بدأت حرب التصريحات والتصريحات المضادة بين “الشقيقين الحميمين سابقًا” السعودية والمغرب منذ مدة، لتبلغ أوجها خلال الأيام القليلة المنقضية. وكان وقودها هذه المرة وسائل الإعلام في صورة قناتي “الجزيرة” القطرية و”العربية” السعودية”. لتعرف الأمور تطورات مثيرة بلغت حد الأزمة الديبلوماسة من خلال إستدعاء المغرب لسفيره بالرياض.
بقلم عمّـار قـردود
فقد ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” العالمية أن المغرب استدعى سفيره من الرياض ردًا على بث قناة “العربية” فيلمًا وثائقيًا يتحدث عن غزو المغرب للصحراء الغربية، بعد رفض الرباط استقبال ولي عهد السعودية.
وقالت الوكالة الأمريكية إن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ألمح خلال لقائه مع قناة “الجزيرة” القطرية إلى تحفظات بلاده الجادة على جولة ولي العهد السعودي التي شملت دولا عربية، خاصة بعد الإدانة الدولية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول.
وردًا على سؤال حول سبب عدم إستضافة الرباط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أثناء جولة قام بها مؤخرًا إلى دول عربية أخرى، قال بوريطة: “إن الزيارات الرسمية يتم إعدادها مسبقًا، وفقًا للبروتوكول”. وأوردت “أسوشيتد برس” إنه بعد مقابلة وزير الخارجية المغربي بوريطة مباشرة مع القناة القطرية، بثت قناة “العربية” السعودية فيلمًا وثائقيًا حول الصحراء الغربية، يدعم الإدعاءات التي تتحدث عن أن المغرب غزا تلك المنطقة، عقب مغادرة المستعمرين الإسبان لها في عام 1975، وهو ما يرفضه المغرب، حيث يعتبر الصحراء الغربية ضمن مناطقه الجنوبية.
وأضافت الوكالة، نقلاً عن مسؤول حكومي مغربي، أن المغرب استدعى سفيره من المملكة العربية السعودية، لإجراء مشاورات بعد بث تقرير قناة “العربية” بشأن المزاعم بأن المغرب قام بغزو الصحراء. وأكد مسؤولان حكوميان آخران نبأ الإستدعاء للوكالة، لكنهما رفضا الكشف عن هويتهما.
وفي هذا الصدد، قال مسؤولون حكوميون، أمس الخميس 7 فيفري 2019، إن المغرب انسحب من المشاركة في العمليات العسكرية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية.
فوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لمّح خلال برنامج “بلا حدود” على قناة “الجزيرة” يوم 23 جانفي الماضي، إلى أن المغرب كانت لديه تحفظات على زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى المغرب، أثناء قيامه بجولة في بلدان المغرب العربي شملت تونس، والجزائر و موريتانيا. وقال أن المغرب “غيّر مشاركته” في التحالف العسكري العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. ليُسارع ولي العهد السعودي للرد و بقوة على تصريحات الوزير المغربي عبر قناة “العربية” السعودية التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها.
السعودية تغير موقفها من قضية “الصحراء الغربية” بعد توتر علاقاتها مع المغرب
قناة “العربية” المملوكة للملياردير السعودي الوليد بن طلال وخلال تغطيتها للإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي للصحراء هورست كوهلر لمجلس الأمن الدولي يوم 29 جانفي الماضي حول محادثات المائدة المستديرة التي احتضنتها جنيف السويسرية يومي 5 و6 ديسمبر، بثت القناة السعودية خريطة للمغرب مقسومة إلى جزءين، جزء تحت مسمى المغرب والجزء الآخر تحت إسم الصحراء الغربية. في خرجة غريبة وغير مسبوقة وإن كانت مفهومة ولها تبريراتها.
القناة الفضائية “العربية” قامت بعرض ولأول مرة صور للدبابات وسط الصحراء الغربية بتقنية ثلاثية الأبعاد، دون أي إشارة للتطور العمراني في المنطقة، وساوى الصحافي الذي كان يتحدث عن تاريخ نزاع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، ولم يتردد في الحديث عن تأسيس البوليساريو “للجمهورية العربية لصحراوية الديمقراطية” – التي تعترف بها الجزائر وعدد من دول العالم -.
التقرير التلفزيوني الذي عرضته قناة “العربية” المقربة من دوائر صناعة القرار السعودي يؤكد بالصوت و الصورة بأن السعودية قد غيرت من موقفها إزاء القضية الصحراوية فجأة، رغم أنها كانت أكبر بلد مؤيد للطرح المغربي المحتلّ للأراضي الصحراوية، فالتقرير المذكور آنفًا إعترف بالشعب الصحراوي وبحقه في تقرير مصيره وتحدث عن إعتراف عدد من دول العالم بالجمهورية الصحراوية التي هي بلد عضو في الإتحاد الإفريقي الذي غادره المغرب منذ سنة 1984 ليعود إليه مضطرًا في 2017.
التغيير الحاصل في الموقف السعودي إتجاه قضية الصحراء الغربية جاء في ظل التوتر الحاصل في العلاقات المغربية السعودية منذ أشهر، والذي بدا أكثر وضوحًا بعد الأزمة الخليجية، حيث رفض المغرب الاصطفاف إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر. ليزداد توترًا و بأكثر حدة بعد تصويت السعودية لصالح الولايات المتحدة لإحتضان مونديال 2026 ضد المغرب.
المغرب يُعلن إنسحابه من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة قد أعلن في برنامج “بلا حدود” الذي يبث على قناة “الجزيرة”، للمرة الأولى عن انسحاب المغرب من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، وقال إن “المغرب غير مشاركته انطلاقًا من التطورات التي وقعت على أرض الواقع، وانطلاقًا من تدبير التحالف، وانطلاقًا من تقييم المغرب نفسه إلى التطورات في اليمن”.
وأكد بوريطة أن “المغرب قام بتقييم لمشاركته، كان هناك تطوير في شكل ومضمون المشاركة”، وأوضح أن “المغرب قام بهذا التقييم انطلاقًا من التطورات على أرض الواقع، وانطلاقا من التطور في الجوانب السياسية والإنسانية للملف اليمني، وانطلاقًا من كيفية التهييء للإجتماعات، وانطلاقًا من قناعاته”.
وأكد أن المغرب لم يشارك “في المناورات العسكرية (للتحالف)، ولم يشارك في بعض الإجتماعات الوزارية أيضا، وهذا هو التطور في المشاركة، ولكن ثوابت الموقف المغربي تظل هي دعم الشرعية في اليمن ودعم المبادرة الخليجية” لحل الأزمة اليمنية.
وقبل الإعلان الرسمي عن إنسحابه من التحالف العربي لم يشارك المغرب في مناورات الموج الأحمر، التي دعت إليها السعودية نهاية ديسمبر الماضي، وهي المناورات التي شهدت مشاركة أهم حلفاء الرياض. كما سبق لوزير الثقافة والإتصال المغربي محمد الأعرج أن اعتذر عن المشاركة في إجتماع لوزراء الإعلام في دول التحالف العربي في اليمن بمدينة جدة السعودية. وأرجع بيان للوزارة المغربية آنذاك سبب عدم المشاركة إلى إرتباطات متعلقة بجدول أعمال الوزير، غير أن قراءات عدة ذهبت إلى أن الغياب المغربي راجع إلى الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
ولم ينف وزير الخارجية المغربي وجود أزمة مع السعودية، مكتفيًا بالتأكيد على أن ضمانة إستمرار العلاقات بين الرباط والرياض هي الأسرة الملكية في المغرب والأسرة الملكية في السعودية.
بوادر الأزمة الديبلوماسية بين السعودية والمغرب لاحت مع بداية الأزمة الخليجية، بين قطر من جهة، وكل من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إضافة إلى مصر من جهة ثانية، حيث قررت هذه الدول مقاطعة الدوحة بعدما اتهمتها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية. واختارت العديد من الدول الحليفة للسعودية كموريتانيا والأردن السير على نهج الرياض وأبوظبي وقطع العلاقات مع قطر، غير أن المغرب الذي يعتبر بدوره من حلفاء السعودية قرر البقاء محايدًا و هو نفس الموقف إتخذته تونس والجزائر.
وأكد بوريطة في حواره مع قناة “الجزيرة” أن “السياسة الخارجية لجلالة الملك تقوم على مبدأ أساسي هو الاستقلالية” موضحا أن “المغرب دوره ليس أن يصطف مع طرف ضد الآخر (في الأزمة الخليجية)، دوره هو أن يقرب وجهات النظر، ودوره هو أن يساعد الإخوة والأشقاء على تجاوز هذا الوضع”.
مصائب المغرب و السعودية عند الجزائر فوائد…!
على ضوء التوتر الحاصل في العلاقات بين المملكتين السعودية والمغربية والذي بدأ منذ مدة و يتجه شيئًا فشيئًا نحو مزيد من الحدة، وبعد تسجيل التغير الواضح و التاريخي في الموقف السعودي من قضية الصحراء الغربية و المخالف للطرح المغربي والقريب من الطرح الجزائري الداعي لتقرير مصير الشعب الصحراوي وتصفية آخر إستعمار في القارة الإفريقية، فإن الجزائر ستكون هي الرابح الأكبر من ذلك إلى جانب جبهة البوليساريو التي ضمنت داعمًا جديدًا و قويًا لقضيتها، فيما خسر المغرب أحد أبرز مؤيدي طرحه بخصوص القضية.
شارك رأيك