اليوم في كامل أنحاء الجزائر محلات مغلقة و نقل غير متوفر و مظاهرات.
تمت الإستجابة بشكل كبير نسبيًا للدعوة إلى عصيان مدني التي بثت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، في العديد من المدن الجزائرية. و قد جاء إحتجاجًا على ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
من الجزائر: عمّار قردود
شهدت الجزائر تظاهرات حاشدة في يوم الجمعة الثالث على التوالي، 8 مارس 2019، رفضًا لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، رغم تحذير الأخير الخميس، في رسالة، من “فوضى” و”فتنة”، في مؤشر على رفضه التراجع عن ترشحه. وفي ظل أنباء تشير إلى إحتمال عودته اليوم الأحد إلى الجزائر بعد رحلة علاج في جنيف دامت أسبوعين.
إلتماس لوضع الرئيس بوتفليقة تحت الوصاية حفاظًا على سلامته الشخصية
و وفقًا لوكالة “رويترز” فإن طائرة حكومية جزائرية حطّت اليوم الأحد في مطار “كوينترين” بجنيف، حيث من المنتظر أن تقل بوتفليقة إلى بلاده اليوم.
هذا وأظهر موقع متخصص بمراقبة حركة الملاحة الجوية، في وقت سابق اليوم أن طائرة حكومية جزائرية كانت قد أقلت الشهر الماضي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى جنيف غادرت المجال الجوي للجزائر صباح اليوم متوجهة شمالاً. وقد صرحت مصادر رسمية جزائرية، في وقت سابق، أن طائرة الرئيس عادت من جنيف إلى الجزائر بدونه. وغادرت الطائرة فجر اليوم العاصمة الجزائر، قبل الساعة 07:00 بتوقيت غرينيتش.
وكانت محامية سويسرية قد قدمت التماسًا باسم مواطنة جزائرية لم تكشف عن هويتها لوضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجود في جنيف حاليًا للعلاج، تحت الوصاية حفاظًا على سلامته الشخصية.
هذا ودعت جهات خفية و مجهولة إلى خوض إضراب عام وعصيان مدني اليوم الأحد يشل الجزائر بأسرها، أي قبل 48 ساعة فقط من إعلان المجلس الدستوري المرشحين الرسمين لخوض غمار الإنتخابات الرئاسية المقررة في 18 أفريل المقبل.
وتحسبًا للعصيان المدني الذي تم الشروع فيه اليوم ،شهدت المحلات والمراكز التجارية تهافتًا غير مسبوق لاقتناء المواد الغذائية الأساسية خلال اليومين الماضيين، بالرغم من تأكيد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين أن القطاع التجاري لا سيما تجار الجملة والتجزئة غير معنيين بالنداءت الداعية إلى عصيان مدني وإضرابات أطلقت عبر مواقع التواصل الإجتماعي. لكن معظم الجزائريين قاموا بتخزين كميات معتبرة من المواد الإستهلاكية تحسباً لتطورات محتملة.
وفي العاصمة الجزائرية، تم شلل شبه كلي لحركة النقل و المواصلات، كما تم تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس، وأمس قرر وزير التعليم العالي الجزائري الطاهر حجار تقديم العطلة الربيعية للجامعات إلى اليوم الأحد ولمدة شهر تقريبًا كمحاولة من الحكومة الجزائرية تكسير الحراك الشعبي من خلال تسريح قوافل الطلاب الجامعيين من الدراسة وتمكينهم من العودة إلى منازلهم. كما تم تسجيل إغلاق تام لكافة الإدارات والمؤسسات و الهيئات الرسمية العمومية و الخاصة.
وخلال جولة ميدانية قامت بها “أنباء تونس” صباح اليوم الأحد تم غلق جميع المحلات التجارية والأسواق الشعبية في الجزائر العاصمة وعدد من الولايات الأخرى، ومقارنة بأمس السبت أين كان الإقبال الشعبي الكثيف على شراء المواد الغذائية واسعة الإستهلاك كالزيت والسكر والسميد، بالإضافة إلى العجائن والحبوب الجافة والخضار بكميات مضاعفة، لتخزينها.
وقبل أيام، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة إلى عصيان مدني يشل البلاد، بالتزامن مع بداية المجلس الدستوري دراسة ملفات المترشحين للإنتخابات الرئاسية المقبلة. وتأتي الدعوات للعصيان المدني اليوم الأحد، في ظل صمت رسمي مريب.
الإضطرابات متواصلة: الجزائر إاى أين ؟
و عكس ما كان منتظرًا، فإن الدعوات للعصيات المدني لم تُزعج الحكومة الجزائرية والدليل على ذلك عدم تدخلها في الموضوع ولو من باب تقيم المشورة و النصح أو حتى التحذير من مغبة تنفيذ ذلك، ولم تُحرك لها ساكنًا للتصدي للدعوات المنادية بالعصيان المدني وهو موقف مريب يزيد الشكوك حول صراع العُصب الحاكمة في الجزائر وعدم توافقها حتى اللحظة على موقف أو قرار حاسم لتجنيب البلاد مخاطر الإنزلاق و القفز نحو المجهول.
آخر عصيان مدني… أشعل حربًا أهلية في الجزائر أتت على الأخضر و اليابس
في جوان 1991، فضّت قوات الدرك الوطني الجزائري والشرطة الجزائرية بالقوة المفرطة إعتصمات أنصار حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية المعتصمين في ساحة الشهداء وساحة أول ماي بالجزائر العاصمة ضد قانون الإنتخابات وتقسيم الدوائر وتوالت الأحداث وتطورت فأُعلنت حالة الحصار وحضر التجوال وأُجلّت الإنتخابات لستة أشهر ثم أعتقل قادة الجبهة الاسلامية للإنقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج وكمال ڤمّازي وأدت هذه الأحداث إلى سقوط مئات القتلى والجرحى والآلاف من المعتقلين.
في 23 ماي 1991 بعد إجتماع المجلس الشوري للجبهة الإسلامية للإنقاذ أعلن عباسي مدني رئيس الحزب ومعه نائبه علي بن حاج في ندوة صحفية عن الإضراب العام المفتوح، وبدأ الإضراب يوم 25 ماي 1991. وفي 29 ماي 1991، حددت أماكن الإعتصام بموافقة رئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش وحضر الجلسة إسماعيل العماري والرائد في المخابرات بوعزة. وفي يوم السبت 1 جوان 1991 سقطت صخرة من جهة مجهولة على نقيب بالدرك الوطني الجزائري في ساحة أول ماي.
في صباح يوم الأحد 2 جوان 1991 – أي بعد تسعة أيام من الإضراب العام – نشرت وزارة الداخلية بلاغًا شديد اللهجة نددت فيه بقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، واتهمت عباسي مدني شخصيًا بأنه يسعى إلى إحداث جو متوتر لزعزعة الأمن والاستقرار.
وفي نفس اليوم أصدرت وزارة الداخلية بيانًا آخر، تحدثت فيه عن وجود مجموعة محدودة، متكونة من بضعة عناصر، تعمل بكل الوسائل لعرقلة النشاطات الحساسة، وقالت فيه: إنها من اليوم ستتخذ سلسلة من الإجراءات الصارمة من أجل إعادة الأوضاع إلى مجاريها الطبيعية، وأهم هذه الإجراءات: “إعطاء تعليمات لقوات الأمن العمومي بتشتيت كل التجمعات غير المرخص بها”.
وفي المساء، الرئيس الجزائري حينذاك الراحل الشاذلي بن جديد يلقي خطابًا متلفزًا على الأمة يعلن فيه إنطلاق الحملة الإنتخابية، متجاهلا نهائيًا مطلب جبهة الإنقاذ، و مقزّما حجم حركتها واصفًا إيّاها “ببعض العناصر التي تعمل على تغليط مناضليها الذين هم وطنيون مخلصون”.
وفي يوم الإثنين 3 جوان خرجت مسيرات ومظاهرات كبرى تندد بما جاء بخطاب الرئيس وتطالبه بالإستقالة هو ورئيس حكومته بدأت هذه المسيرات سلمية ثم إنتهت بمناوشات وإشتباكات محدودة مع قوى الأمن.
و يوم الثلاثاء 4 جوان على الساعة الثانية والنصف صباحًا، عناصر الدرك الوطني يتدخلون بقوة وبدون سابق إنذار، ويخلون الأماكن العمومية التي كان المعتصمون يتواجدون فيها (ساحة الشهداء وساحة أول ماي وغيرهما) باستعمال الغازات المسيلة للدموع، ووقعت بين الطرفين مشادات عنيفة، خلفت حسب بعض وكالات الأنباء 6 ستة قتلى، وعشرات الجرحى، وتحدثت وزارة الداخلية في ندوة صحفية عن سقوط قتلى بالرصاص، في أماكن لم تتدخل فيها قوات الأمن.
يوم الأربعاء 5 جوان بيان صادر عن رئاسة الجزائرية يفصح عن مرسوم رئاسي في 13 مادّة مؤرّخ في 4 جوان 1991، يقيم حالة الحصار لمدّة 4 أشهر قابلة للإلغاء في حال إستتباب الأمن، ويعلن سيد أحمد غزالي رئيسًا للحكومة خلفًا لمولود حمروش الذي استقال من منصبه.
وفي يوم الخميس 6 جوان إنتشر الجيش الجزائري في العاصمة وفرض حظر التجول فيها وفي ثلاث ولايات أخرى.
وفي يوم الجمعة 7 جوان، إعلان من الشيخين: عباسي مدني وعلي بن حاج، في مسجد الشيخ عبد الحميد بن باديس بالقبة بإنهاء الإضراب الذي دام 14 يوم، بعد اللقاء الذي جمعهما في صباح ذلك اليوم ودام ساعتين كاملتين برئيس الحكومة الجديد: سيد أحمد غزالي، وتم الإتفاق مع رئيس الحكومة على : تأجيل إمتحانات الباكالوريا، عودة العمال المطرودين من أعمالهم، تعويض الضحايا الذين سقطوا غدرًا وليلاً دون سابق إنذار قانوني. هذا وقد تملصت السلطة من تعهداتها ودخلت الجزائر في دوامة من العنف و الفوضى والإرهاب أفضت إلى 250 ألف قتيل و خسائر مادية بـــ25 مليار دولار.
شارك رأيك