تعددت خيبات سليم الرياحي وتراكمت بشكل درامي، فبعد إندثار حزبه، الإتحاد الوطني الحر، وٱنصهاره داخل نداء تونس وخروجه من جمعية النادي الإفريقي تطارده الإتهامات الخطيرة، ثم تجميد أرصدته وأملاكه العقارية على خلفية تهمة تبييض الأموال، جاء القرار القضائي بالحكم عليه بالسجن لينهي نهائيا “مسيرته” المثخنة بالمشاكل.
بقلم : مصطفى عطية *
من الصعب جدا تفكيك شخصية سليم الرياحي، فقد حل بالبلاد غامضا ومارس السياسة وغير السياسة بغموض، ودخل أو أدخلوه في معارك وهمية بقيت أسبابها ومآلاتها غامضة أيضا! لا أدري إن كان هذا الغموض إختيارا منه أو فرض عليه فرضا بحكم الظروف التي حفت بمسيرته وثروته ومسلكه السياسي، لكن الثابت أنه لم يسع مطلقا إلى إزاحة هذا الغموض بل ربما وجد في التدثر به ما يخدم أهدافه وغاياته.
ثروة لم يفصح عن حجمها ومصدرها أو مكان وجودها
كان منذ اليوم الأول من حلوله بأرض الوطن، بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام السابق، مصرا على دخول المنافسات السياسية من الباب الكبير، رغم أنه غير معروف في الأوساط السياسية والشعبية وليست له تجربة في المجال، وكل “أوراقه الرابحة” تتلخص في ثروة لم يفصح عن حجمها ومصدرها أو مكان وجودها، وإن إعترف ذات مرة بأنها خارج الوطن، وهو مستعد لتوظيفها في بناء شخصيته السياسية، فالمال قوام الأعمال !
وبعد تجربة فاشلة في الإنتخابات الأولى رغم الأموال الطائلة التي أنفقها في الدعاية لنفسه ولحزبه الناشئ تمكن في الإنتخابات الثانية من تحقيق القليل مما كان يصبو إليه ففشل فشلا ذريعا في الرئاسية ونجح نسبيا في التشريعية بتأمين دخول مجلس نواب الشعب بعدد مكنه من تكوين كتلة فرضت وجودها عند تشكيل الحكومة الإئتلافية السابقة برئاسة الحبيب الصيد.
كان هذا النجاح النسبي قد عمق لديه الوهم بأنه قادر بالمال على مواصلة الزحف نحو المرتفعات التي يهدف إلى صعودها، وتناسى أن العمل السياسي، وإن كان يعتمد في جانب منه على المال، يتطلب توفر عناصر أخرى هامة جدا كالثقافة السياسية العميقة والشاملة والقدرة على التواصل مع الناس والكاريزما والمصداقية، وهي عناصر أثبتت الأيام، وما تضمنته من أحداث ووقائع وطوارئ، أنه يفتقدها، وقد إستغل منافسوه نقط الضعف هذه ووظفوها كما شاؤوا في الإساءة إليه وتفتيت حزبه وبعثرة حساباته، وساعدها هو بالسقوط بسهولة في الفخاخ والمطبات التي نصبوها له!
لم تكن لسليم الرياحي مؤهلات برلسكوني السياسية والإتصالية والكاريزماتية
خسر سليم الرياحي في ثلاث سنوات ما جمعه في أربع سنوات أو خمس سنوات ! إندثار الحزب، غياب كلي للنشاط السياسي داخل البلاد، نزيف من الإستقالات، إستهداف مستمر لشخصه، تشكيك في ثروته، تندر بتصريحاته وٱستهزاء بمواقفه، وزاد ترأسه لجمعية النادي الإفريقي في تأليب جماهير الجمعيات الأخرى عليه، ويتذكر المتابعون للشأن السياسي والتحركات الشعبية والجماهيرية في البلاد، حجم الإساءة التي تعرض لها من جماهير النجم الرياضي الساحلي بعد تصريحاته ضد جمعيتهم الشيء الذي تسبب في غلق مكاتب حزبه بجهة الساحل، ثم خروجه المهين من جمعية باب الجديد تلاحقه إتهامات خطيرة.
لا يعرف سليم الرياحي أنه لا يمكن لسياسي أن ينجح بالشكل المطلوب في تونس اليوم، التي تعتمد النظام الديمقراطي، وهو يرأس جمعية رياضية منافسة للجمعيات الكبرى الأخرى ! وحتى في أعرق الديمقراطيات لا يمكن ذلك، والحالة الوحيدة الناجحة هي توصل سيلفيو برلسكوني إلى الجلوس على سدة الحكم في إيطاليا وهو رئيس لجمعية ميلانو، لكنه كان يملك إمبراطورية إعلامية ومالية ، لكن ذلك لم يسعفه من السقوط سقوطا مهينا!
كانت تلك حالة إستثنائية، ولم تكن لسليم الرياحي مؤهلات برلسكوني السياسية والإتصالية والكاريزماتية لإعادة إنجازها. كل هذه الإخفاقات المتراكمة تفاقمت بالتهم الموجهة إليه والتي حسم فيها القضاء إبتدائيا .
سليم الرياحي لم يستوعب الدرس من عثراته وٱنزلاقاته وهفواته
وبالرغم من كل هذا الفيض من التراكمات السلبية بدا سليم الرياحي في تصريحاته الأخيرة مؤمنا شديد الإيمان بقدرته الفائقة على العودة إلى الواجهة والنجاح في تحقيق أهدافه السياسية، وإن كان الطموح حقا، والإصرار على صعود الجبال فضيلة أسطورية إغريقية فإن الإيغال في الهروب إلى الأمام، والمبالغة في تضخيم الإمكانيات والقدرات، و تغطية الواقع بالأوهام، يصبح في السياسة وحيثياتها ضربا من ضروب العبثية التي تستفز الناس وتدفعهم إلى رد الفعل بطريقة مهينة للشخص المعني! وهو ما حدث تجاه سليم الرياحي كلما تعمد الظهور الفلكلوري في وسائل الإعلام.
المشكل هو ان سليم الرياحي لم يستوعب الدرس من عثراته وٱنزلاقاته وهفواته وتقديراته الخاطئة، ولم يستخلص العبرة مما حدث لآخرين أكثر منه تجربة ومعرفة بأساليب العمل السياسي، كمحمد المنصف المرزوقي، الذي ركب سروج التصريحات النارية والعنتريات والمبالغات النرجسية، كما أنه لم يستخلص العبرة مما حدث للشعبويين والفلكلوريين أمثال الهاشمي الحامدي الذي أصبح مصدر إستهزاء الناس!
إن السياسة لعب بالنار ومن لا يحسن قواعد اللعبة يحترق بلهيبها.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : فضيحة المدرسة القرآنية بالرڨاب تعيد للأذهان قولة عبد الفتاح مورو لوجدي غنيم !
للتأمل فقط : حمادي الجبالي “يبشركم” بترشحه للإنتخابات الرئاسية وإقامة الخلافة السادسة !
للتأمل فقط : يحدث في حركة النهضة، راشد الغنوشي في مواجهة حادة مع “أبنائه” المتمردين !
شارك رأيك