سيف الدين مخلوف وعلي العريض فوق القانون.
لم يخطىء مرشد حركة النهضة حين نبه الجميع بأن حركته ولئن خرجت من السلطة بعد إنتخابات سنة 2014 فإنها لم تخرج من الحكم بفضل أذرعها المنتشرة في كل مفاصل الدولة. وهو خطر يمكن أن يؤدى إلى سقوط الدولة المدنية و حصول المكروه وعلى القوى الحية فى البلاد إستنهاض هممها لأن اللحظة حاسمة.
بقلم أحمد الحباسي *
لن نعلق على أحكام القضاء فالتعليق بعد القضاء بدعة على وزن اللوم بعد القضاء بدعة لكن بما أن الدستور الذي يتطلب إنجازه وقتا أطول من الوقت الذي استغرقه حفر وبناء نفق بحر المانش ودفعنا فيه دم قلبنا قد كفل لأمثالي حق التعبير تحت سلطة مرسوم الصحافة سيء الذكر فسنكتفي بالإخبار تاركين للمتابعين حرية التعليق أو الصمت من باب إبعد عن الشر وغني له.
لا أحد ينتظر طحينا من هكذا تحقيق للقضاء التونسي
الخبر الأول يخص رئيس الحكومة و وزير الداخلية السابق على العريض، وهي بشرى “خير” لكل المصابين بالرش في أحداث سليانة إذ تم حفظ كافة التهم ضد وزير حركة النهضة وخرج من القضية كالشعرة من العجين وطلع منها فرفوري كما ولدته أمه على رأي التعبير الشهير للصديق محمد بوغلاب في إحدى مواجهاته التلفزيونية الساخنة بحضور النائبة يمنة الزغلامي المعروفة بمواقفها المدافعة عن حرية التعبير للجماعات المتشددة والتي يصفها الشيخ راشد الغنوشى لا فض فوه بالممثل القانوني والشرعي للإسلام الغاضب بهذه الربوع التي حولها أبو عياض من أرض دعوة إلى أرض جهاد.
الخبر الثاني لا يقل أهمية عن الأول ويخص الأستاذ سيف الدين مخلوف و الذي تم حفظ تحقيق عمادة المحامين في شأنه. وللتذكير فقد تفوه الرجل بعبارات مخلة بنواميس المهنة ضد ممثل النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بسيدي بوزيد على خلفية إصداره بطاقة إيداع ضد صاحب “المدرسة القرآنية” بمدينة الرقاب المتهم بعدة جرائم. طبعا لم تتأخر نتائج التهديد رغم إعتذار الأستاذ و تم تسليم التلاميذ إلى أوليائهم بعد أن وعدتنا الوزيرة وممثل الطفولة و كل من له علاقة بالطفولة بأن حكومة السيد يوسف الشاهد ستتولى رعايتهم والسهر على إعادة تأهيلهم نفسيا.
يظهر أيضا أن إعلام المناسبات قد ترك الوقت للوقت و تلهى بتصريح السيد لطفي زيتون القيادي بحركة النهضة الذي أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، الأول التعتيم على ملف الجهاز العسكري السري للحركة والذي أخذ أبعادا إعلامية مدوية والثاني هو ملف المدارس القرآنية الذي إنفجر كالقنبلة الإنشطارية في وجه الحركة المتهمة بتمويل مثل هذه الأوكار المشبوهة، طبعا لا أحد يعلم مضمون التحقيق ولا أسباب الحفظ و لا أحد يهتم و لا أحد ينتظر طحينا من هكذا تحقيق.
القضاء محترم في كل الأحوال لكنه ليس معصوما من الخطأ
لا تعليق على أحكام القضاء فهذا عرف متبع لان الحكم هو عنوان الحقيقة كما يشيع أهل القضاء بل نحن ننأى بأنفسنا على التعليق لا قبل و لا أثناء و لا بعد حكم القضاء، لكن من حقنا أن نتساءل بمنتهى حسن النية وليس من منطلقات شخصية أو مصالح فردية أو قناعات فكرية نقدية أو إنتقاديه، إذا كانت الأضرار البدنية التي أصابت أهلنا فى سليانة وأسماعنا في حادثة الأستاذ مخلوف قد حصلت على مرأى ومسمع من العموم فكيف تقيد مثل هذه الأحداث ضد مجهول وينتهي الأمر كأن شيئا لم يحصل وكأن ما حدث لم يكن إلا مجرد كوابيس ليلية مزعجة لشخص أثقل في الأكل؟
إن إمعان النظر نراه حقا مشروعا و جزءا لا يتجزأ من حرية التعبير و إبداء الرأي لأن القضاء يبقى محترما في كل الأحوال لكنه ليس معصوما من الخطأ.
نحن لا نجرح و لا نلقى باللائمة و لا نتبرم و لكن نريد فقط أن نفهم وأن نقنع هؤلاء الذين تعرضوا لعنف السلطة بأن ما حصل لهم لن يتكرر و سيعوضون عن الإفراط في إستعمال السلطة.
نريد أن نقنع المواطن أن ما أتاه الأستاذ مخلوف هو من الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه، ولا نسعى لأن نحل محل وكيل النيابة ولن نضع أنفسنا لسان دفاع عن مؤسسة القضاء لأن لهؤلاء من يدافع عنهم.
لقد تبين اليوم بما لا يدع مجالا للشك أن حركة النهضة هي من تتدخل عمليا بصورة أو بأخرى في أحكام القضاء وهي من تضغط فعليا لدى رموزها في كل المواقع المهنية حتى لا تتم مؤاخذة أدواتها وأنصارها بعد كل الإنتهاكات والتصرفات المثيرة للسخط والتي تمس من هيبة القضاء.
أذرع حركة النهضة منتشرة في كل مفاصل الدولة
بطبيعة الحال لا يجب في كل الأحوال أن ننسى تصريح مرشد حركة النهضة حين نبه الجميع بأن حركته ولئن خرجت من السلطة بعد إنتخابات سنة 2014 فإنها لم تخرج من الحكم بفضل أذرعها المنتشرة في كل مفاصل الدولة كالورم الخبيث، لذلك تفاجأ البعض بمنطوق بعض الأحكام و بنتائج “بحث” الهيئة الوطنية للمحامين ولكن هذه المفاجأة لا يجب أن تحجب حقيقة مرعبة تؤكد أن الحركة قد تمكنت نتيجة إرتباك الحكومة وتعثر رؤيتها السياسية من مفاصل الدولة الحيوية وباتت تشكل خطرا على المسار الإنتقالي برمته بما فيه شفافية الإنتخابات القادمة.
إن عدم فض البت نهائيا ملفات الإغتيال السياسي و الجهاز العسكري السري والمدارس “القرآنية” المشبوهة وتمويل حركة النهضة وذلك قبل موعد الإنتخابات هو خطر يمكن أن يؤدى إلى سقوط الدولة المدنية و حصول المكروه وعلى القوى الحية فى البلاد إستنهاض هممها لأن اللحظة حاسمة.
* محلل سياسي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس:
إعلام الإسلاميين بلا صوت ولا صورة ولا طعم ولا مصداقية لدى معظم التونسيين
حمزة البلومي وسيف الدين مخلوف: الفعل الإعلامي المفيد ضد سدنة مشروع الفوضى التكفيرية
“الجزيرة”، قناة العهر الإعلامي والسياسي، خنجر في جسد الأمة العربية الدامي
شارك رأيك