طرح الأستاذ صلاح الدين الدريدي على حسابه على الفيسبوك سؤالا أعتبره مهما في سياق دراسة وتحليل خطاب ومواقف الفاعلين السياسيين في تونس وفي ظل تفاقم الأزمات الناتجة عن وضعنا السياسي الحالي: هل أن عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحرّ تمثل مجرد ظاهرة صوتية أم أنها ظاهرة انتخابية؟
بقلم سامي بن سلامة
وقد استفزني التساؤل وجلب انتباهي، بحكم متابعتي لمجمل تحركات الطبقة السياسية لتحليلها ودراسة تأثيراتها وخاصة كذلك لأنني كنت كتبت مقالا مطولا نشرته على صفحتي حول ”دور ثان محتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة بين عبير موسي والمنصف المرزوقي“. وهو مقال جلب لي بعض السخط والإمتعاض من عديد الأصدقاء الذين لا يعتبرون أن موسي أو المرزوقي من صنف السياسيين الذين يجدر بي الحديث عنهم رغم أن المقال لقي إهتماما من المتابعين والإعلاميين وأعيد نشره بعدد من الصحف الإلكترونية في تونس والخارج.
فلنتفق أولا حول ماذا إذا كانت السيدة موسي تمثل فعلا ظاهرة. وإن كانت كذلك، فلنبحث عمّا إذا كانت ظاهرة عابرة ”قبل انتخابية“، أم أنها تمثل واقعيا ظاهرة مستقرة قد يتعاظم تأثيرها مع مرور الوقت واقتراب موعد الإنتخاب موفى سنة 2019.
يبدو من الزخم الشعبي التصاعدي الذي تكتسيه تحركاتها سواء كان ذلك في تونس والخارج أنها تجاوزت مستوى الفاعل السياسي العادي وبصدد التحول إلى ظاهرة حقيقية وإن كان ذلك صوتيا على الأقل. على أنها لم تصبح بعد كذلك، خاصة أننا في مرحلة فاترة من مرحلة ”ما قبل حملة إنتخابية“ لم تشحذ فيها السيوف بعد ولكن برزت فيها نوايا عدد كبير من الفاعلين السياسيين حول رغبتهم في الترشح خاصة بالنسبة للانتخاب الرئاسية.
خيار إنتخابي ممكن لدى الرأي العام وفق نتائج إستطلاعات الرأي الأخيرة
وأعتقد أنه لا تكفي المقارنة بين مسيرة عبير موسي كفاعلة سياسية بشخصيات أخرى أكثر ”وجاهة“ تمتلك النقاء الثوري والإرث النضالي والأحزاب المحترمة ”وجدانيا“ لدى شرائح كبيرة من الرأي العام رغم أنها لا تمنحها أصواتها عادة للجزم بأنها ستمثل ظاهرة انتخابية فعلية.
وقد نتفق مع الرأي القائل بأن تلك الشخصيات وخلافا للسيدة موسي لم تستطع أن تقلع وأن تطور خطابا مناسبا لفئات عريضة من الناخبين لم تجد إلى اليوم العرض السياسي المناسب لتوجهاتها. أو أنها أخفقت خلافا لها في أن تمثل بالتالي خيارا انتخابيا ممكنا لدى الرأي العام وفق نتائج إستطلاعات الرأي الأخيرة.
واستطلاعات الرأي تلك ورغم الشكوك حول مصداقيتها وعدم توفر كافة الشروط للوثوق في نزاهتها، إلا أنها تخبرنا بأن عبير موسي لم تحقق إختراقا حاسما بل أنها فقط بصدد التطبيع مع النخبة السياسية ومع جزء من المجتمع وبصدد تبوأ مرتبة وإن كانت متقدمة على غيرها، إلا أنها لا تمثل حاليا بديلا قويا ومقنعا. وهو ما يدفعنا إلى القول بأنها لا تمثل في هذه المرحلة وفي الواقع سوى ظاهرة صوتية تتفوق على الظواهر السياسية الأخرى بسبب خيبة الأمل من الطبقة السياسية عموما وكذلك بسبب اتقانها اللعب على المشاعر وعلوّ الصوت والخطاب المنطقي مع أنه جاف وتصادمي.
لا يعني ذلك طبعا أنها لن تتقدم أكثر في المستقبل خاصة وأنها تعرض في الواقع بضاعة عرضت مثلها عديد الأطراف وخاصة منها الجبهة الشعبية منذ سنوات والتيار الديمقراطي منذ أشهر قليلة. وهو عرض يركز أساسا على كتلة الناخبين المعادية للمنظومة الحاكمة وكذلك على العداء العلني والجذري لكل ما يمت للتيار الإسلامي السياسي بصلة، من خلال التحرش المستمر والمتصاعد به وبحلفائه السابقين أو الحاليين.
وخطاب السيدة موسي يركز كذلك على استمالة الحالمين بعودة النظام السابق أو بتجدده وهو يستهدف أنصار التجمع السابق وعناصر ماكينتهم المشتتة بين الأحزاب وكذلك فئات كبيرة من المواطنين غير منضبطة سياسيا وقلقة من وطأة الأزمة الإقتصادية ومنزعجة مما يحمله المستقبل لتونس.
تختلف عبير موسي من وجهة نظر الرأي العام عن قياديي الجبهة والتيار مثلا وخاصة من وجهة نظر المنبهرين بها حول قولها علنا حول ما يخشى التنظيمان قوله سرا لقصور في الخطاب لدى الجبهة الشعبية أو لحسابات تتعلق بالقاعدة الإنتخابية المحافظة جدا بالنسبة للتيار الديمقراطي.
إذ أن نقاط قوتها الأساسية في التصريح بدل التلميح، في ظل وضع إنتقالي متردي وفي ظل فقدان أحزاب السلطة أي النداء وحزب الحكومة الوليد أية مصداقية فيما يتعلق بسيطرة التيار الإسلامي على الدولة وتأثيره على الحياة السياسية بحكم توافقهما معه.
التمجيد الفج للنظام الإستبدادي السابق ولزعيمه بطريقة مبتذلة
لذلك، فإنها تكسب ميادين جديدة مع مرور الوقت خاصة تجاه ناخبين شعروا بخيانة النداء الذي وعدهم بالفصل مع الإسلاميين ومحاسبتهم وكذلك تجاه ناخبين لا يفهمون مواقف الجبهة الشعبية المتخبطة وغير المكتملة من حيث أنها مناهضة إعلاميا لهم ولكنها تهادنهم وتقبل التعايش سياسيا مع فئة ثبت امتلاكها جهاز سري يمثل تهديدا وجوديا للدولة التونسية.
على أن لنقاط القوة تلك حدودها وسرعان ما تختفي تحت وطأة تمجيدها الفج للنظام الاستبدادي السابق ولزعيمه بطريقة مبتذلة في بعض الأحيان مما يبعد عنها وعن مواقفها كثيرا من المتفقين مع أفكارها وتوجهاتها.
وهي علاوة على كل ذلك تمثل في ذهن كثيرين من المهتمين بالشأن العام شخصا خطيرا يهدد بالإنقلاب على كامل المنظومة التي أنشأت بعد الثورة ويعتزم نسفها نهائيا، مع ما يعنيه ذلك من تبديد لكامل مكتسباتها وهي كثيرة رغم المساوئ والصعوبات.
تأتي عبير موسي في سياق عالمي تاريخي عرف تجارب إنتقالية كثيرة ارتدت إلى الماضي وصوت فيها الناخبون لعودة رموز وأحزاب الحقب السابقة إلى الحكم، كما يعرف كذلك تصاعدا كبيرا للنزعات الشوفينية وللخطاب المتطرف والتصادمي عبر العالم.
وهي لم تحدد بعد كزعيمة سياسية مواقفها من الديمقراطية وحرية التعبير والتنظم ومن مكتسبات الثورة التي لم تعترف بها إلى حد الآن أو على الأقل ببعض المكاسب التي أفرزتها والتي تتمتع شخصيا بها.
لذلك قد يفهم من خطابها أن عرضها السياسي يتمحور حول العودة إلى ما قبل 14 جانفي بسلبياته الكثيرة وخاصة منها عبادة الأشخاص وعدم احترام الحريات والقمع والانتهاكات. وهو أمر كان عليها تداركه إن كان من ضمنها خططها جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
كما أن مما يلاحظ من خطابها السياسي مهاجمتها للجميع على قدم المساواة، في السلطة كانوا أم في المعارضة بدون تمييز. وهو قد يتبين لاحقا أنها من الأخطاء الكثيرة التي ترتكبها والناتجة عن سوء تقدير بالغ للوضع. إذ لا يمكنك أن تطرح نفسك كبديل وأن لا تفكر في التجميع وأن تعدد الأعداء وتطمح في الفوز في الانتخابات بنتائج معتبرة وأنت تعتبر عدوا لا مجال للتفاهم معه كل من انتفض ضد نظام بن علي أو عارضه. فهي على ما يبدو لا تحاول حتى مراعاة مواقف من يتفقون معها في تقييم خطورة حكم تونس من قبل الإسلاميين لخمس سنوات كاملة.
لماذا تبرز عبير موسي ولا نجد أثرا مماثلا لحزبها لدى الرأي العام ؟
لنضع افتراضا بسيطا على سبيل الجدل النظري وهو احتمال مرورها إلى الدور الثاني مع مرشح آخر مهما كان انتماؤه. هل ستفوز أم أنها ستنهزم بسبب رغبة الجميع سياسيين واعلاميين ومجتمع مدني في قطع الطريق أمام ممثلة العهد السابق للعودة إلى نظام الاستبداد من جديد ؟ أعتقد أننا في مثل تلك الوضعية ستجد أن الجميع تكتل ضدها وأكبر احتمال أنها ستخسر حتى أمام أضعف منافس وهو المرزوقي في جميع الأحوال.
كل تلك الاعتبارات وغيرها قد تجعلها في النهاية لا تتحول إلى ظاهرة انتخابية حقيقية في الأشهر المقبلة، بمعنى أن تمرّ إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية مثلا وهو مما قد يحصرها في حدود الظاهرة الصوتية العابرة.
وتجدر الإشارة إلى أن كل ما سبق بيانه لا ينطبق على على حزبها الدستوري الحرّ الذي يعتبر من فصيلة الأشباح بالمقارنة بها، إذ لا يعلم له لا قياديين بارزين ولا امتدادات شعبية حقيقية.
لذلك، فإنني أطرح بدوري على صديقي الأستاذ صلاح الدين الخبير والأستاذ المميز بمعهد الصحافة السؤال التالي: لماذا تبرز عبير موسي ولا نجد أثرا مماثلا لحزبها لدى الرأي العام ؟ وهل أن حزبها الذي لم يتحول حتى إلى مجرد ظاهرة صوتية مجرد تعلة لخدمة مشروعها الشخصي ؟ وهل يمكن لمشروع شخصي أن ينجح بدون ماكينة انتخابية ؟
* عضو سابق للهية العليا المستقلة للإنخابات.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
الإنتخابات الرئاسية 2019: دور ثان محتمل بين المنصف المرزوقي و عبير موسي…
شارك رأيك