لقاء حافظ قائد السبسي أمس براشد الغنوشي ما كان له أن يقع لولا نصيحة والده الرئيس ومباركته، فالباجي الذي أعلن القطيعة مع الزعيم الإسلامي ترك كوة مفتوحة على جميع الإحتمالات، وقد يكون إكتشف، أخيرا، فرصة طارئة جعلته يدفع بٱبنه إلى دخول تلك الكوة لجس النبض…
بقلم مصطفى عطية *
لم تشهد البلاد منذ حراك الرابع عشر من جانفي 2011 شخصية وطنية شغلت الناس وأثارت الجدال بينهم كما الباجي قائد السبسي، فالرجل كان محل كل التجاذبات على إمتداد أكثر من ثماني سنوات، وفي قلب جميع المعارك السياسية التي خاضها والتي لم يخضها! حتى خيل للبعض وكأن الساحة السياسية تنبض على إيقاع حركاته وسكناته ولا ينازعه في ذلك أحد مهما علا شأنه واشتد تأثيره.
الباجي و حافظ بين أتباعهم وخصومهم
منذ مدة ليست بالقصيرة والحديث عن الباجي قائد السبسي لا يخلو من ذكر لنجله حافظ القيادي في نداء تونس سواء بالسلب أو الإيجاب، وغالبا ما يكون بالسلب، وكأن الأب مسؤول بالضرورة عن مواقف إبنه أو من واجبه قطع طريق الممارسة السياسية أمامه ومنعه من حقه في دولة ديمقراطية!
يتساءل أنصار وأتباع حافظ قائد السبسي : هل حمل الديمقراطيون في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس الأسبق جورج بوش الأب مسؤولية دخول نجله جورج بوش الإبن عالم السياسة وٱرتقائه إلى سدة الحكم بذاك الأداء الكارثي وما خلفه من دمار في أمريكا والعالم؟ وهل حمل الجمهوريون الرئيس الأسبق بيل كلينتون مسؤولية دخول زوجته هيلاري، المثيرة للجدل، غمار الإنتخابات الرئاسية؟ فلماذا يحمل خصوم الباجي قائد السبسي مسؤولية إنخراط إبنه في السياسة وتبعات المعارك التي يخوضها بصفته قياديا في حزب نداء تونس؟
كان بإمكان الباجي قائد السبسي أن “يقمع” إبنه، ضاربا عرض الحائط بالحرية والديمقراطية والحقوق الفردية، ليرضي خصومه وخصوم إبنه ولكنه لم يفعل تاركا الأمر للمنافسات الديمقراطية سواء في حزب نداء تونس أو على الساحة السياسية بصفة عامة…
هذا على الأقل ما يردده الأتباع في حلهم وترحالهم، عن اللزوم وغير اللزوم، عن إقتناع أو بدونه، لكن خصوم حافظ، يريدون من الباجي قائد السبسي أن يعزل إبنه لأنه رئيس جمهورية، بمعنى أن صفة الأب الرفيعة تفرض حرمان الإبن من حقوقه! إيمانا منهم بأن غياب حافظ قائد السبسي عن العمل السياسي لن يكون إلا مفيدا لحزب نداء تونس والحراك السياسي في البلاد.
الباجي وحافظ و “التوافق الكارثي” مع حركة النهضة
لم يبق أنصار حافظ قائد السبسي، ولأسباب مصلحية وٱنتفاعية، مكتوفي الأيدي، بل تصدوا لحملة “الخصوم” بمقاربات هشة وغير متوازنة ! وجاء لقاء حافظ قائد السبسي براشد الغنوشي في الأيام الأخير ليؤجج حملات خصومه ويسحب آخر أوراق الدفاع عنه من أنصاره، لأن أغلب قادة النداء وقواعده يدركون جيدا أن السبب الرئيسي لٱنهيار حزبهم وفقدانه للكثير من منخرطيه وسقوطه في منحدرات الإستقالات والإنشقاقات سببه الرئيسي هو “التوافق الكارثي” مع حركة النهضة !
يرى بعض الملاحظين أن حافظ قائد السبسي ما كان له أن يخطو مثل هذه الخطوة لولا نصيحة والده الرئيس ومباركته، فالباجي الذي أعلن القطيعة مع راشد الغنوشي ترك كوة مفتوحة على جميع الإحتمالات، وقد يكون إكتشف، أخيرا، فرصة طارئة جعلته يدفع بٱبنه إلى دخول تلك الكوة لجس نبض الغنوشي، لكن الواقعة أخذت أبعادا لم يكن قد قرأ لها حسابا، إذ سارع أحد قياديي النداء بنشر تدوينة “بارك” فيها عودة “الوفاق” مع النهضة لكنه سرعان ما سحبها بعد أن طاله مد من اللوم عاصف، كما تحرك العديد من قادة النداء، في السر والعلن، للتعبير عن مواقفهم المتباينة والتي تراوحت بين الشجب والحيرة والتساؤل والتبرير، وهو ما زاد في إرباك الوضع داخل نداء تونس خاصة بعد إنتشار شائعات حول تأجيل موعد مؤتمر النداء إلى أجل غير مسمى.
عائلة قايد السبسي و أكذوبة القطيعة مع راشد الغنوشي.
لا حق لأحد في أن يلوم الباجي قائد السبسي على توظيف إبنه، بصفته القيادي الندائي الأول، في سياق مناورات وترتيبات ومشاورات يفرضها الواقع السائد وما يطرأ عليه من مستجدات وتحولات، فلو قرر الباجي مثلا تعيين إبنه وريثا له في منصب الرئاسة كما فعل حسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح فمن حق خصومه أن يرفعوا في وجهه شعار “ولدك في دارك” ولكن مادام لم يفعل ذلك فليس من حقهم مطالبته ب”قمع ” نجله وحرمانه من ممارسة السياسة أو لعب الأدوار المطلوبة منه بصفته القيادية في نداء تونس كما هو الحال في تواصله المباشر الأخير مع راشد الغنوشي.
إن المشكلة التي سقط فيها بعض “الغاضبين” تتمثل، بالخصوص، في خلطهم بين “ما يجوز” وما “لا يجوز”.
هل يتمكن الباجي الأب من حلحلة السائد وفض النزاع المتفاقم في نداء تونس؟
في العديد من الحالات يعزف أبناء رؤساء الدول عن ممارسة السياسة تجنبا لإحراج آبائهم لقطع الطريق أمام خصومهم المتربصين بهم، لكنها تبقى ممارسات فردية وٱجتهادات خاصة، لا يمكن فرضها بأي شكل من الأشكال، وخاصة في بلد ديمقراطي، أو يسعى إلى تأسيس مسار من هذا القبيل.
إن القرار ليس بيد الباجي قائد السبسي الأب ورئيس الجمهورية، ولكنه بيد نجله حافظ قائد السبسي، فإن هو تمسك بحقه في العمل السياسي لن يمنعه من ذلك أحد، وإن هو قرر التخلي عن حقه لتخفيف الضغط عن والده الرئيس فذاك شأنه الخاص والحل الأنسب لفض النزاع المتفاقم في نداء تونس.
بقي أن رئيس الجمهورية لم يبق مكتوف الأيدي ولم يقبل بمزيد تحمل أثقال هذه الضغوطات بل تحرك في السر والعلن لإيجاد بعض الحلول الناجعة، ويبدو، حسب المعطيات المتوفرة إلى حد الآن، أنه يفكر جديا في التشجيع على إيجاد صيغة تمكن من حلحلة السائد وبعث حركية جديدة في حزب نداء تونس وبذلك ينتهي الخلاف القائم في هذا الحزب وينخفض منسوب الجدال حول “الزعامات الوهمية”. هذه المبادرة ما زالت في مرحلة تشكل أولي، والأيام القادمة ستكون حاسمة في مزيد بلورتها.
* صحفي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس:
للتأمل فقط : مسيرة أحمد نجيب الشابي وأوحال اللهاث المحموم وراء سراب السلطة !
للتأمل فقط : فضيحة المدرسة القرآنية بالرڨاب تعيد للأذهان قولة عبد الفتاح مورو لوجدي غنيم !
شارك رأيك