نشر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة ” فرانس ستراتيجي” تقريراً مفصلاً حول مدى إنتشار وتغلغل الاقتصاد الموازي في تونس، حيث يستقطب قرابة نصف الناشطين في البلاد و يتعدى في عدة ولايات نسبة العاملين في القطاع المهيكل.
تقرير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية :
”
في اخر تقرير لها بتاريخ فيفري 2019 قدرت مؤسسة ” فرانس ستراتيجي”, المنضوية تحت هياكل رئاسة الحكومة الفرنسية، ان نسبة العمال غير المصرح قانونيا بنشاطهم قد بلغت 5% أي ما يعادل 2,5 مليون ناشط. وتتكون النسبة الأكبر من العمال غير المصرح بهم من الناشطين صغار السن وكبار السن، كما يضطر الي قبول هذه الوضعية المهنية الافراد العاطلون عن العمل او المتعاقدون الوقتيون. ويعتبر العامل الأقل تأهيلا وخبرة الأكثر عرضة للجوء الى فبول عمل غير مهيكل. ويلجأ الى مثل هذا النوع من المهن كل شخص يشعر بنوع ما من الهشاشة الاقتصادية، ويمارس عدم التصريح غالبا على الأقارب او الأصدقاء او الجيران. ورغم ان حجم هذا النشاط يعتبر ضعيفا مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوربي وكذلك لا توجد مؤشرات لاحتمال تناميه على المدى القريب والبعيد، فان دوائر الاستشراف الفرنسية ارتأت ان البحث في إشكاليات الأنشطة غير المهيكلة امر يكتسي أهمية استراتيجية كبرى.
يعتبر الاقتصاد الموازي في تونس أحد اهم عوائق التنمية حيث ابرزت دراسة قام بها البنك الدولي حول عوائق ازدهار مناخ الاعمال في تونس، ان ثاني اهم عائق هو المنافسة غير المتكافئة التي تواجهها المؤسسات المهيكلة من نظيراتها غير المهيكلة.
ويستقطب الاقتصاد الموازي في تونس 41,5% من الناشطين أي ما يعادل 1453620 ناشطا, 87,6% منهم رجالا. كما يستقطب ايضا 53,7% من مجموع الرجال الناشطين مقابل 21,5% من مجموع النساء الناشطات. قرابة 55% من الناشطين في القطاع الموازي لا يتجاوز مستواهم التعليمي الابتدائي مقابل 25% في القطاع المهيكل.
ويشتغل بالقطاع الموازي 60% من مجموع الناشطين من أصحاب المستوى الابتدائي مقابل 9% فقط ممن بلغوا التعليم العالي. ويحتوي قطاع البناء والاشغال العامة علي أكبر نسبة (36%) من الناشطين في الاقتصاد الموازي يليه قطاع التجارة بنسبة 24% وقطاع النقل والاتصال بنسبة 10%.
على المستوى الجهوي توجد أكبر نسبة من الناشطين في القطاع الموازي بولاية صفاقس 7% تليها ولاية سوسة بنسبة 5,5%. وتفوق نسبة الناشطين في القطاع الموازي نسبة الناشطين في القطاع المهيكل في ولاية المهدية 54% وولاية سيدي بوزيد 53,4% وولاية القيروان 52,6% وولاية مدنين 51%.
تبلغ نسبة المؤسسات التي لا تشغل اجراء او تشغل اجيرا واحدا، وهي الفئة التي تضم النسبة الكبرى من المؤسسات الناشطة في القطاع الموازي، ما يقارب 95% من مجموع المؤسسات الاقتصادية وشهدت هذه المؤسسات تطورا قدر بنسبة 20% بين سنة 2011 وسنة 2017 أي بنسبة 4,3 % سنويا بينما لم تتجاوز نسبة تطور المؤسسات المشغلة لعشرة افراد فما فوق نسبة 10% خلال نفس الفترة. ويمكن ان نستنتج من هذه المقارنة ان مناخ الاعمال في تونس بات أكثر ملاءمة لانتشار المؤسسات غير المهيكلة او الناشطة في القطاع الموازي.
يشكل هذا الانتشار تهديدا على الاقتصاد المهيكل أولا لان الأشخاص الناشطين به لا يتمتعون بحقوقهم المهنية مثل الاجر المضمون والساعات الإضافية المدفوعة الاجر والاجازات والترقيات والتكوين المهني والتغطية الاجتماعية والتامين على الامراض وحوادث الشغل. ويجد الأشخاص العاملون في هذه الظروف أنفسهم في حالة من عدم الاستقرار والهشاشة الاقتصادية ممايضطرهم الى قبول أجور ومهن لا ترتقي الى الحد الأدنى مما يحفظ كرامة الانسان. وتساهم هذه العوامل في تدني المستوى العام للأجور وفي تدهور ظروف العمل. ويؤثر الاقتصاد الموازي على التوازن بين المؤسسات حيث تختفي شروط المنافسة النزيهة نظرا لقدرة المؤسسات غير المهيكلة على الضغط على تكاليف الإنتاج وخاصة تكاليف اليد العاملة والرسوم الجمركية. ويشكل الاقتصادي الموازي خطرا على التوازنات المالية العمومية حيث تحرم الخزينة العامة من اراداته بينما يتمتع اغلب الناشطين به بكافة الخدمات العمومية.
ولمجابهة تطور وانتشار هذه النشاطات غير المهيكلة والمتهربة من وسائل الرقابة الاقتصادية والقانونية صار من الضروري تحديد جميع اشكال الاعمال غير المهيكلة وأهميتها وتوزيعها بين القطاعات وبين الجهات وأنواع المشاريع والأشخاص الناشطين بها. كذلك يجب القيام بحملات تحسيسية لا ترتكز فقط على ابراز الاثار السلبية للأنشطة الموازية، على الاقتصاد وعلى مناخ الاعمال وموارد البلاد، بل يجب ابراز النتائج الإيجابية لاي نشاط يخضع للرقابة الاقتصادية والمالية والقانونية. بإمكان الحكومات أيضا اقرار حوافز مالية لمساعدة الناشطين بصفة غير مهيكلة على الاندماج في القطاعات المهيكلة واتخاذ إجراءات تندرج ضمن تبسيط الإجراءات الإدارية الخاصة ببعث المشاريع وجعلها أكثر مرونة.
ان التساؤلات المطروحة على هذا الصعيد هي الاتية:
– هل يعبر انتشار وحجم الاقتصاد الموازي عن ضعف الدولة وقدرتها على التصدي لهذه الأنشطة؟
– كيف نفسر التداخل الغير معلن بين النشاط المهيكل والقطاع الموازي خاصة في التعاملات المسجلة في عديد الأسواق.
– هل يطمح فعلا الناشط في القطاع الموازي الى تقنين نشاطه ام انه يعتبر ان نشاطه في القطاع غير المهيكل مربح ومريح. ”
شارك رأيك