كل الأحزاب تقريبا تعمل على إستقطاب الدساترة والتجمعيين بما فيها حزب النهضة الإسلامي لكن الإرث الدستوري الموزع بين “القبائل” هو “حق مكتسب” لكمال مرجان وعبير موسي يطمع فيه راشد الغنوشي ومحسن مرزوق وغيرهما.
بقلم مصطفى عطية *
يوجد على الساحة ما لا يقل عن ستة أحزاب تدعي الإنتماء إلى المرجعية الدستورية بالإضافة إلى العديد من المنظمات والجمعيات التي إقتفت الأثر ذاته وهو ما أوحى في البداية بعودة قوية للدساترة، لكن إتضح بمرور الوقت أن ذاك الهدف غدا مستحيلا في ظل التشتت ومعارك الزعامات، وهو ما تأكد، مجددا، من خلال الوقائع المتواترة في هذه الأحزاب وخفوت أصواتها في الساحة التي تغلي كالمرجل.
كل الأحزاب تقريبا تتنافس على إستقطاب الدساترة
كان الدساترة بكل تياراتهم قد صوتوا، خلال الإنتخابات الرئاسية السابقة، وبكثافة، للباجي قائد السبسي وفي التشريعية لحزب نداء تونس الذي أعلن قياديوه إنتماءهم للإرث البورقيبي، وكان في الحسبان أن يؤمن نجاح الباجي قائد السبسي والحزب الذي أسسه عودتهم إلى الساحة السياسية من الباب الكبير لكن جرت الرياح بما لاتشتهي سفنهم، وظهرت تيارات نقابية ويسارية مختلفة وفاعلة في صلب نداء تونس لتتصدى لعودتهم بالشكل الذي يجعل منهم قوة فاعلة ومؤثرة في الحزب.
بعد الإنشقاقات المتعددة الحاصلة في النداء تغيرت المعطيات وأصبح المنشقون ودكاكينهم الحزبية يتنافسون على استقطاب الدساترة، فبادر حزب مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق بتعيين قيادات تجمعية بارزة في مكتبه السياسي كما كثف حزب نداء تونس من إحاطته بالدساترة وإقناعهم بأن هذا الحزب هو مكانهم الطبيعي وسارت العديد من الأحزاب الأخرى، كحركة النهضة وحزب آفاق تونس والإتحاد الوطني الحر وتونس البدائل وغيرها، بالإضافة طبعا إلى حزب المبادرة الديمقراطية الدستورية بزعامة كمال مرجان والحزب الحر الدستوري بقيادة عبير موسي، وهما الحزبان الذان يتنافسان على أحقية وراثة حزب الثعالبي وبورقيبة، على المنوال ذاته، وأعلن قياديو كل هذه الأحزاب، علنا، عزمهم على إستقطاب الدساترة وضمهم إلى صفوفهم بعد أن عجزوا عن تجميع مكوناتهم وتوحيدها.
يوجد في الساحة اليوم ثلاثة أصناف من الورثة
لكن آخر المعلومات تؤكد أن ان الكثير من القيادات الدستورية لم تلق بالمنديل ومازالت تأمل في توفر الفرصة المواتية لتوحيد الصفوف ولم الشمل والسعي، وبجدية أكثر من ذي قبل، إلى تكوين جبهة فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية إستعدادا للإنتخابات المقبلة بقطع النظر عن كل أشكال الإختلاف بين هذه الأحزاب والتيارات والدكاكين، ومن ببن هذه الإختلافات ما إرتبط بالهوية الفكرية لكل من إدعى الحق في نصيبه من الإرث الدستوري، فيوجد في الساحة اليوم ثلاثة أصناف من الورثة.
الصنف الأول هم الدستوريون الأصليون الذين بقوا على العهد البورقيبي ورفضوا الإعتراف بالإنقلاب والتغيير في السابع من نوفمبر 1987، ووقف هؤلاء منذ اليوم الأول مع الباجي قائد السبسي وٱنضموا إلى حزب نداء تونس الذي أسسه.
الصنف الثاني هم الدساترة الذين إندرجوا بتلقائية في سياق التغيير وأصبحوا من قادة التجمع الدستوري الديمقراطي.
والصنف الثالث والأخير هم التجمعيون الذين لم تكن لهم صلة سابقة بالحزب الدستوري، بل كان أغلبهم خصوما ألداء له، فٱنضم الكثيرون منهم إلى حركة النهضة بحكم إنتماءاتهم العقائدية السرية السابقة، كما سارع اليساريون الذين دخلوا التجمع في عهد بن علي بالعودة إلى تنظيماتهم اليسارية.
لا شك أن القراءة الموضوعية لهذه المعطيات الأساسية تحتم التفريق بين هذه الأصناف الثلاثة والتعامل معها حسب خصوصية كل صنف، وبالتالي عدم حشرها في سلة واحدة، فالدساترة الذين تشبثوا بأدبيات المؤسسين، وفتح لهم الباجي قائد السبسي، منذ البداية، أبواب النداء، لا علاقة لهم بالتجمعيين الذين أصر الإقصائيون من قادة نداء تونس على قبولهم في حزبهم “إنتقائيا” أي حالة بحالة.
القاعدة الدستورية والتجمعية تعاني من التشتت الذي أفقدها ثقلها السياسي
بقي الإشكال الأكبر يتمثل في الدساترة الذين تحولوا، بعد السابع من نوفمبر مباشرة، إلى تجمعيين، وهم الذين حاولوا التموقع في الساحة السياسية بمنأى عن حزب نداء تونس وٱنضموا إلى حزب المبادرة بالخصوص، قبل أن يكتشفوا، مع مرور الوقت ضعف حظوظهم في التموقع في الصفوف الأمامية لهذا الحزب.
لا شك ان التشتت الذي تعاني منه القاعدة الدستورية والتجمعية أفقدها ثقلها السياسي في الساحة بعد أن خرجت بخفي حنين في الإنتخابات البلدية الماضية بتصويت الدساترة لحزب النداء في المقام الأول وبعض الأحزاب الأخرى بما فيها النهضة!
بقي أن الخارطة السياسية تشهد حاليا الكثير من التغييرات الجوهرية العميقة، وما كان سائدا السنة الفارطة تغير بالكامل اليوم، فنداء تونس إنقسم إلى أكثر من شق ويعمل كل شق على تعزيز صفوفه بالدساترة والتجمعيين، وحركة النهضة أعلنت عن تغيير جذري في توجهاتها بتبني المصالحة التاريخية مع الدساترة والتجمعيين أعداء الأمس الألداء، كما شهدت الأحزاب الليبيرالية وعلى رأسها حزب آفاق تونس والمشروع والبدائل تغييرات هي الأخرى إستوجبت فتح أبوابها على مصراعيها أمام رموز الحزب الذي حكم البلاد مدة خمس وخمسين سنة، وهو ما من شأنه أن يعطي وجها آخر للساحة السياسية في قادم الأيام.
كل هذه التحولات لم تغب عن الباجي قائد السبسي والمحيطين به وقادة حزب نداء تونس الذي أسسه ويحرص حرصا شديدا على أن لا يفلت من قبضته وعن راشد الغنوشي والمقربين منه وبقية الأحزاب الأخرى التي ذكرناها، فسعى كل هؤلاء إلى التعامل مع المستجدات المتواترة في الساحة بأسلوب إستقطابي مكثف يحمل رسالة مضمونة الوصول إلى الدساترة والتجمعيين، لكن هل أدرك هؤلاء حقيقة هذه التغييرات وأهميتها؟ وهل تفاعلوا معها بالطريقة المثلى التي تضمن عودتهم الفاعلة إلى الساحة؟ تلك هي المسألة؟
* صحفي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : مسيرة أحمد نجيب الشابي وأوحال اللهاث المحموم وراء سراب السلطة !
للتأمل فقط : فضيحة المدرسة القرآنية بالرڨاب تعيد للأذهان قولة عبد الفتاح مورو لوجدي غنيم !
شارك رأيك