الواجب الوطني يحتم على جميع التونسيين تجاوز الخلافات وتجسير الهوة للخروج من المأزق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وكفى سياسيي هذا الزمن الرديء “تحرشا” بالشعب !
بقلم مصطفى عطية *
تسارعت الأحداث، خلال الأيام الأخيرة، على إيقاع المزايدات والصراعات وتبادل التهم وتفاقم خطير للأزمات الإقتصادية والإجتماعية بالخصوص، وأخطاء فادحة لوزراء تعاقدوا مع الإرتباك والإرتجال والتصريحات الغرائبية فبدا وكأن الساحة قد سقطت في السريالية واللامعقول وخرجت عن الضوابط والإلتزامات وأضاعت البوصلة تماما.
الإنحدار الأخلاقي لطبقة سياسية مفلسة
لقد تجلى ذلك بالخصوص في مجلس نواب الشعب الذي أصبح مصدر تعجب وٱستغراب المواطنين لدخول أغلب أعضائه متاهة الحسابات الضيقة التي لا تخضع لأي منطق، في سابقة تنتهك قيم الديمقراطية وتؤكد الإنحدار الأخلاقي لطبقة سياسية مفلسة !!!
يقول الزعيم البريطاني وانستون تشرشل :”إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم فٱنظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه، وبعدها سوف تعرف أي الشعوب تستحق رمي الورود عليه وأيها تستحق الضرب بالأحذية !!!”
تذكرت هذه القولة البليغة والمعبرة وأنا أعاين، مشدوها ككل التونسيين، الغياب شبه الكامل لأعضاء مجلس نواب الشعب عند طرح المسائل المصيرية التي تهم البلاد والشعب وآخرها جريمة “قتل” ( إيه نعم “قتل” ) العديد من الأطفال الرضع في أحد مستشفيات العاصمة وتسليمهم لأهاليهم في صناديق كرتونية مهينة للأموات وعائلاتهم ولقداسة الموت والقيم الأخلاقية والإجتماعية والإنسانية.
غاب نواب الشعب عن مسألة من صميم مشاغل الشعب، فعن أي تمثيلية شعبية يتحدثون؟ أليسوا في قطيعة مع الشعب، وهي قطيعة تجردهم من شرعية مهزوزة إكتسبوها عبر نظام إنتخابي أعرج ومخادع ؟!
الأحزاب غارقة في مستنقعات صراعات النفوذ والزعامات
لا أحد يعرف إلى أين نسير ! كل شيء غامض في بلاد فقدت بوصلتها وأضاعت، تبعا لذلك، طريقها فحل التجذيف بالرؤية محل التخطيط والإستشراف! في هذا المستنقع الملوث بالإستهتار والضحك على ذقون المواطنين والإنتهازية الوضيعة تعمل بعض القوى المؤثرة في الساحة إلى الدفع نحو تأزيم الأوضاع وتعميق مظاهر الحقد والكراهية والتشفي والثأر بين أبناء الوطن الواحد.
إن إبقاء الحال في تونس على ما هو عليه من هشاشة وٱرتباك وتجذيف بالرؤية هو محاولة يائسة لتأجيل الأزمة وربح بعض الوقت في انتظار مرور العاصفة التي لا يعرف أحد كم ستدوم! وهو سلوك يفتقر للمنطق والموضوعية والواقعية ويدفع بالبلاد نحو المجهول.
من المؤسف أن الأحزاب السياسية، سواء الموالية للسلطة الحاكمة أوالمعارضة لها، غارقة في مستنقعات صراعات النفوذ والزعامات وغير عابئة بما يحدث في البلاد وخارجها بل هي في الحقيقة غير واعية بها وبمخاطرها.
إعتقد التونسيون، في لحظة أمل وتفاؤل عابرة، أن الفرص أصبحت سانحة لحل العديد من القضايا الهامة والأساسية ومنها بالخصوص ترميم هيبة الدولة واسترجاعها لنفوذها المعنوي والتنفيذي وإقرار مصالحة وطنية شاملة وإنهاء حالات الإقصاء والتهميش وإعادة الكفاءات الوطنية إلى مواقعها الطبيعية، ووضع حد نهائي لكل مظاهر الفوضى والتسيب والإنفلات لكن هذا التفاؤل تلاشى مع تفاقم الأزمات وتسارع إيقاع الفوضى والإنفلات.
لا خيار اليوم إلا تجنب إضاعة آخر فرص الإنقاذ المتاحة
يدرك الجميع أن الحلول لن تستقيم ولن تكون مجدية إلا إذا ما استندت للقوانين وأحكام الدستور وهو السبيل الوحيد لدعم الإستقرار وإجراء إصلاحات جوهرية، وٱتخاذ قرارات شجاعة، وبالتالي طمأنة شركائنا الإقتصاديين والمستثمرين التونسيين والأجانب وتحفيز وكالات الأسفار على جذب السياح، لكن لا شيء من كل هذا تحقق أو ظهرت مؤشرات عن إمكانية تحقيقه مما عمق الشعور بالإحباط لدى المواطنين فعاد بعضهم إلى أساليب الإحتجاج والتظاهر وقطع الطرقات وتعطيل العمل والتخريب والإعتداء على الأملاك العامة والخاصة .
لا خيار أمام التونسيين اليوم إلا تجنب إضاعة آخر فرص الإنقاذ المتاحة، فالفشل يعني إنهيار المسار الديمقراطي بأكمله والعودة إلى مربع الفوضى والإنفلات وغياب سلطة ونفوذ الدولة.
قد تكون الإختلافات عميقة جدا، والهوة بين الأحزاب والتيارات السياسية والمنظمات الإجتماعية واسعة، ولكن الواجب الوطني يحتم على الجميع تجاوز هذه الخلافات وتجسير الهوة للخروج من المأزق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وكفى سياسيي هذا الزمن الرديء “تحرشا” بالشعب !
* صحفي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : صراع الأجنحة في الجبهة الشعبية، من سيطيح بالآخر، المنجي الرحوي أم حمة الهمامي؟
للتأمل فقط : مسيرة أحمد نجيب الشابي وأوحال اللهاث المحموم وراء سراب السلطة !
شارك رأيك