ما من شكّ أن طريق عبير موسي ليس مفروشا بالورود وأن الحملة التي تتعرض إليها من طرف خصومها السياسيين سوف تشتدّ مع إقتراب الإنتخابات وأن المعركة معهم سوف تكون جدّ شرسة غير ان حظوظها في تحقيق الفوز تبقى حقيقية ووافرة.
بقلم الأسعد بوعزي *
لا شكّ وان المتتبعين للشأن السياسي في تونس وبالخارج لاحظوا أن السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ أصبحت تتعرض إلى حملة شعواء من طرف كلّ الأحزاب السياسية وجلّ الإذاعات والقنوات التلفزية التي تسعى إلى شيطنتها والإطاحة بها. وهنا، لسائل أن يسأل ما سبب هذه الحملة المسعورة التي تستهدف إمراة تبدو وكأنها تحارب بمفردها جمعا من الخصوم الذين يكيدون لها في السرّ والعلن من أجل إسقاطها؟
وحسب إعتقادي، فإن هناك سببان رئيسيان وراء هذه الحملة، أحدهما مؤكد وظاهر للعيان اما الثاني فهو غير مؤكد وخفيّ.
1- السبب المؤكد للحملة ضد عبير موسي:
إن السيدة عبير موسي بدأت في إكتساح الميدان السياسي بعدما أوشكت على إستكمال مرحلة تركيز حزبها بمختلف المعتمديات والبلديات وهي الآن في طور الإعداد لبدء مرحلة الإنتشار في القرى والأرياف.
ومن الملفت للإهتمام (وأتمنى ألاّ أكون مخطئا في ذلك) هو أن السيدة موسي لا تعوّل على المال السياسي أو رجال الأعمال الفاسدين لتمويل حزبها وتحقيق ما هي بصدد إنجازه بل تعوّل على شريحة كبرى من التونسيين المنتمين إلى كامل جهات الجمهورية والذين آمنوا بمشروعها إمّا عن إقتناع راسخ أو بدافع اليأس والقنوط بعد ما عانوه طيلة ثمانية سنوات من التهميش والتجويع و”الحقرة” والتنكيل بهم من طرف السياسيين النافذين في البلاد والماسكين بالحكم.
هذا، وما كان للسيدة موسي أن تنجح في كسب تعاطف هذه الشريحة من التونسيين وتشغل الرأي العام التونسي مثلما تبرزه كلّ الوسائل الإعلامية ومختلف شبكات التواصل الإجتماعي لولا تميّزها بميزتين عن بقية خصومها السياسيين:
– الميزة الأولى تتمثل في تمسّكها بالفكر البورقيبي والإستماتة في الدفاع عنه وهو الفكر الدّاعي إلى التحرّر والدّاعم للنظام الجمهوري والمراهن على المرأة التونسية والمعادي الى كلّ قوى التطرّف والأفكار الظلامية الهدّامة،
– أمّا الميزة الثانية فهي تتمثل في “كارزمة” هذه المرأة وقوّة شخصيتها ورباطة جأشها وصلابتها في التمسك بمبادئها والدفاع عن قناعاتها وقبولها للتحديات ومجابهتها والتمكّن من اللغة وتحلّيها بالفطنة والبديهة وهي كلّها خصال تذكّر بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ولعلّ ذلك ما ساعدها على كسب تعاطف الأجيال التي عاصرت هذا القائد في الوقت الذي يتعرّض فيه الفقيد الى حملة تشويه من طرف الإسلاميين والمتحالفين معهم ممّن يشكّكون في صدق الرجل ونزاهته ويسعون الى طمس تاريخه وإنجازاته.
2- السبب غير المؤكد:
قد تكون عمليات سبر الآراء من أهم المؤشرات التي تبرز هذا الإكتساح الساحق للميدان من طرف هذه السيدة “الحديدية” على عكس النتائج التي تسعى بعض الشركات والجهات المغرضة الى ترويجها وهي جهات تفتقر الى النزاهة والحياد.
ولعل الأهم من كل ذلك تلك العمليات الخاصّة بسبر الآراء التي تجريها في الخفاء بعض القنصليات النافذة والتي تؤكد تقدم الحزب الدستوري الحر على غيره من الأحزاب وهو ما قد يفسّر الإهتمام الملفت للأنظار الذي أصبحت تبديه هذه القنصليات إلى رئيسة الحزب الدستوري الحر.
وبما أن العلاقات الدولية تقوم بالأساس على تحقيق المصالح الذاتية للدّول، فإن بعض القنصليات الأجنبية في بلادنا تفطنت إلى أن الحزب الدستوري الحرّ قد يحقّق المفاجئة في الإنتخابات المقبلة وهو ما جعلها تبادر بربط الصلة مع رئيسته إمّا عبر اللقاء على غرار ما تمّ مع سفير فرنسا أو عبر التنويه والتلميح كما هو الشأن بالنسبة لممثل الإتحاد الأوروبي بتونس.
ما من شكّ في ان مثل هذا الإختراق الذي حققته السيدة عبير موسي على الصّعيدين الداخلي والخارجي من شأنه أن يزعج منافسيها ويحفّزهم على التحالف من أجل محاصرتها والحدّ من إشعاعها وهو ما قد يدفعها بدورها الى أخذ الحيطة والحذر حتّى لا تسقط في شراك أعدائها.
3- هل ان عبير موسي تمثّل ظاهرة عابرة؟
إستنادا على ما تمّ ذكره فإنه يمكن القول أن السيدة عبير موسي لا تمثّل ظاهرة عابرة بل هي حقيقة ما فتئت تتجسّم على الميدان من طرف هذه المرأة التي إتخذت من الإتصال المباشر بالجماهير (على غرار ملهمها الزعيم بورقيبة) سياسة ومنهجا للتعريف بحزبها وبأفكارها.
ما من شكّ أن طريق هذه المرأة ليس مفروشا بالورود وأن الحملة التي تتعرض إليها من طرف خصومها السياسيين سوف تشتدّ مع إقتراب الإنتخابات وأن المعركة معهم سوف تكون جدّ شرسة غير ان حظوظها في تحقيق الفوز تبقى حقيقية ووافرة متى تمّ تحقيق الآتي:
– الإسراع بإتمام بلورة البرنامج السياسي والإجتماعي والإقتصادي للحزب وهو برنامج بدأ يتّضح في خطوطه العريضة ويبدو ان الحزب يتعمّد التأخر في الإعلان عليه بسبب المناورة السياسية التي تفرض التريّث في الكشف عنه.
وكي يستفيد الحزب الدستوري الحرّ من الوضع المتردّي السائد في البلاد، لا بدّ له أن يوجّه برنامجه للنهوض بالطبقة الفقيرة وإعادة الإعتبار إلى الطبقة المتوسطة ويراهن على المهمّشين في شتّى مناطق الجمهورية، فالسياسة كما يقول نيلسون مانديلاّ “لا تكون قوية إلاّ بمخاطبة الضعفاء والإصغاء اليهم”.
– أن تحيط زعيمة الحزب نفسها بمستشارين قادرين على نصحها حول المسائل الأساسية الخاصة بالبلاد والنأي بها عن الخطاب الشعبوي الذي لا يخدم مصلحتها. ولا بدّ لها أيضا ان تسارع ببعث خلية إعلامية لبلورة سياستها الإعلامية بما يساعد على مزيد التعريف بحزبها وتلميع صورتها كما يستوجب أيضا الإعتماد على مكتب للإستشراف والدراسات الإستراتيجية بما يساعد على أخذ القرار وإبداء الرأي حول المسائل المتعلقة بسياسات الدولة المستقبلية.
– إبتعاد السيدة موسي قدر المستطاع عن “البلاتوات” التلفزية التي تسعى الى التغرير بها وعمل كلّ شيء من اجل إستفزازها والدفع بها الى أن تفقد التركيز في حواراتها. وهنا لا بدّ لها أن تعوّل على الكفاءات من حزبها لتمثيلها بما يساعد على تخفيف الضغط عليها.
– أن ينتبه الحزب الى كل محاولات الإختراق التي تستهدفه ويحرص على أن يحتوي نظامه الداخلي على كلّ الإجراءات التي تحدّ من هذا الإختراق وتضمن تماسك الحزب وصلابته.
خلاصة القول أن عبير موسي لا تمثل ظاهرة على عكس ما يحاول خصومها إظهاره لعامّة الناس. من الواضح أن الحزب الدستوري الحر أصبح رقما أساسيا في معادلة السياسة التونسية ونجاحه يتوقف على مدى قدرته على بلورة برنامج يلبي الحدّ الأدنى من طموحات هذا الشعب الذي عانى الكثير. كذلك يبقى هذا النجاح رهن إدراك الحزب للمخاطر التي تتربص به إذ هو تنطبق عليه مقولة الراحل علي عبد الله صالح حول ما يتعلق “برقصه مع الأفاعي”.
الرئيس اليمني مات بعضّة أفعى ولا أتمنى لعبير موسي ان تلاقي نفس المصير.
* عقيد بالبحرية متقاعد.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (3-3)
حول الإضراب العام : ما يستوجب على التونسيين لتجاوز هذه السّنة المفصليّة بسلام
شارك رأيك