الرسائل المتبادلة بين الأصدقاء الثلاثة أبو القاسم الشّابي و محمد الحليوي ومحمد البشروش في الثلاثينات من القرن الفائت تمثّل مرجعا مُهمّا عن الحياة الأدبية والثقافية وحتى عن بعض التفاصيل الخاصة واليومية في واقعهم المُعاش تلك الفترة الزّاخرة بالأحلام والآلام وهي الفترة التأسيسية للأدب التونسي الحديث…
بقلم سُوف عبيد
ما تزال رسائل الشّابي تُمثّل مصدرا أساسيا للإحاطة بتفاصيل عالمه الشّعري الزّاخر بالإضافة إلى أنها توضّح الكثير من مواقفه وآرائه، غير أنّها لا تتوقف عند هذا الحدّ بل إنها كذلك تعتبر وثائق بالغة الأهمية عن الحركة الأدبية والثقافية في تونس خلال الثلاثينات من القرن العشرين، تلك الحركة التي نجد صداها حتّى في المشرق العربي من خلال هذه الرسائل نفسها.
لرسائل الشابي إذن أبعاد عديدة منها ما يلامس الذات وخوالج الّنفْس ومنها ما يُمثّل الحياة وما فيها من أحداث وملابسات، وفيها أيضا مسرح الوقائع والفضاءات التي شهدت مختلف الحركات والإنجازات ممّا يجعل رسائل الشابي تكتسب البعد التاريخي الذي له الصبغة الوثائقية الخاصة، ومن بين تلك النّواحي الهامشية التي وردت عرََضًا في رسائل الشابي حديثه عن بلد ـ رادس ـ وهو من ضواحي مدينة تونس الجنوبية.
جوابا عن الرّسالة الثالثة والثلاثين التي أرسلها الشابي إلى صديقه محمد الحليوي في شهر جويلية 1934 كتب محمد الحليوي رسالة تضمّنت خبر نُقلته إلى رادس قائلا فيها خاصّة : “اِعلم – أيها الأخ – أنّي أخّرتُ زفافي إلى الرّبيع لأني سأنتقل إلى رادس ترضية لي عن نقلتي المفاجئة إلى قُربة – هذا ما عرضته عليّ الإدارة وقد قبِلته وإني أنتظر كتاب التسمية الرسمي – ولا شك أن هذا التغيير الجديد في سير حياتي يستدعي تحضيرات ومفاجآت لم أشأ أن أتهيأ لها وأنا متزوّج” وقُربة هي مدينة قريبة من مدينة نابل وسط الوطن القبلي من البلاد االتونسية.
ويكتب الشّابي إلى صديقه الحليوي مبتهجا بهذا الخبر رسالته الرابعة والثلاثين بتاريخ 12 أوت 1934 من ـ حامة الجريد ـ وهي بلدة قريبة من مدينة توزر ـ ويقول في هذه الرسالة خاصة خاصة : “أخي تحية عطرة وبعد،
فقد سرّني أنك نُقلت إلى مركز رادس ذلك المركز الجميل الذي كنت أسمع منك أن آمالك اِنتهت عنده وأنك لا تعتزم إلا أن تسمح لك الأيام بأن تبني فيه منزلك وتستقرّ فكأن الزمان قد أخذ يركن إلى المهادنة ويتيح الفرص فما عليك إلا أن تهتبل الفرص السانحة” إلى أن يقول أيضا : “وأنت في رادس ذات الجمال السّاحر والمركز الذي لا ينقطع رواده والعاصمة منك قاب قوسين ومرمى السّهم.”
وفي رسالة موالية بتاريخ 19 أوت 1934 يُبيّن محمد الحليوي مناسبة اِقتراحه للتدريس في رادس قائلا : “ذهبت لتونس في أوائل أوت ومررت برادس مرورا سريعا فأعجبتني واِبِتهجت باِنتقالي إليها.”
وفي رسالة أخرى كتبها محمد البشروش إلى محمد الحليوي من نابل بتاريخ 10 أوت 1934 يهنئه فيها بنقلته “إلى بلد رادس كي يتفرغ للأحلام والشعر والأدب كما قال بعباراته وفي هذه الرسالة نرى أن الأديب محمد البشروش يُعلم صديقه محمد الحليوي بأهمية بعض الأدباء الفرنسيين الذين كانوا يقطنون وقتذاك في رادس على حدّ قوله فيقول إنّ بها مدرستين أدبيتين كبيرتين إحداهما للأدب التونسي العربي والآخر للأدب التونسي الفرنسي.”
فمن خلال ما تقدّم يمكن أن نستنتج أن الرسائل المتبادلة بين الأصدقاء الثلاثة الشّابي والحليوي والبشروش في تلك الفترة تمثّل مرجعا مُهمّا عن الحياة الأدبية والثقافية وحتى عن بعض التفاصيل الخاصة واليومية في واقعهم المُعاش تلك الفترة الزّاخرة بالأحلام والآلام وهي الفترة التأسيسية للأدب التونسي الحديث…
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
حول الشّاعر الألماني راينر ماريا رلكه و زياراته لتونس ومصر وولوعه بالشرق
شارك رأيك