الهاشمي الحامدي، كما عودنا دوما، لا يتحرك إلا وفي جرابه مجموعة من الأهداف يسعى إلى تحقيقها، ولا تسألوه عن الطريقة التي إتبعها، فتلك مسألة لا تعنيه، إذ كل الطرق بالنسبة إليه، حتى تلك التي تثير الإستهزاء والإستخفاف، صالحة لبلوغ الغاية التي يصبو إليها!
بقلم مصطفي عطية *
يتواصل الكرنفال السياسي في بلادنا وتتعدد فيه الفصول المثيرة للإستهزاء والشفقة في ذات الآن، وكلما توهمنا أن الرشد قد عاد لبعض الذين تميزوا بحضورهم اللافت في هذا الكرنفال الفضائحي، إلا وفاجؤونا بعودة أكثر “كرنافالية” من ذي قبل، غير عابئين بردود فعل الناس الهازئة بما يفعلون، وكأنهم يعيشون في واد من الأوهام والكوابيس خاص بهم.
مسلسل مهازل الهاشمي الحامدي لا تنتهي
عاد الهاشمي الحامدي إلى فصول من “الوان مان شو” الهزلي، مستغلا غضب الناس على جريمة موت الأطفال الرضع في مستشفى الرابطة، وهو المتعود على إستغلال كل الوقائع حتى الدرامية منها ليؤكد حضوره على ساحة دأبت على رفضه والإستهزاء به، فبعد أن أعلن، للمرة الألف، أنه إعتزل السياسة إحتجاجا على “شعب لا يستحق عبقريته” !!! وطالب ب”سحب الثقة من رئيس الجمهورية على خلفية دعوته لإقرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة” لأن المفهوم ضمنيا من هذه الدعوة، حسب رأيه، هو أن “شرع الله ورسوله لم يعدل في الأمر” !
كما جدد دعوته إلى إباحة تعدد الزوجات بٱعتبار المنع المعمول به قانونيا “مجلبة لغضب الرب سبحانه”، وها هو يعد لحلقة أخرى من حلقات المسلسل الهزلي الذي عود الناس به بإعلانه عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية القادمة لتطبيق الشريعة وإعادة العمل بأحكام الله حسب قوله!
هذه الحلقة من مسلسل مهازله لن تكون الأخيرة مادام الرجل مصرا على التجذيف في مستنقع الإنتهازية، ويتذكر التونسيون بعض الحلقات السابقة من هذا المسلسل الذي طال أكثر من اللزوم وخاصة تلك التي تضمنت عودته من لندن لتنظيم وقفة إحتجاجية أمام المسرح البلدي بالعاصمة، تنديدا بمواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شارك فيها نفر من الفضوليين الهازئين وبعض متسكعي شارع الحبيب بورقيبة!
بين الشعبوية الإسلاماوية و الهزل السياسي الممجوج
وكان الهاشمي الحامدي قد إعتبر نفسه، قبل ذلك بأسابيع قليلة، شبيها لدونالد ترومب في شعبويته! ثم ندد به في سابقة هي الثانية من نوعها في مجال “الهزل السياسي” في بلادنا، إذ حدثت الأولى إبان غزو العراق، عندما تفاجأ أحد وزراء حكومة بن علي خلال زيارة تفقدية إلى أحد أرياف وسط البلاد، بعمدة المكان وهو يستقبله بلافتة كتب عليها : “شعبة قرية كذا تندد بالغزو الأمريكي وتتوعد جورج بوش الإبن برد مزلزل”! إلتفت الوزير إلى مرافقيه وهمس : “يبدو أن بوش الإبن يرتعد خوفا”!
هذه الجملة رددها بعض المارة في شارع الحبيب بورقيبة وهم يشاهدون الهاشمي الحامدي ويستمعون إليه وهو يصيح متوعدا ترامب، وسط ذاك النفر الهزيل من الفضوليين الساخرين.
وهكذا يعيد التاريخ نفسه ولكن ليس بدراميته هذه المرة وإنما بكوميديته ! كما ندد الحامدي في العديد من المناسبات بما وصفه ب:”إقصائه” من المشهد الإعلامي وٱعتصم أمام مقر مؤسسة التلفزة الوطنية! ونظم وقفة إحتجاجية، لاتخلو من الفلكلورية أيضا، رفضا لعودة النصب التذكاري للزعيم الحبيب بورقيبة إلى مكانه الأصلي، وقدم نفسه مرشحا لرئاسة جمعية النادي الإفريقي، وغيرها من ” الطلعات” التي يحتفظ بها سجل “الهزل السياسي” في تونس.
يرى البعض وخاصة من ” الديمقراطيين جدا… جدا” أنه من حق الهاشمي الحامدي، وهو رئيس تيار “المحبة” وأحد أفراد تلك القائمة التي حطمت الرقم القياسي العالمي في عدد المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية، أن يتظاهر كما يشاء وضد من يشاء، ونحن لا نعارض ذلك بل نعتبره حقا من تلك الحقوق العديدة التي جاءت بها نسائم الحرية والديمقراطية، لكن من حقنا، ومن واجبنا أيضا، وضع مثل هذه “التحركات ” في إطارها الطبيعي ووصفها بدقة وإبراز خلفياتها وحيثياتها ومقاصدها وأهدافها حتى لا يتهمنا الهاشمي الحامدي بالتعتيم على أنشطته كما اتهم القنوات التلفزية من قبل.
ويبقى السؤال مطروحا : لماذا يتكبد الهاشمي الحامدي العناء في كل مرة و يأتي من لندن إلى تونس، تاركا زوجته وأبناءه وقناته التلفزية التي يديرها ويؤثث برامجها بمفرده، قصد تنظيم وقفات إحتجاجية بذاك النفر الذي وصفنا تركيبته آنفا؟ ألم تكن لندن كافية لٱحتضان إحتجاجه بأكثر ضمانات الترويج الإعلامي الذي يبحث عنه؟
الحامدي ليس غبيا أحمق بالشكل الذي يتصوره البعض
قد يجيبنا من تبقى من أنصاره أنه يريد ممارسة حقه، الذي يكفله له الدستور كمواطن تونسي! لكن الذين يعرفون الهاشمي الحامدي ومرجعياته وعلاقاته والتيارات التي يحتمي بها والجهات التي تدعمه لهم أجوبة أخرى وأغلبها غير بريء، لأن الهاشمي الحامدي ، ومهما كان حجم المادة الفلكلورية في تحركاته و”طلعاته” ليس غبيا أحمق بالشكل الذي يتصوره البعض وإنما هو حريص على توظيف كل الوسائل، حتى الرديئة والمثيرة للإستخفاف والإستهزاء، لتنفيذ أجنداته !
هو يحتج على الباجي قائد السبسي الذي طالب بالنظر في مسألة تحقيق المساواة في الإرث، وعلى قرار ترامب منع دخول مواطني بعض البلدان الإسلامية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها بالخصوص السودان ذاك البلد الذي يكن له الهاشمي الحامدي محبة كبرى وعشقا أسطوريا وله مع العديد من مسؤوليه علاقات وثيقة، وضد عودة النصب التذكاري للزعيم الحبيب بورقيبة محرر المرأة وواضع قانون منع تعدد الزوجات الذي يطالب الحامدي بالرجوع عنه، وضد مؤسسة التلفزة التي يريدها أن تروج لمسرحياته، لذلك فإنه لا يحرث في البحر ولا ينفخ في قربة مقطوعة، ولم يهدر جهده ووقته عبثا وإنما كان يؤدي مهمة ويلعب دورا ويبعث برسائل مشفرة وأخرى واضحة ومكشوفة.
ذلك هو الهاشمي الحامدي، كما عودنا دوما، لا يتحرك إلا وفي جرابه مجموعة من الأهداف يسعى إلى تحقيقها، ولا تسألوه عن الطريقة التي إتبعها، فتلك مسألة لا تعنيه، إذ كل الطرق بالنسبة إليه، حتى تلك التي تثير الإستهزاء والإستخفاف، صالحة لبلوغ الغاية التي يصبو إليها!!
* صحفي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : صراع الأجنحة في الجبهة الشعبية، من سيطيح بالآخر، المنجي الرحوي أم حمة الهمامي؟
للتأمل فقط : مسيرة أحمد نجيب الشابي وأوحال اللهاث المحموم وراء سراب السلطة !
شارك رأيك