رغم عجزنا كتونسيين عن إيجاد الحلول لتجاوز تعطل مسارنا الإنتقالي، فإننا نتمنى أن تكون الإنتخابات القادمة موعدا لطرح مختلف قضايانا الحيوية خارج المزايادات والتجاذبات والمغالطات التي لن تكرس في النهاية إلا مزيدا من العزوف ومن أزمة الثقة في السياسة والسياسيين وفي قدرتنا جميعا على التقدم في بناء مشروعنا التاريخي أردناه.
بقلم محمد فوزي معاوية *
الحقيقة أننا أبعد ما نكون عن إيجاد الحلول لتجاوز تعطل مسارنا الإنتقالي وأن الآتي وبكل موضوعية لا ينبئ بما يطمئن التونسيات والتونسيين و هو ما يعني، مهما كان تفاؤلنا كبيرا، أن الطريق مازالت طويلة وستكون بالضرورة محفوفة بخاطر جسام و بمعاناة تقتضى الصبر والتحمل و المثابرة.
وهو ما يعني أيضا أن الإنتكاسة ستظل سيفا مسلولا يهدد رقابنا جميعا ماعدا من ينتعشون في الأزمات لأنهم إحترفوا الإصطياد في الماء العكر واعتماد الفساد وتخريب الدولة والمجتمع خدمة لمصالحهم الضيقة خارج القوانين.
المدعون للزعامة من القادمين للعمل السياسي البارحة
وما يدعونا الى الاقرار بذلك يتمثل في اعتقادنا أساسا فى ما يلي:
أولا ان الإنجازات في المجال السياسي وخاصة في بناء و دعم مؤسسات النظام الجمهوري والتقدم الفعلي في تثبيت إستقلال السلط ما زال محدودا ومتعثرا ومحل تجاذبات سياسية بينت وأن النخب الفاعلة من داخل السلطة خاصة ولكن من خارجها أيضا لم تتبنى المشروع الديمقراطي بصورة جدية وثابتة و أنها في مستوى المبادئ والفعل على حد السوى بقيت مترددة ومستعدة لاستعمال أساليب التسلط التى كرسها النظام السابق لبلوغ السلطة أو المحافظة عليها.
ثانيا أن المشهد السياسي ظل مختلا وغير متوازن في ظل تعبيرات سياسية بعيدة عن الوضوح تتميز بالإهتزاز في خياراتها وتوجهاتها وبضعف تجذرها في المجتمع وميولها إلى إستخدام آليات أبعد ما تكون عن الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بتسيير نشاطها الداخلي أو تسيير شؤون الحكم والبلاد، وهنا يتعلق الأمر بمن مسك السلطة وأدار شؤون البلاد قبل 2014 وبعدها، والهام في ما يميز هذا المشهد هو التصدع والتشرذم و كثرة الأحزاب التي هي بمثابة الحوانيت الصغرى فضلا عن الكثرة التى بلغت حد المهزلة “للزعماء” المدعين للزعامة و للمترشحين للمسؤوليات من فاقدي التجربة والإقتدار القادمين للعمل السياسي البارحة… فبلغ عدد المترشحين لرئاسة الجمهورية العشرات حتى لا نقول المئات أما رئاسة الحكومة والوزارات فحدث و لا حرج…
ثالثا، إن التحولات السياسية التى مازالت هشة لم تكن مصحوبة بانتقال إقتصادي و إجتماعي يشكل الأرضية التى تمكن من إتساع دائرة مشاركة مختلف شرائح المجتمع في تبني المشروع الإنتقالي والدفاع عنه والمشاركة في بنائه بل إن الأزمة في هذين المجالين تفاقمت إلى حد غير معهود وأصبحت تهدد بانهيارالبناء وانفجاره، والأهم أن البلاد خسرت أعز مكسب أقامته منذ إستقلالها بتقديم التضحيات الجسام وهو المتمثل في بعث طبقة وسطى متجذرة في المجتمع و ممتدة جغارفيا وفاعلة في عملية البناء وفي ضمان التوازنات الإجتماعية الضرورية و الإستقرار.
المخاض الإنتقالي والنخب المتهافتة وغير المقتدرة
رابعا، أن الصراع بلغ أشده حول الدولة ومؤسساتها و اتساع نطاق الراغبين في إرباكها وتوظيفها خدمة لمصالح فئوية وقطاعية ضيقة كل حسب موقعه ومصالحه إن كان من المعتادين على الحصول على إمتيازات بلا موجب حق أو من إعتاد التهرب الجبائي وخرق القوانين أو أولئك المدعمين لكل ما هو غير مهيكل ومواز مخرب للدورة الإقتصادية لنصل في النهاية إلى محترفي التهريب والفساد على نطاق مدمر للدولة و للمجتمع.
خامسا و أخيرا، الحقيقة أن المرحلة معقدة وخطيرة لأنها تتجاوز المحلي والظرفي لتشمل التأثيرات العالمية والإقليمية وهي ترتبط بالأزمة الإقتصادية والمالية التى يمر بها العالم و لكنها تشمل أيضا أنظمة الحكم والديمقراطية التمثيلية واحتكار الأقليات للثروة وللحكم وهو ما يجعل المخاض الإنتقالي يستدعي وجود نخبة وقيادة لها الرؤية الصائبة والقدرة الفائقة على فتح الطريق لتجاوز العراقيل القائمة وتجنيد القوى الحية ومجموع الشعب لوضع حد لسطوة المتحيلين و العابثين أولا وللدفع نحو إنجاز الإصلاحات الكبرى كتضحيات متقاسمة بين الجميع و فاتحة لما هو أفضل على جميع المستويات، وتحقيق ذلك يتطلب في النهاية إستفاقة ونفسا جديدا وتجاوزا للعراقيل القائمة أمام بروز القوي المجسدة لريادية تونس و”لذكائها” والتى مازالت محاصرة داخل الأحزاب وخارجها وفي مسارب ملوثة ومسدودة لا بد من إعادة صيانتها و إثرائها بما يفتح مجالات الإجتهاد والإبتكار.
نتمنى أن تكون الإنتخابات القادمة موعدا لطرح مختلف هذه القضايا الحيوية خارج المزايادات والتجاذبات والمغالطات التي لن تكرس في النهاية إلا مزيدا من العزوف ومن أزمة الثقة في السياسة والسياسيين وفي قدرتنا جميعا على التقدم في بناء مشروع تاريخي أردناه رياديا.
* كاتب و ناشط سياسي.
مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس :
لمواجهة جحافل الجهل والتخلف، آن الأوان لأن نجعل التربية أولوية وطنية مطلقة
شارك رأيك