النواب ليلى الشتاوي، سهيل العلويني، الصحبي بن فرج، وعبير العبدلي.
في هذا المقال يروي النائب الصحبي بن فرج ما اهده خلال زيارته مع عدد من زملائه لمركز الطفولة بحمام الأنف حيث يقيم الأطفال والمراهقون الذين وقع إنقاذهم مؤخرا مما أسماها “المدرسة الإرهابية بالرڤاب” و يتساءل عن قدرة المجتمع والدولة في تونس على مقاومة “منظومة الإرهاب التي لها سياسيوها ونوابها وحقوقيوها ومحاموها ومنظماتها التونسية والدولية”.
بقلم الصحبي بن فرج
ونحن نجتاز، صحبة المندوب الجهوي للطفولة، باحة القصر الحسيني الذي يأوي أطفال المدرسة الإرهابية بالرڤاب، حاولت النائبة هدى سليم التودّد لأحد الاطفال بقولها: “ولدي علاش ماكش لابس كلاسط. موش برد عليك؟” أجابها المراهق بكل برود وثقة وتحدٍّ واضح : “تي هوما أيامات ونطلع للجبل!!!”
في هذه الأثناء، يهمس أحد المسؤولين محذرا النائبة ليلى الشتاوي من الحديث مع “أمير” الأطفال وكبيرهم، فقد أرسل اليه مهددا منذ لحظات عبر أحد العملة بأنه إذا كلمته تلك السافرة فإنه س”يكسرّلها وجهها”.
وفعلا، تتفادى الزميلة عبير العبدلي “كعبة برتقال” أُلقيت عليها من “برج المراقبة” في رسالة واضحة مفادها أننا هنا سادة المكان ولا سلطان لكم على الأطفال.
يخيّل إليك وأنت تجول داخل المركز، بأنك تزور إمارة سلفية مصغرة خارج الزمان والمكان: أطفال ومراهقون ينتشرون في أركان القصر، غالبا باللباس الأفغاني، ينغمس بعضهم في مختلف أنشطة المركز (كرة قدم، ألعاب فيديو، مسرح…) بينما يتمركز فريق “برج المراقبة” في زاوية بالطابق العلوي تطل على الساحة، لا تفوته أي حركة أو تواصل بين الأطفال وإطارات وزوار المركز (أطباء، أخصائيين نفسيين، منشطين…)
يتنقل الأمير بنشاط بين مختلف المجموعات، ليقوم بدوره الرقابي والقيادي على “رعاياه”، : يتصل بالمسؤولين على المركز، يوبخ هذا الطفل ويوجه ذاك المراهق، ويذكّر الآخر بأن طريقة حلاقة شعره (على طريقة المارينز) بدعة تستوجب العقاب، يتزعّم الإحتجاجات، والمطالبة بالمغادرة، يحاور الزوار ويلقّن الأطفال الجملة التي تتكرر دائما: “نريد العودة الى المدرسة” (وليس الى عائلاتهم).
غادرنا المركز، بين شعور بالفخر بمستوى مؤسسات وإطارات الدولة التونسية وإحساس بالذهول والصدمة : كيف تسللت منظومة الإرهاب الى عمق المجتمع لتسطو على جزء منه وتنتزعه من حضن وسلطة الدولة؟
هنا في مركز رعاية الطفولة تختلط أمامك صورة مؤسسات الدولة المدنية الراعية لمواطنيها بمظاهر عجز الدولة عن توفير الرعاية والحماية لجزإ هام من مواطنيها (تنمية، تشغيل، إحاطة نفسية، إجتماعية…)
ونحن نغادر، تزدحم في أذهاننا الخواطر والهواجس والأسئلة والحارقة…
اولا، ماذا سنفعل بعد نهاية إقامة الأطفال في المركز وينخفض منسوب الإهتمام الإعلامي بقضية الرڤاب؟ عندما يعود الأطفال الى قراهم ومدنهم، كيف نضمن عدم عودتهم الى أوكار إرهابية أخرى؟
ثانيا، كيف نرخّص في تونس لمثل هذه المدارس؟ كم توجد في تونس من مدرسة أو أكاديمية إرهابية تحت شعار تحفيظ القرآن؟
بالعشرات يجيبني أحد المسؤولين، مع ذكر أسماء المدارس ومواقعها سواء في الأحياء الشعبية أو الراقية.
ثالثا، كيف غاب عن أعين وآذان المسؤولين الجهويين ما كان يقع في مدرسة الرڤاب: مركز تأهيل إرهابي بأتم معنى الكلمة: دمغجة، عزل عن المحيط العائلي والدراسي، تكفير للمجتمع، تدريب شبه عسكري، شحن عقائدي ايديولوجي، إستقطاب من غالب ولايات الجمهورية… ماذا كان يفعل طيلة ثلاث سنوات كل هؤلاء المعتمدين والولاة ورؤساء مراكز ومناطق وأقاليم الحرس والشرطة والمخابرات ومسؤولي الطفولة والشؤون الإجتماعية؟
أخيرا، لمنظومة الارهاب سياسيوها ونوابها وحقوقيوها ومحاموها ومنظماتها التونسية والدولية…
وللمنظومة الإرهابية أنصار ومريدون يجتمعون حولها ويتجندون للذود عنهما ويقاتلون من أجلها ويرهبون كل من تسول له وطنيته الوقوف في وجه المنظومة، قيُصبح أطفال الأكاديمية الإرهابية، حفظة للقرآن… اختطفهم أعداء الاسلام، يفرقونهم عن عائلاتهم ويحتجوزونهم ويعتدون عليهم ظلما وعدوانا عبر آلية الفحص الشرجي.
هم كالبنيان المرصوص إذا سقط أو وقع منهم عضو يتداعى له سائر الاعضاء بالمساندة والمعاضدة والتعزيز والكذب والتشويه والتهديد…
هكذا تشتغل منظومة “الاسلام في خطر”، فكيف تشتغل منظومة الدفاع عن مدنية الدولة وحداثية المجتمع؟ بنفس الوحدة؟ بنفس التضامن؟ بنفس التنسيق؟
على قلب رحل واحد أم على صيغة “كل حزب بما لديهم فرحون” ؟
أفلا تتدبّرون؟ أم على قلوبٍ أقفالها؟
شارك رأيك