حمة الهمامي (حزب العمال) المنجي الرحوي (الوطد) و أحمد الصديق (الطليعة).
من المنتظر أن يأخذ الصراع داخل الجبهة الشعبية بين الإصلاحيين المتحمسين من جهة و”حراس المعبد” المترددين من جهة أخرى، منعرجات حاسمة في الأيام القادمة. ويبقى السؤال : “من سيطيح بالآخر ؟ منجي الرحوي أم حمة الهمامي؟”
بقلم مصطفى عطية *
تعيش الجبهة الشعبية إضطراما غير مسبوق بعد أن خرج أحد قادتها البارزين، المنجي الرحوي، معلنا ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية في الإنتخابات القادمة، ولم يكن هذا الإعلان مفاجئا لمتابعي ما يحدث في كواليس الجبهة الشعبية منذ مدة ليست بالقصيرة، فقد دأب المنجي الرحوي على التحليق خارج السرب وتوجيه سيل من الإنتقادات اللاذعة لرفاقه في القيادة، مطالبا بتغيير جذري في المناهج والأساليب المعتمدة إلى حد الآن والتي تجاوزها الزمن، وتطوير الخطاب السياسي بتخليصه من القوالب الجاهزة والأنماط المتكلسة والكلاسيكيات الموروثة.
الموقف “التصحيحي” يحرك المياه الآسنة
لم يكن المنجي الرحوي يتكلم بٱسمه الخاص وإنما كان يعبر عن أصوات شريحة كبرى من المنتمين إلى مكونات الجبهة الشعبية، وخاصة الجيل الجديد الذي ولد بعد سقوط حائط برلين ونشأ في ظل تفاعلات العولمة الشاملة.
هذا الموقف “التصحيحي” جاء إثر سلسلة من المواقف الغريبة للجبهة في العديد من المسائل، والتي أساءت كثيرا لصورتها وللحركة اليسارية عموما ولقد أكدنا في مقال سابق إن الجبهة الشعبية خسرت الكثير من تعاطف التونسيين الذين رأوا في الأخطاء المتراكمة التي إرتكبتها إنحرافا عن قيم ومبادئ الفكر اليساري الإجتماعي.
جاء قرار المنجي الرحوي الترشح للرئاسية ليحرك المياه الآسنة ويبعث برسالة واضحة لبعض القادة وعلى رأسهم حمة الهمامي، بقي أن التوقيت لم يكن مناسبا، بل بدا للبعض “غير بريء” أصلا ! فالجبهة تتعرض منذ أشهر عديدة لهجومات لاذعة ومكثفة، أخذت في بعض الأحيان شكل الحملة المنظمة التي إزدادت قوة وعنفا خلال الأيام الأخيرة، وكان من المفروض أن ينكب قياديوها على ترميم ماتداعى من وحدتها ولملمة شظايا خلافاتهم وتستعيد، تبعا لذلك، موقعها “الهجومي” في ساحة تغلي حاليا كالمرجل، فالبلاد تعيش أزمة حادة على جميع المستويات، والإقتصاد في إنهيار متسارع، ومؤشرات البطالة في ارتفاع، والنمو تباطأ أو إنعدم تماما، والمقدرة الشرائية للمواطن تدهورت، والعدالة الإجتماعية غدت شعارا أجوف.
زد على ذلك تشرذم القوى السياسية، فنداء تونس ضعف كثيرا بعد الإنشقاقاقات المتعددة ونزيف الإستقالات المتواصل، وحركة النهضة تعيش صراعا قويا بين الإصلاحيين والمحافظين المتشددين، وبين دعاة تكريس مدنية وديمقراطية ووطنية الحركة، والمتشبثين بأدبياتها وميثاقها كحركة إسلامية مرتبطة عضويا بالإسلام السياسي الدولي وجماعة الإخوان المسلمين تحديدا وتسعى إلى إقامة الخلافة، لكن التحركات الأخيرة في صلب قيادة الجبهة وآخرها إعلان المنجي الرحوي ترشحه للرئاسية نسفت كل شيء وأعادت الأوضاع إلى المربع الأول.
اليسار مطالب بالتأقلم مع الأوضاع المتغيرة والمستجدات الطارئة
كان الإعتقاد السائد لدى متابعي الشأن التونسي بالداخل والخارج، وكما ذكرنا ذلك بالتفصيل في مقال سابق ب:” أنباء تونس” أن الفرصة سانحة أمام اليسار بصفة عامة، والذي تقوده الجبهة الشعبية بالخصوص، للتموقع من جديد وٱستقطاب الغاضبين والمحبطين. وقد توفرت مثل هذه الفرص أكثر من مرة لكن تم إهدارها بسبب تمسك أغلب قيادات اليسار بالقوالب الإيديولوجية الكلاسيكية، والشعارات القديمة والمهترئة، والأنماط الجاهزة، وتفضيل الإحتجاجات الشارعية والإضرابات ذات الخلفيات المطلبية على المساهمة العملية في معالجة القضايا المطروحة، والتقدم إلى الواجهة لٱقتراح الحلول المنطقية الناجعة للأزمات المتفاقمة.
يطالب التيار التصحيحي، بقيادة المنجي الرحوي، بالتأقلم مع الأوضاع المتغيرة والمستجدات والطوارئ، والتخلص، تبعا لذلك ،من مكبلات المنظومة الشيوعية التقليدية، وقد أبدى بعض القادة الآخرين قدرة كبيرة على طرح المسائل من منظور تصحيحي واقعي بعيدا عن الشعارات التي لم تعد تنطلي حتى على أبسط بسطاء العامة.
وهو ما أحرج حمة الهمامي والمحيطين به، وإن كانوا يعتقدون في قرارة أنفسهم أن توقيت التغيير قد حان، ولا بد من حلحلة الأوضاع وتكسير حاجز الصمت ودخول مرحلة التحولات التاريخية.
ومن المنتظر أن يأخذ الصراع بين الإصلاحيين المتحمسين من جهة و”حراس المعبد” المترددين من جهة أخرى، منعرجات حاسمة، ستلعب فيها المناورات والخدعة دورا أساسيا، كما حدث تماما في كل الأحزاب اليسارية في العالم طيلة ربع القرن الأخير. ويبقى السؤال : “من سيطيح بالآخر ؟ منجي الرحوي أم حمة الهمامي؟”
* صحفي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : مسيرة أحمد نجيب الشابي وأوحال اللهاث المحموم وراء سراب السلطة !
شارك رأيك