لأن الباجي قائد السبسي مؤسس نداء تونس يبقى، أحببنا ذلك أم كرهنا، الماسك الوحيد بالخيوط، يحركها في الإتجاه الذي يضمن بقاء الحزب تحت سيطرته، فيوم يعثر على القيادي القادر على تأمين ذلك فإنه لن يتوانى لحظة في دعمه وتمكينه من كل آليات الإرتقاء إلى سدة القيادة في الحزب. فمن يكون هذا القيادي ؟
بقلم مصطفى عطية *
يعيش حزب نداء تونس، الفائز في الإنتخابات التشريعية الماضية، إضطراما لتحركات متضاربة وصراعات خفية ومعلنة، وتسابقا في مضمار الوصول إلى هرم القيادة، وقد تشكلت في خضم هذه الأجواء المحمومة العديد من اللوبيات والتيارات، بعضها مشدود للقيادة الحالية وبعضها الآخر مرتبط بقوى معارضة تسعى إلى إعادة الحزب إلى مداره الأصلي كقوة جامعة لأهم مكونات الساحة السياسية، من دساترة ويساريين وقوميين ونقابيين، مع العلم وأن الجميع من قياديين حاليين ومعارضين هم في حالة انتظار ما سيصدر عن مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي من “توجيهات” حاسمة قد تعصف بالكثير من أحلام الطامعين و”المتشعبطين” وحتى “الراكشين” وراء حافظ قائد السبسي، لأن الباجي يبقى، أحببنا ذلك أم كرهنا، الماسك الوحيد بخيوط نداء تونس، يحركها في الإتجاه الذي يضمن بقاء الحزب تحت سيطرته، فيوم يعثر على القيادي القادر على تأمين ذلك فإنه لن يتوانى لحظة في دعمه وإعلاء صوته وتمكينه من كل آليات الإرتقاء إلى سدة القيادة في الحزب حتى وإن كان ذلك على حساب إبنه حافظ.
فيمن يفكر الباجي لإعلائه سدة النداء ؟
في هذا الصدد تفيد المعلومات المتسربة من محيط رئيس الجمهورية وكواليس حركة نداء تونس أن ملامح “القيادي الندائي” الذي سيراهن عليه الباجي بدأت تتشكل في ذهنه، فلا هو إبنه حافظ، ولا هو واحد من أعضاد هذا الأخير كسفيان طوبال ورؤوف الخماسي وأنس الحطاب، ولا هو أيضا “الرحالة” المشاكس رضا بلحاج. وإنما هو شخصية جامعية مؤثرة تقود تيارا زاحفا يتكون من رافدين أساسيين، كانا يمثلان القوة الضاربة لنداء تونس وهما النساء والشباب.
يعرف القاصي والداني أن أكثر من مليون إمرأة إنتخبن الباجي قائد السبسي في الرئاسية وقائمات نداء تونس في التشريعية، إيمانا منهن بأنه وحزبه إمتداد للزعيم الحبيب بورقيبة محرر المرأة التونسية، وللحزب الدستوري الذي سانده ودعمه في كل معاركه التحريرية والتحديثية وبناء الدولة الوطنية، وقد كان وعد الباجي وحزبه في الحملة الإنتخابية هو السير على هذا المنهج ومواجهة القوى الظلامية والرجعية التي تهدد مكاسب المرأة، ولكن بدا وكأن الفارق بين تلك الوعود وما تحقق في هذا المجال شاسع جدا، فأعداء تحرر المرأة واصلوا زحفهم على المشهد السياسي مهددين كل المكاسب التي تحققت على امتداد ثلاث وستين سنة ، بل فرضوا خياراتهم في الكثير من المواقع، وبتواطؤ مع جهات سياسية نافذة ولوبيات تتاجر بالدين وأخرى إنتهازية.
بموا جهة قوى الظلامية والرجعية
هذه الوضعية التي تزداد تأزما من يوم إلى آخر، أقضت مضاجع النساء وخاصة المناضلات في حزب نداء تونس أو من تبقى منهن.
ثارت ثائرة مناضلات نداء تونس وٱرتفعت إحتجاجاتهن ووجهوا إنتقاداتهن الشديدة إلى قيادة الحزب وقد إعتبرن تراخيها في مواجهة التيارات الظلامية والتواطؤ مع حركة النهضة في “توافق” مغشوش، تنكرا للوعود بل و”خيانة” لهن، بعد أن صوتن بكثافة للباجي قائد السبسي والحزب الذي كان يرأسه !
وعلى إيقاع هذه الإحتجاجات التي تنامت على امتداد الأشهر الأخيرة وتحقيق الإسلاميين لمكاسب جديدة على درب تنفيذ أجنداتهم، تحولت الإحتجاجات الصامتة إلى تحركات فاعلة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، من قبل العديد من الناشطات والمناضلات، اللاتي تميزن بالكثير من الجرأة والإندفاع في غضبهن ورفضهن ومقاطعتهن، وهو ما وفر لهن تعاطفا شعبيا كبيرا، تجلى بالخصوص على صفحات التواصل الإجتماعي.
إن كان هذا الغضب النسائي العارم قد وضع الباجي قائد السبسي في وضعية المرغم على الدفاع عن خياراته وتأكيد تمسكه بوعوده وخاصة في ما يتعلق بالمحافظة على مكاسب المرأة ومزيد تدعيمها، فإنه أربك قادة حزب نداء تونس الحاليين في هذه المرحلة المضطربة من مسيرته خاصة وقد شهدت الأشهر الماضية سحب مئات النساء دعمهن لهذا الحزب.
إنتقلت عدوى خيبة الأمل التي أصابت مليون إمرأة ندائية إلى مئات الآلاف من الشباب الندائي، والذين وجدوا أنفسهم خارج إهتمامات القيادة الحالية للحزب ، يجترون وعودا لم يتحقق منها شيئ ويعانون تهميشا دمر قناعاتهم السابقة.
ناجي جلول في معركة الإنقاذ
وكما فقد الحزب الأغلبية من نسائه فإنه فقد العدد الأكبر من شبابه، وإذا ما أضفنا إلى هذه الخسارة الفادحة إنحراف الحزب عن مساره الأصلي وتخليه عن المنهج الإصلاحي والحداثي ومرتكزات الدولة الوطنية بعد تحالفه الكارثي مع حركة النهضة، تأكد للباجي قائد السبسي أن الحزب الذي أوصله إلى قصر قرطاج أصبح في مفترق طرق، فإما الإندثار، أو الإنقاذ، وهو يعلم علم اليقين أن الإنقاذ يتطلب قائدا يؤمن بالقيم التي انبنى عليها نداء تونس ومكنته من أن يكسب الإنتخابات الماضية، وهي تأمين التواصل مع الحركات الإصلاحية في تاريخنا الحديث والمعاصر، والحفاظ على مكاسب الدولة الوطنية الحديثة وتدعيمها، ومواجهة قوى الجذب إلى الخلف، وإعادة مليون إمرأة ومئات آلاف الشباب إلى حضيرة الحزب.
يعرف المتابعون للشأن السياسي في البلاد أن كل قيادات النداء سواء منهم الموالين لحافظ قائد السبسي أو المعارضين له، لم يتطرقوا في إطلالاتهم الإعلامية ومنابرهم الشعبية إلى القيم المؤسسة للنداء ولم يذكروا بالرافدين الإثنين الذين صنعا تفوقه في الإنتخابات الماضية وهما النساء والشباب، إلا واحد فقط، خرج عن السرب وذكر بتلك القيم وصرح بأنه بصدد قيادة تيار داخل الحزب إعتمادا على الرافدين الإثنين المذكورين (النساء والشباب)، وقد أكد في مقال خاص لموقع “كابيتاليس” باللغة الفرنسية أن “معركته الأساسية هي إنقاذ حزب نداء وإعادته إلى سالف قوته وتأثيره”، هذا القيادي هو ناجي جلول، فهل يكون هو صاحب الملامح التي تشكلت في ذهن الباجي قائد السبسي للرهان عليه في إنقاذ النداء؟ مجرد إستنتاجات محايدة لا غير.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب [أنباء تونس :
للتأمل فقط : الرحلة الباريسية من نصيحة ماكرون للشاهد إلى توجس الباجي و”انتفاضة الغنوشي”!
للتأمل فقط : فضيحة المدرسة القرآنية بالرڨاب تعيد للأذهان قولة عبد الفتاح مورو لوجدي غنيم !
للتأمل فقط : حمادي الجبالي “يبشركم” بترشحه للإنتخابات الرئاسية وإقامة الخلافة السادسة !
شارك رأيك