رغم الأموال الطائلة والمجهولة المصدر التي ضخها حزب النهضة الإسلامي لمحاولة التأثير على الرأي العام في تونس فإن الصحف والإذاعات والقنوات التلفزية التي أحدثها رجاله خارج كل إطار قانوني ظلت لا صوت لها ولا مصداقية لدى معظم التونسيين.
بقلم أحمد الحباسي
علاقة حركة النهضة منذ نشأتها بالإعلام التونسي كانت و لا تزال متشنجة، في البداية كان الصراع خفيا إلى حد ما، بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على سنة2011، ولكنه إحتد منذ صعود الحركة إلى الحكم في جانفي 2012. ومنذ ذلك الحين، كان الإعلام التونسي في طليعة المستهدفين إضافة إلى جهاز أمن الدولة ومؤسسات الأمن بكل فروعها. هذا الاستهداف كما يشير إليه كثير من المحللين كان محسوبا ومخططا له بدقة شديدة من قيادة الحركة ومن جهازها العسكري السري الذي أوكلت إليه مهمات التخطيط لإسقاط مؤسسات الدولة وتفخيخها لتسهيل عملية إنهاكها وإضعافها والقضاء عليها في الوقت المناسب، لأجل تحقيق ذلك تعاملت الحركة مع الإعلام ومع المشهد الإعلامي بطريقتين مختلفتين لكنهما تؤديان إلى نفس الهدف ولعل الجميع يتذكر تلك المظاهرات العنيفة المشبوهة التي أثثتها الحركة أمام مقر التلفزيون العمومي بقصد حرقه و ترهيب العاملين فيه والتي كادت تتطور إلى ما لا يحمد عقباه، أو حملة “إكبس” بقيادة لطفي زيتون لما كان مستشارا لرئيس الحكومة المؤقت حمادي الجبالي.
حملات الإسلاميين المسعورة ضد الإعلام المناهض لأخونة الدولة
لقد عمل الجهاز التنفيذي السري لحركة النهضة بمعية قناة “الجزيرة” القطرية وكثير من المحطات التلفزيونية التابعة لجهاز الإخوان العالمي إضافة إلى كثير من الأقلام و المحللين المحسوبين على تيار الإسلام السياسي الذي تولى قيادته داعية الفتنة التكفيرية الشيخ يوسف القرضاوي وكثبر من عمائم ما يسمى بهيئة علماء المسلمين على إعداد حملة شعواء استهدفت رجال المؤسسة الإعلامية التونسية بكل عناوينها المرئية والمسموعة والمكتوبة.
نحن نتذكر طبعا ما حصل فى مؤسسة “دار الصباح” وما تعرض له الإعلاميون زياد الهانى ولطفى العمارى و سفيان بن فرحات و سفيان بن حميدة وغيرهم من الذين وقفوا ضد مشروع أخونة الدولة.
في هذه الحملة تم التركيز على تشويه هذه المؤسسة الإعلامية التونسية بل فروعها و إلحاق التهم والأراجيف بكل من انتمى إليها و تبع هذه الهجمة العنيفة سيولا من عمليات التخويف والترهيب المباشرة لمجموعة كبيرة من الإعلاميين و كانت هناك دعوات صريحة لتكفيرهم و الإنتقام منهم بكل الطرق تحت شعار قبيح بائس تم إستدعاؤه للمناسبة إسمه “إعلام العار”.
نحن نتذكر طبعاما كان ينشر في مواقع الكترونية تابعة لحركة النهضة من قائمات لأسماء الإعلاميين المستهدفين في غياب تام لسلطة الدولة ولأصوات ما يسمى نفاقا بهيئات المجتمع المدني ودكاكين حقوق الإنسان إلا من رحم ربى.
بطبيعة الحال كان في حلم قيادة حركة النهضة الإستئصالين أنهم باقون في الحكم إلى أبد الآبدين ومستمرون في حلم إنشاء الخلافة السادسة و هذا المشروع الذي عمل عليه الإخوان منذ نشأة هذا التنظيم على يد شيخهم المرحوم حسن البنا في مارس سنة 1928 يستحق في رأيهم أن يكون له أصوات إعلامية تحميه وتؤثر في ذهن متابعيه وتدفع وجدانهم إلى نفس الوجهة التي كان الشيخ القرضاوى يرتضيها و يرضى عنها.
الإعلام النهضاوي عاجز عن إيجاد صدى لدى معظم التونسيين
في هذا السياق قامت قيادة الحركة بتمويل تأسيس مجموعة من القنوات الفضائية والمواقع الكترونية والصحف الورقية إضافة إلى كثير من المجلات الدورية إلى جانب صحيفة الحزب الرسمية “الفجر” وبعض وسائل الإعلام المحلية الأخرى التي كانت تمدح النظام السابق.
طبعا لا يزال الحديث مستمرا حول هذه المؤسسات من جهة التمويل و الجهات الأجنبية التي تقف وراءها و ما يمكن أن تشكله من خطر إيديولوجي في علاقة ببث خطاب التكفير والإستئصال والدفع إلى النعرات الجهوية وتقسيم الرأي العام حول المقاصد الحقيقية للإسلام.
من حق المتابع اليوم أن يتساءل من أين تمول قنوات “الزيتونة” و”المتوسط” و “القلم” و”الإنسان” وغيرها من الدكاكين المفتوحة والتي بقيت غاياتها الإعلامية و مصادر تمويلها مشفرة.
لا تزال هناك أسئلة حارقة حول بعض المواقع الالكترونية الموالية لحركة النهضة من بينها مواقع مثل “البناء نيوز”، “بابنات”، “الصدى”، “الحقيقة”، “زوم تونيزيا” إلى آخر القائمة.
من الغريب أن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري عجزت عن إيقاف بث الإذاعات والقنوات التلفزية الإسلامية غير المرخص لها ومجهولة التمويل، وهو يثير أكثر من سؤال حول الجهات الداعمة وأهدافها، لكن من الثابت أن المال الخليجي الفاسد هو من يدير كامل مخطط الإخوان لضرب مؤسسات الدولة و أخونة المجتمع.
المهم في شؤون إعلام حركة النهضة أنه و رغم كل الأموال المشبوهة ورغم أطنان الكذب والتضليل المفضوح فقد بقي هذا الإعلام كما يقول أحد المحللين “إعلام منزلي” لا يشاهده إلا بعض المتيمين بالفكر الإرهابي المتطرف وكل ما تقدمه هذه القنوات هو بعض الضراط و القيء و السعال الديكى المثير للغثيان سواء لجهة محدودية الثقافة الإعلامية للمقدم أو لانحدار مستوى الخطاب أو لجهة رفض المتابع لمثل هذه السخافات والأراجيف التي عرت البنيان الأخلاقي المهزوز لحركة و قيادات النهضة.
إعلام أيديولوجي في مستنقع الكذب والتلفيق
لقد قدم موقع “الصدى” الذي يقوم عليه النهضاوى رشاد الخيارى بمناسبة التعاطي مع فضيحة ما سمى بالمدرسة القرآنية بمدينة الرقاب مثالا حيا لإعلام المجاري ونفاق الفكر الإخوانى المتطرف وتابعنا كيف سقط الموقع في مستنقع الرذيلة الإعلامية والكذب والتلفيق.
لا تحتل مثل هذه القنوات و المواقع مواقع متقدمة ثابتة في المشهد السمعي البصري، لقد سقطت مصداقيتها منذ اللحظات الأولى لصعود حركة النهضة للحكم وتم كشف حقيقة خطها التحريري الذي ينفذ الأجندة الإخوانية القطرية التركية وحقيقة الإنتماءات السياسية لكل العاملين فيها.
ربما تقف اليوم مثل هذه المنظومة المشبوهة في مواجهة حالة غير مسبوقة من اللامبالاة الشعبية بسبب ما كشف من إنخراط حركة النهضة في مخطط استهداف مؤسسات الدولة بواسطة جهازها العسكري السري وما عبرت عنه هذه القنوات من استهتار بأرواح شهداء الوطن و لعل السقطة المشينة لذلك الصحفي المنشط الذي قدم الإرهابيين في قبلاط (باجة) على أنهم يبحثون عن الكنوز ستبقى وصمة عار في جبين إعلام الدجل باسم الدين.
ربما يتذكر البعض أولائك الذين أفتوا للقيادة الإستعمارية الإيطالية في ليبيا بقتل الشهيد عمر المختار لأنه من الخوارج حسب زعمهم، لقد مات الجميع ولم يخلد التاريخ إلا البطل عمر المختار. لذلك نقول سيسقط الإعلام النهضوي المأجور و ستبقى تونس حرة رغم كيد الكائدين.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
حمزة البلومي وسيف الدين مخلوف: الفعل الإعلامي المفيد ضد سدنة مشروع الفوضى التكفيرية
“الجزيرة”، قناة العهر الإعلامي والسياسي، خنجر في جسد الأمة العربية الدامي
شارك رأيك