مخطئ من يعتقد أن أباطرة التهريب قد ضربوا في مقتل بعد سنوات من محاولات مكافحة التجارة الموازية و التهريب فكلما تم تفكيك شبكة تهريب نكتشف أن العشرات مازالوا ينشطون حسب تقسيمات قطاعية ومن ضمنهم إمبراطور تهريب النحاس الناشط بالمنطقة الحدودية فريانة (ولاية القصرين).
بقلم فيروز الشاذلي
الحرب على الفساد والتهريب التي تخوضها تونس هي حرب طويلة تتطلب عديد الجولات فبعد الموجة الأولى من سلسلة الإيقافات التي تمت في السنوات الأخيرة ضد أباطرة التهريب و إعتماد الحكومة على قانون الطوارئ في التحقيق معهم، عمد عديد المهربين إلى التخفي في شكل شركات وهمية كواجهة لنشاطات التهريب التي يقومون بها وهو الحال في مجال تهريب المعادن خاصة النحاس، الرصاص والألمنيوم.
شركات واجهة لتغطية عمليات السرقة والتهريب
في هذا الإطار عمد واحد من أباطرة التهريب المعروفين المتخصصين في تهريب المعادن عبر الحدود بمنطقة فريانة الحدودية إلى تهريب آلاف الأطنان من المعادن عبر الحدود الجزائرية التونسية خاصة مادة النحاس الثمينة ثم القيام بمرحلة ثانية بتغطية العملية عن طريق وحدة صغيرة لقولبة المعادن وقع إحداثها بجهة فريانة وهي وحدة تقليدية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ذات إنتاج صناعي كبير يقدر بآلاف الأطنان كما هو مصرح به بل مجرد واجهة لإثبات المصدر أمام السلط الديوانية.
هذه الوحدة الصغيرة لقولبة المعادن تعمل تحت إسم تجاري لشركة واجهة وقع تأسيسها طبقا للقوانين الجاري بها العمل حيث إستكملت جميع الإجراءات من معرف جبائي وسجل تجاري وفواتيرها مطابقة لتنصيصات مجلة الأداء على القيمة المضافة.
مسارات التخفي والتعدي على القانون
بعد عملية جمع المعادن المهربة أو المسروقة من كابلات الشركة التونسية للكهرباء و الغاز أو شركة إتصالات تونس يتم إعداد فاتورات في هذه الكميات على أساس أنها من إنتاج وحدة القولبة الصغيرة لمعادن تمت رسكلتها من فواضل المعادن والخردة التي يتم جمعها من السوق المحلية ثم في مرحلة ثانية يتم شحنها إلى الأطراف المتعاملة المتمركزة في مدن أحواز العاصمة ولاتجد هذه الكميات أي صعوبة في الوصول إلى هذه البارونات بإعتبار أن كل عملية مراقبة على الطريق لهذه الشاحنات سوف تفلت منها نظرا لوجود الوثائق اللازمة المرفوقة بالبضاعة من فواتير وسجل تجاري والمعرف الجبائي وبيان المصدر بكل وضوح.
هذه المعادن يتم إعتبارها فواضل مرسكلة ويتم فيما بعد إعادة تصديرها إلى بلدان الإتحاد الأوروبي خاصة أن سعرها العالمي مرتفع نسبيا.
بعد أن أصبحت الكميات المجموعة لهذه المعادن المهربة تقدر بآلاف الأطنان لدولة لا تعتبر من المنتجين الكبار لهذه المعادن خاصة النحاس الذي يتم إستيراده بصفة شبه كاملة من السوق العالمية، قامت الديوانة التونسية بحجز العديد من الحاويات بالموانئ التجارية للبلاد التونسية للتحقيق من المصدر خاصة أن إنتاج هذه الوحدات لقولبة المعادن المرسكلة لا يتلاءم مع الكميات الكبرى المعدة لتصديرها ولا يمكن تبرريها بالكميات المجموعة من الخردة و الفواضل.
للخروج من المشكلة قامت شبكات التهريب بإبتكار حيلة جديدة للتفصي من المسؤولية وذلك بإنشاء شركات وسيطة على ملك أشخاص يتم التغرير بهم عن طريق إغراءهم بالأموال وبأنهم سيصبحون أصحاب شركات دون أن يملكوا أي أموال.
ضرورة التصدي لظاهرة الشركات الوهمية
هذا النوع من الشركات إنتشر بسرعة كبيرة في الفترة الأخيرة خاصة في المدن القريبة من الموانئ كتونس العاصمة ومدن الساحل التونسي وللمفارقة الغريبة جلها مسجل بالسجل الوطني للمؤسسات الذي أحدث مؤخرا كمحاولة للتصدي لظاهرة الشركات الوهمية وتحديد المستفيد الحقيقي في سياق تنفيذ التوجيهات الإصلاحية لمجموعة العمل المالي للحد من تبييض الأموال ويكون الهدف التجاري المعلن حسب القانون الأساسي لهذه الشركات الواجهة هو جمع فواضل المعادن و الخردة على أساس أنها هي من تجمع فواضل المعادن وتبيعها بفاتورات رسمية إلى وحدات قولبة المعادن كإثبات للمصدر بينما في الواقع هي مجرد حيلة يكون ضحيتها الشخص الذي يتم فتح شركة بإسمه للتغطية على العملية حيث يطلق عليه “عصفور” بإعتباره هو من سيتحمل المسؤولية النهائية نظرا لأن الشركة بإسمه وهو من أصدر فاتورات بيع الفواضل وأمضى عليها مقابل مبلغ مالي وهو حسب الأوراق من سلم فواضل المعادن لوحدات قولبة المعادن بينما في الحقيقة هو لم يسلم شيئا بل أمضى على فاتورات صحيح أنها قانونية في تنصيصاتها ومطابقة لمجلة الأداء على القيمة المضافة من حيث البيانات ولكنها غير مطابقة للواقع بل للتغطية على الكميات المهربة.
هذه العمليات لتبييض وإدماج أموال التهريب في الدورة الرسمية أصبحت معلومة بصفة جلية فمن يوقف زمرة تهريب النحاس، فماذا تنتظر السلطات المعنية للتحقيق في العملية و إيقاف المنخرطين في هذه الشبكات العابرة للحدود و التحقيق والتثبت في وجود النشاط الفعلي من عدمه للشركات التي درج على تسميتها بشركات جمع ورسكلة فواضل المعادن .
شارك رأيك