الأساسية للمواطن التي نصّ عليها الدستور التونسي الجديد من خلال حق المواطن في المعلومة ولكن السبب الأهم هو ضمان التنوّع الإعلامي حماية للتعددية الفكرية فعدم تنظيم الميدان ودعمه ماديا سوف يترك الصحافة في متناول المال السياسي والتمويلات الإنتخابية لذلك وجب الإسراع في إصدار القانون المنظم للوكالة المعنية بهذه العملية التي طال إنتظارها منذ سبعة سنوات.
مشروع إحداث الوكالة الوطنية للتصرف في الإشهار العمومي والاشتراكات
هذه الوكالة ينتظر أن ترى النور هذه السنة بعد أن قامت الحكومة بإيداع قانونها المنظم بمجلس النواب يوم 11 جانفي 2019 في إنتظار النظر فيه من قبل اللجان المختصة فحسب هذا القانون هي مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي تخضع لإشراف رئاسة الحكومة و مقرها تونس العاصمة مع إمكانية إحداث فروع جهوية.
يشمل الإشهار العمومي الذي تتولى الوكالة حوكمته جميع الإعلانات والبلاغات ذات الطابع التحسيسي أو التوعوي في مختلف المجالات والتي تكتسي صبغة المصلحة العامة وأعمال الإشهار مهما كان نوعها التي تقوم بها الهياكل العمومية والتي تتم عبر الصحف والدوريات المكتوبة الورقية والإلكترونية بما في ذلك الإعلانات الخاصة بالمناقصات وطلبات العروض والإعلانات المتعلقة بالإنتدابات والمناظرات والإعلانات الجامعية والمدرسية والإعلانات الخاصة بالمسائل المالية وإعلانات التبتيت أو البيع بالمزاد العلني وإعلانات التجنيد وإعلانات الاشهار ذات الصبغة التجارية.
يعهد إلى الوكالة القيام بالمهام المتعلقة بحوكمة الإشهار العمومي واقتناء الصحف والدوريات من قبل الهياكل العمومية وفقا لمعايير موضوعية ومنصفة تضمن حسن التصرف في المال العام من جهة وتشجيع قطاع الصحافة الوطنية المكتوبة والإلكترونية من جهة أخرى. تلقي وجمع طلبات الإشهار والإعلانات الصادرة عن الهياكل العمومية المتمثلة في رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب ورئاسة الحكومة والوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات المحلية.
ضبط وتحيين قائمة المؤسسات الصحفية الوطنية الورقية والإلكترونية التي تستجيب لمعايير إسناد الإشهار العمومي وذلك بعد أخذ رأي لجنة سوف يتم ضبط تركيبتها بمقتضى أمر حكومي وتضم وجوبا من بين أعضائها ممثلين عن أهل المهنة وعن الهياكل التمثيلية للصحفيين ومن أهم المعايير المطلوبة هي:
– مدى احترام مؤسسات الصحافة الورقية أو الإلكترونية للقواعد القانونية المنظمة لممارسة النشاط ولأخلاقيات المهنة.
– الوضعية الجبائية لمؤسسة الصحافة الورقية أو الإلكترونية ووضعيتها تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– مبادئ المنافسة وتكافؤ الفرص والشفافية.
– خصوصية كل عملية إشهار بالنظر إلى موضوعها والجهات الموجهة لها.
– دورية صدور الصحيفة الورقية أو الإلكترونية.
– الإمكانيات المادية المتاحة لمؤسسة الصحافة الورقية أو الإلكترونية.
– توزيع الصحيفة على المستويين الوطني والجهوي والمحلي.
مع العلم أن هذه المعايير سوف يتم ضبطها نهائيا من قبل اللجنة المذكورة في شكل أمر حكومي بعد إستشارة مجلس المنافسة لمزيد الشفافية.
أما من الناحية التطبيقية سوف تقوم الوكالة في مرحلة أولى بمراقبة عملية نشر الإشهار العمومي في الصحف الورقية والإلكترونية طبقا للطلبات المقررة والمعايير والآجال المحددة لكل عملية إشهار ومن ثم تسديد المبالغ المستحقة لفائدة المؤسسات الصحفية الورقية والإلكترونية المعنية بعنوان خدمات نشر الإشهار العمومي في المواعيد المحددة لها. كذلك تقوم الوكالة بتنظيم عملية إقتناء الصحف والدوريات من قبل الهياكل العمومية بطريقة الاشتراكات السنوية مع المؤسسات المنتجة وفقا لمعايير موضوعية ومنصفة مشابهة لمعايير إسناد الإشهار العمومي.
وفي بعد إجتماعي ينتظر أن يقر القانون حسب صيغته الأولية إقتطاع نسبة 5% من المقابل المالي لكل عملية إشهار عمومي قبل الدفع بناء على ترخيص كتابي مسبق من مؤسسة الصحافة المكتوبة المعنية تخصص لدعم الخدمات الإجتماعية لفائدة الصحفيين التونسيين، وتبعا لذلك سوف يتم إبرام إتفاقية بين كل من الوكالة والهيكل الممثل للصحفيين والهيكل الممثل للمؤسسات الصحفية المكتوبة والإلكترونية لضبط صيغ تطبيق هذا الخصم وكيفية صرفه .
لهذا المطلوب هو التسريع في النظر من قبل اللجان المعنية بمجلس النواب في هذا القانون ليدخل حيز التنفيذ وتجاوز هذا الفراغ منذ سنوات بعد ذلك يجب العمل على إختيار أعضاء اللجنة بكل شفافية وبعد التشاور مع أهل المهنة لأن إختيارات و أعمال اللجنة هي المحددة لنجاح العملية برمتها.
شارك رأيك