بعد التعرض في الجزءين الأولين من هذه الدراسة إلى الأسباب الإجتماعية والثقافية والسياسية لتنامي ظاهرة السلفية الجهادية في تونس في فترة ما قبل ثورة 14 جانفي 2011 وما بعدها يحلل في هذا الجزء الثالث والأخير الإمكانيات المتاحة لمواجهتها وإحتوائها.
بقلم الأسعد بوعزي *
3. إمكانية احتواء السلفية الجهادية
من المؤكد حسب جل المصادر الإعلامية أن تونس تأتي في المرتبة الرابعة (بعد الشيشان والسعودية ولبنان) من حيث عدد الجهاديين الذين يقاتلون بالخارج (العراق وسوريا وليبيا ومالي وغيرها من بؤر التوتر)، غير أن هذه المصادر تضاربت حول العدد الجملي لهؤلاء الجهاديين.
وضمن تقريره الصادر في 2015، قدر “المركز الدولي للدراسات حول التطرف” عدد التونسيين الذين يقاتلون في سوريا سنة 2014 بثلاثة آلاف فيما تقدر وزارة الداخلية هذا العدد بـ 1800 عاد منهم إلى تونس حوالي 500 تم اعتقال بعضهم فيما بقي البعض الآخر تحت المراقبة وفق ما صرح به رضا صفر الوزير السابق المكلف بالأمن لدى وزير الداخلية لجريدة “التونسية” يوم 29 جانفي 2014. وفي مؤتمر صحفي إنعقد أوائل سبتمبر 2015، صرّح الإعلامي زياد الهاني الذي زار سوريا ضمن وفد إعلامي وجمعياتي، أن السلطات السّورية تقدر العدد الجملي للتونسيين الذين يقاتلون في سوريا بحوالي ثمانية آلاف.
ومهما يكن هذا العدد، فان هؤلاء المقاتلين سوف يهددون أمن البلاد واستقرارها بصفة جدية ما لم يتم التفكير من الآن في طريقة إستيعابهم لدرء هذا التهديد خاصة وأن هؤلاء المقاتلين من أشرس الجهاديين وأكثرهم تمرّسا ودموية وذلك بشهادة السّوريين أنفسهم حسب ما أورده زياد الهاني في أحد تدخلاته على قناة نسمة.
وفي هذا الإطار، صرّحت كل من حكومة المهدي جمعة وحكومة الصيد عن نيّتها بعث برنامج وطني لإستيعاب الجهاديين العائدين من الخارج قصد تأهيل من لم تتلطخ يداه بالدماء وإعادة إدماجه بالمجتمع غير أن هذا البرنامج لم ير النور إلى حدّ هذا اليوم.
وكان رضا صفر أول من أعلن عن وجود هذا البرنامج لمّا صرّح في حوار له مع جريدة “المغرب” أجراه خلال زيارته إلى واشنطن يوم 2 أفريل 2014 « أن حوالي 1800 تونسي يقاتلون في سوريا وان مصالح وزارته بصدد اتخاذ إجراءات استثنائية لكل تونسي في هذا البلد ما لم تتلطخ يداه بالدماء وقرر العودة إلى تونس من تلقاء نفسه» وقد ذكرت الجريدة أن الوزير ربما كان يلمّح من خلال هذا القول إلى “قانون الرّحمة والتوبة” الذي تم اعتماده في كلّ من الجزائر وايطاليا.
وفي برقية صوتية صادرة عن وزارة الخارجية بتاريخ 25 أوت 2015، جاء على لسان السيد الطيّب البكوش ” أن عناصر جهادية اتصلت بنا عبر قنصلياتنا بالخارج وعبرت عن نيتها الرجوع إلى تونس”.
وإن مرّ تصريح السيد رضا صفر دون أن يشغل الرأي العام، فإن تصريح وزير الخارجية أثار جدلا كبيرا لدى الطبقة السياسية التي انقسمت بين مؤيد ورافض ومشكّك في مشروع استيعاب الجهاديين.
تأتي حركة النهضة على رأس المؤيدين لهذه الفكرة حيث صرّح رئيسها راشد الغنوشي على أمواج إذاعة “شمس” «أن المصالحة لا تستثني أحداً، وباب التوبة يبقى مفتوحاً، حتى مع الجهاديين. ومن واجبنا أن نستفيد من تجارب الآخرين فالجزائر اكتوت بنار الإرهاب، وعندما قدم الرئيس بوتفليقة فتح باب الوئام الوطني والمصالحة الوطنية، فنزل 5 آلاف من الجبال، واندمجوا في المجتمع الجزائري، وكذلك حصل في المغرب الذي احتوى هؤلاء من خلال جيش من العلماء الذين يدعون إلى الوسطية والاعتدال».
وفي حديث آخر أوضح أيضا «أن فتح باب التوبة للجهاديين العائدين من سوريا يشمل من تراجع منهم عن الأفكار السوداء والمظلمة التي تبنّاها عن جهل وانعدام وعي، مضيفا أن هذه المسألة جرّبت في الجزائر والسعودية وغيرها من الدول وأن تونس ليست في حاجة إلى “اختراع العجلة” في هذا الخصوص لأن هناك دول أخرى فتحت مجال التوبة للجهاديين».
وفيما تدعو حركة النهضة إلى العفو عن الجهاديين، فان المعارضة تخشى من أن يتحول مشروع قانون التوبة إلى “ورقة مقايضة بيد هذه الحركة لإعادة الجهاديين الذين ساهمت في إرسالهم إلى سوريا بإيجاد صيغة قانون يتضمن عفوا عن المقاتلين وإعادتهم إلى تونس، مقابل تمرير قانون المصالحة المثير للجدل” كما جاء على لسان حمّة الهمّامي الناطق الرسمي بإسم الجبهة الشعبية.
أمّا المشككين في المشروع فإنهم يطرحون تساؤلات منطقية طرحتها العديد من المجتمعات التي سبقتهم في مناقشة مثل هكذا مشروع كجدية التائبين ومدى صدقهم في توبتهم وكيفية معرفة من تلطخت يداه بالدماء من عدمه.
ودون الخوض في جدل عقيم قد لا يعود بالنفع على الدولة التي أصبحت مهددة في وجودها، فان الحكمة تقتضي منّا أن لا نراهن على مقاربة أمنية بحتة تضع الجهاديين بين خياري السجن أو الموت، ذلك أنّ كل القادة الذين صنعوا التاريخ العسكري أمثال سان تسو صانع إمبراطورية الصينية (500 ق م) وبسمارك موحّد ألمانيا أوصوا بوجوب ترك مخرج للعدوّ وتجنب دفعه لليأس بتشديد الخناق عليه.
وعلى هذا الأساس، لا بدّ من معالجة الظاهرة بمقاربة شاملة تأخذ بعين الإعتبار كل الحلول الممكنة والوسائل المتاحة لإستيعاب هؤلاء الجهاديين خاصة وأن العديد من التقارير تفيد بأنه علاوة عن الذين التحقوا بالجهاديين لا عن قناعة بل لتحقيق مآرب خاصّة، فإن الكثيرين من العائدين من سوريا عبّروا عن خيبة ظنهم فيما كانوا يعتبرونه جهادا حيث اكتشفوا أن “داعش” غررت بهم وأصبحت تخيّرهم بين مقاتلة مجاهدين آخرين من بني جلدتهم أو ضرب رقابهم بدعوى رفضهم لفريضة الجهاد في سبل الله .
ولبلورة “إستراتيجية إستيعاب ثم إدماج الجهاديين” لا بدّ من الإستفادة من تجارب الدّول التي سبقتنا في هذه التجربة والتي حققت نتائج جدّ ايجابية نذكر من أهمّها:
1.3. التجربة السعودية
أسست العربية السعودية مركز الأمير محمد بن نايف “للمناصحة والرعاية” سنة 2006 بعد موجة التفجيرات التي شهدتها المملكة وانضمام عدد هامّ من مواطنيها في تنظيم القاعدة. تمّ بلورة خطة عمل لإستيعاب الجهاديين وأوكل تنفيذها إلى هيئة تحت إشراف وزارة الداخلية وبمشاركة اللجان الشرعية من المشايخ والعلماء الشرعيين والمستشارين النّفسانيين والإجتماعيين.
وتوصف جريدة “لوفيغارو” الفرنسية (في عددها الصادر بتاريخ 9 جانفي 2008) طريقة عمل هذا المركز بالطريقة الناجعة رغم بساطة التمشّي الذي تقوم عليه والمتمثل في ما يلي:
• عند عودتهم من العراق أو معتقل “غوانتنامو”، يتم استقبال الجهاديين من طرف الأمير محمد بن نايف (ابن وزير الداخلية ومهندس المشروع) ليرحب بهم في بلادهم ويبرز لهم أن الشعب لا ينبذهم ولا يشيطنهم ثمّ يودع العائدين بالمركز (وهو نزل من فئة الخمسة نجوم) صحبة عائلاتهم للإحتفاء بهم وطمأنتهم.
• بعد أسبوع، تغادر العائلات ويبدأ برنامج التأهيل القائم على تدريس القرآن وتفسيره مع التركيز على المفهوم الصحيح لفريضة الجهاد. وليكون التأهيل أكثر نجاعة، تسعى الهيئة إلى إعطاء أولوية التدريس إلى شيوخ لا يشكك في كفاءتهم ممّن كان لهم تأثيرا في “دمغجة” هؤلاء الجهاديين والأفضل أن يتمّ إنتداب أحد شيوخ السلفية الجهادية ممّن تنصّلوا من الدعوة للجهاد بحمل السلاح حتى لا يحسب على النظام الحاكم ولا يتم إعتباره جاسوسا يعمل لفائدته.
• بعد برنامج التأهيل الذي يدوم قرابة السنتين، تمكّن السلطات السعودية (التي تتوفر لديها كل الإمكانيات المادية) المتأهّل حال خروجه من المركز من شقّة وسيّارة ووظيفة وتنسّق مع عائلته ليتمّ تزويجه إن رغب في ذلك. وبذلك يتمّ إدماج هؤلاء التائبين بعد أن تضمن عائلاتهم في عدم ارتدادهم في توبتهم وقد تتعرض هذه العائلات إلى اشدّ العواقب إن تمّ مخالفة هذا الميثاق.
إن المقاربة التي توختها العربية السعودية تقوم على الإغراء بالمال والترهيب والضغط على الجهاديين عبر التلويح بالتنكيل بأسرهم وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وحتى مع تعاليم الإسلام إذ “لا يكلف الله نفسا وزر أخرى”. فهي طريقة تقوم على معالجة الظاهرة دون العمل على التوقّي منها بطرق عدّة، منها منع تعليم الفكر الوهّابي للناشئة. ما يمكن الاستفادة منه من هذه التجربة هو السعي إلى تكليف شيوخ السلفية أنفسهم ممّن لا يشجعون على حمل السلاح بتأطير هؤلاء الجهاديين.
2.3. التجربة المغربية
بعد التفجير الإرهابي الذي هزّ الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003 والذي أودى بحياة ما يزيد عن 45 شخصًا بينهم 8 أوروبيين، اعتقلت السلطات المغربية المئات من الأشخاص بتهمة الانتماء لتيار “السلفية الجهادية” وتمت محاكمتهم بموجب قانون “الإرهاب” الصادر عام 2003، حيث صدرت ضدهم أحكام وصفها الحقوقيون وأهالي المعتقلين بالمتشدّدة.
وبعد صدور الدستور الجديد سنة 2011، وبموجب عفو صدر عن العاهل المغربي بمناسبة المولد النبوي يوم 4 فيفري 2012، تم إطلاق سراح شيوخ السلفية الجهادية المحكوم عليهم بعشرات السنين من بينهم حسن الكتاني ومحمد رفيقي (20 سنة) وعلي الحدّوشي ومحمد الفزازي (30 عاما).
وفيما اعتبر المحللون أن هذه المبادرة تمثل بداية المصالحة مع الجهاديين، فان وزير العدل مصطفى الرّميد صرح بأن العفو عن هؤلاء السلفيين ” يعبر عن التفاتة ملكية تفصح بوضوح عن آن الدولة إذا مارست سياسة الحزم الأمني، فان يدها مبسوطة من خلال العفو الملكي عن المعتقلين الذين قدموا معطيات برهنوا من خلالها عن استعدادهم الانخراط الايجابي في الحياة العامة، بعيدا عن الغلوّ والتطرف المشين”.
إن المملكة المغربية وإن لم تكشف عن الخطة المتّبعة لإستيعاب الجهاديين فإن هذا التصريح يعبر عنها ضمنيا ويمكن تلخيصها في ما يلي:
• مقاربة أمنية وهي ما يبرزه بعث المكتب “المركزي للأبحاث القضائية” (2011) المتخصص في التتبّع والتحقيق في جرائم الإرهاب وجرائم أمن الدولة وقد تمكن من تفكيك عدة شبكات إرهابية موالية لداعش والتصدي لعمليات اغتيالات وتفجيرات قبل تنفيذها.
• مقاربة سياسية متمثلة في عقد صفقة خفيّة مع مشايخ السلفية قبل إطلاق سراحهم (بعد تقديمهم لمعطيات ايجابية حسب تصريح الوزير) تقضي بأن يتعاونوا مع الحكومة ويقوموا صحبة عدد من العلماء بحملة “المراجعة الفكرية” داخل السجون لتغيير قناعات الجهاديين قصد تأهيلهم لغاية إدماجهم داخل المجتمع.
والدليل على عن وجود هذه الصفقة هو أن هؤلاء المشايخ وعلى رأسهم أشهر التائبين عبد الكريم الشادلي (الذي أصبح قيادي بحزب الحركة الديمقراطية الإجتماعية) قاموا فعلا بحملة داخل السجون، أعادوا فيها النظر في كثير من الأفكار التي تصادم المجتمع، وتميل نحو التشدد والعنف. إنتهت هذه الحملة بتأسيس أكبر هيئة داخل السجون وتضم حوالي 400 معتقل سلفي يعلنون نواياهم لنبذ العنف والغلو وقبول الديمقراطية والإنفتاح على كل التيارات في المجتمع. وأكدت هذه الهيئة أن دمج الجهاديين من حاملي الفكر التكفيري في العملية السياسية واستيعابهم كفيل بمحاربة التطرّف وتقدمت إلى الديوان الملكي بقائمة إسمية لمئات التائبين للعفو عنهم وقد حظيت في هذا المسعى بمساندة المجتمع المدني وعدة أحزاب سياسية ومن المنتظر أن يستجيب الملك لهذا المطلب.
إن التجربة المغربية جديرة بالإهتمام لما حققته من نتائج إيجابية. فهي تقوم على منطق “بقدر ما تعطيني، أعطيك” بمعنى مقايضة حرية قادة ومنظّري السلفية الجهادية بمدى نجاحهم في التأثير على منظوريهم لنبذ العنف والإنخراط في الحياة السياسية وهو ما يفسر العفو على المشايخ على عدة دفعات.
تماما مثل التجربة السعودية، يعاب على هذه المقاربة إهمالها للجانب الوقائي إذا ما استثنينا الجانب الأمنى الذي يعنى بالتتبع والتنصّط والتحقيق.
3.3. تجربة الدّانمارك
إن الطريقة الدانماركية التي تمّ بلورتها من طرف أستاذ علم النفس برتان برتلسان والمعروفة بطريقة “آروس” (نسبة لمدينة آروس) تعد فريدة من نوعها من حيث البرنامج والأسلوب وهي تجربة استفادت من كل التجارب التي سبقتها على الساحة الدولية لتصبح أنموذجا يقتدي به في مجموعة البلدان الأوربية.
تهدف هذه الطريقة إلى استيعاب الجهاديين عبر إقناعهم بإمكانية إعادة إدماجهم بالمجتمع إن توفّرت فيهم الإرادة، وتقوم على تعاون وثيق بين المدرسة والمصالح الاجتماعية والأجهزة الأمنية وهي بالتالي ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في:
أ) الوقاية المبكرة
تهدف الوقاية المبكرة إلى القيام بحملات تحسيسية بالمدارس والمعاهد (بالمناطق المصنفة حسّاسة) للحيلولة دون تنامي الحسّ الجهادي لدى الناشئة والشباب. يتم ذلك عبر ورشة عمل بإدارة فريق متكون من مختصين في علم النفس ومكافحة الجرائم وبعض الأيمّة إن إقتضى الأمر ويكون للتائبين من الجهاديين دور بارز في هذا الفريق لقدرتهم على الإقناع عبر تقديم شهاداتهم عن تجربتهم المريرة على غرار الشهادات التي يقدمها المقلعين عن الإدمان على المخدرات.
ولضمان أكبر قدر من النجاح، لا بدّ من حضور أسر التلامذة في هذه الحلقات لما لها من تأثير على أبنائها.
ب) الوقاية المستمرة
تندرج الوقاية المستمرة من التطرف الديني والأديولوجي ضمن المهام القارّة الموكولة إلى الأجهزة الأمنية ومصالح الإستعلامات المختصة في أمن الدولة الداخلي والخارجي. يتم ذلك عبر التتبع والتنصّت والترصّد طبقا لقانون البلاد.
ت) تأهيل العائدين من الجهاد
إن تأهيل الجهاديين يقوم على تطبيق برنامج يسمّى “برنامج الخروج من الأزمة” ويمرّ هذا التأهيل وجوبا بالخطوات التالية:
• قبول العائدين من الجهاد بمراكز مختصّة لتقييم مدى خطورة إصابتهم (مدى تغلغل الحسّ الجهادي في عقولهم) وفرز من ثبت تلطخ يديه بالدماء لإحالته على العدالة،
• يتم إلحاق الجهادي بفريق متكون من كفيل رئيسي (من الأفضل أن يكون ممّن ثبتت توبته) وعشرين كفيلا آخرين موزعين على المجتمع المدني وأسرة المعني بالأمر وبعض التائبين القدامى ومن طبيب نفساني ورجل أمن ومختص في علم الاجتماع. تدوم مدة التأطير ما لا يقلّ عن ستة أشهر وتنتهي متى اكتسب التائب الثقة في نفسه بإبراز مدى قدرته على الإنسجام في المجتمع بإعانة أسرته وأصدقائه ولا بدّ له من أخذ القرار في أحد الخيارين، إمّا الشغل أو المشاركة في حلقة تكوينية.
هكذا تبدو التجربة الدانماركية الأقدر على تحقيق نتيجة مرضية غير أنها مكلفة من حيث فرق التأطير المختصة. بقي الإشارة إلى انه لا توجد طريقة ناجعة مائة بالمائة إذ أن كل الدراسات تبيّن أن نسبة العائدين إلى الجهاد بعد تلقي الدورات التأهيلية تتراوح بين 10 و 20 بالمائة.
4.3. كيف يمكن تصوّر المقاربة التونسية؟
إن المقاربة التونسية يمكن إستلهامها من المقاربة المغربية من حيث طريقة العفو التشريعي ومن المقاربة الدانماركية من حيث الأداء مع مراعاة الإمكانيات المادية والبشرية لتونس وبذلك يمكن تصورها على النحو التالي:
أ) الوقاية المبكرة
تتم الوقاية المبكرة عبر برنامج توعوي يتم تنفيذه بكل المؤسسات التربوية من المدرسة الإعدادية إلى الجامعة وفق رزنامة معقولة يتم ضبطها من الجهات المعنية.
ينفّذ البرنامج من طرف وزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بمشاركة مختصين من وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الدينية. يطبق هذا البرنامج في شكل حلقات حوار حول المفهوم الحقيقي للجهاد وميزات النظام الجمهوري الديمقراطي مقارنة بالأنظمة “التيولوجية” والشّمولية.
ب) الوقاية المستمرة
تعهد الوقاية المستمرّة إلى جهاز أمنى على شاكلة ما هو سائر بالمغرب أو الدانمارك في حدود ما يسمح به دستور البلاد، غير أن هذا التمشّي يبقى غير ممكنا في ضلّ تعدد الأجهزة الإستخباراتية وهو ما يفرض الإسراع ببعث الوكالة الوطنية المركزية للاستعلامات.
ت) تأهيل العائدين من الجهاد
إن المصلحة الوطنية التي تستدعي المحافظة على أمن البلاد وتماسك وحدة شعبها تتطلب منا إتباع التمشّي التالي:
• إعلان العفو عن الجهاديين داخل تونس وخارجها وإعطائهم مهلة لتقديم أنفسهم بمن فيهم قادتهم ومنظّريهم مع طمأنة من تلطخت أيديهم بالدماء على أرواحهم وتقديم وعدا لهم بمحاكمتهم محاكمة عادلة تسعفهم بأقصى ظروف التخفيف شريطة أن يعبروا عن ندمهم ويقدموا اعتذارهم للشعب التونسي عمّا اقترفوه في حقه.
• إلزام حزب التحرير باحترام قانون الأحزاب والدستور التونسي وإقناعه بالانخراط في الحياة السياسية حتى ترفع عنه شبهة معاداة الجمهورية والتعاطف مع الجهاديين ليتسنى بذلك الإستعانة به في تأطير التائبين على غرار ما تم بالمغرب.
• إتباع نفس الطريقة الدانماركية في شقّها المتعلق بقبول وفرز وتأطير الجهاديين. ويعتبر الجهاديين تائبين متى اعترفوا كتابيّا بدستور البلاد وبنظامها الجمهوري وبالحقوق المكتسبة منذ الاستقلال إلى حدّ هذا اليوم.
• الاستعانة بالاتحاد الأروبى للمشاركة في هذا المشروع الوطني (ماليّا) لأن الإرهاب لا يعترف بالحدود الجغرافية وأوروبا ليست في مأمن منه تماما مثل ما هو الشأن بالنسبة للهجرة الغير شرعية.
وتجدر الإشارة إلى أن السيد جيل كورشوف المنسّق الأوروبي السّابق في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب سبق له أن صرّح بأن “تونس التي ينتمي إليها 3000 جهاديا متواجدين بسوريا ليست قادرة على استيعاب جهادييها بمفردها خاصة وأنها بصدد إعادة هيكلة وتنظيم أجهزتها الأمنية وهو ما يفرض علينا مساعدتها لأننا نجابه نفس الخطر”.
إن تطبيق هذا البرنامج يكتسي ضرورة ملحّة أمام الخطر الذي يشكله الجهاديون خاصة وان عودتهم إلى تونس أصبحت واقعا وحقيقة بعد تضييق الخناق عليهم بالعراق والشام من طرف التحالف الدولي بقيادة أمريكا وهزيمتهم على الميدان من طرف التحالف الروسي والسوري والإراني.
هذا، ويبقى نجاح هذا المشروع رهن توافق كل الأحزاب السياسية وتزكية المجتمع المدنى وهو ما يستدعي التعريف به ضمن حملة إعلامية تستهدف كل شرائح المجتمع لتعبئتها قصد سدّ المنافذ لكل من تخوّل له نفسه المساومة بهذا المطلب الحيوي.
* عقيد بالبحرية متقاعد.
المقالان السابقان :
السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (2-3)
السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (1-3)
شارك رأيك