لقد قيل الكثير عن علاقة الإخوان المسلمين عموما وحركة النهضة التونسية على وجه الخصوص بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية في تامنطقة العربية الإسلامية لكن ما خفي من هذه العلاقات أعظم.
بقلم أحمد الحباسي
لاشك ولا ريب في علاقة الإسلام السياسي بمراكز صنع القرار و مراكز البحث داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولاشك ولا ريب أن الإخوان المسلمين بمن فيهم حركة النهضة بزعامة الشيخ راشد الغنوشى كانت ولا تزال لديهم علاقات دائمة وروابط مفيدة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
هذا على الأقل ما رشح من عدة تقارير ومنابر إعلامية تناولت هذه العلاقة بالبحث وما أكدته وثائق ويكيليكس الشهيرة في عدة برقيات متعاقبة.
العلاقات القديمة والمتجددة بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة
هذه العلاقة المستمرة المشبوهة هي التي أثمرت عدة إتفاقات بين الطرفين تقول سطورها المسربة للإعلام بقبول الإخوان في تونس عدم التعرض في سياستهم للعلاقة الصهيونية الأمريكية وبوضع إسرائيل كشريك وليس كعدو واعتبار التعرض إليها خطا أحمر.
هذا في الإتفاق و لكن من شروط الإدارة الأمريكية أيضا أن لا يتعرض الإخوان للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية وأن يقبلوا بعدم المس من القيادات الحاكمة السابقة والإكتفاء بمحاكمات صورية من باب ترضية الرأي العام.
هذه هي في المجمل بعض حقائق العلاقات بين الإخوان المسلمين الذين يمثلون في الأغلبية ما يسمى بالإسلام السياسي والإدارة الأمريكية .
نحن نعلم أن أحداث 11 سبتمبر 2001 لم تكن حادثا عرضيا بل هي نتاج لحالة من الغضب إنتابت الجماعات التكفيرية التي ساهمت في خدمة الأجندة الأمريكية إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان والتي تم الإستعانة بها من طرف المخابرات الأمريكية لمواجهة ما سمي بالتمدد الشيوعي في تلك المنطقة.
يجب هنا أن نبحث عن ورقة الإتفاق (الموقعة أو غير الموقعة) بين هذه الجماعات وبين المخابرات الأمريكية بقيادة إدغار هوفر لمعرفة ماهية هذا الإتفاق السري وما هو الوعد المقطوع من الإدارة الأمريكية مقابل قيام هذه الجماعات بضرب المصالح السوفييتية و الإنخراط في هذه الحرب الدموية لطرد السوفييت من تلك المنطقة ولماذا رفضت هذه الإدارة تنفيذ هذا الوعد لأنه ليس مقبولا فكريا أن تجند الجماعات التكفيرية نفسها بهذا العدد والعدة و تقبل بالإنخراط في تنفيذ مشروع بهذا الحجم دون مقابل مهم، خاصة و أن هذه الجماعات كانت تطرح نفسها عدوا للإمبريالية بنفس درجة عداوتها للشيوعية.
لذلك نقول أن أحداث 11 سبتمبر قد أتت في سياق معين وأن الإدارة الأمريكية قد حصدت ما زرعت بل أن هناك من فى هذه الإدارة من تنبأ بهذه الأحداث وبني عليها السيناريو العراقي وما سمى بخطة المحافظين الجدد وبمشروع الفوضى الخلاقة .
إنخراط الإسلاميين في عملية التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل
في مؤتمرها العاشر خرجت النهضة بإعلان مشبوه يؤكد إنسلاخها من الطور الدعوي إلى الطور المدني، إعلان نوايا لم يصدقه أحد من العارفين بفكر الشيخ وأدبياته، خاصة وأن مبايعته لمرشد الإخوان والقبول بواجب السمع والطاعة والإنخراط في إستهداف مفهوم الدولة لإنشاء دولة الخلافة وضرب المؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية ( وهي “غير مضمونة” حسب تعبيره) والمشاركة الفاعلة في تنفيذ المشروع الصهيوني المعلن المتمثل في تفتيت الدول العربية و إسقاط الأنظمة الممانعة مثل سوريا والإنخراط في حملة شيطنة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إضافة إلى مباركة التطبيع مع إسرائيل والضغط على حماس للقبول بهدنة مع هذا الكيان كما بينه الإتفاق الذي رعاه الرئيس المصري السابق محمد مرسى في تلك الفترة تجعله أسيرا مدى الحياة لفكر الإخوان وأداة طيعة لتنفيذ كل هذه المشاريع الهدامة والسهر على تنفيذها.
من هذه المشاريع إعتزام دول المؤامرة على سوريا إرجاع العناصر الإرهابية إلى بلد المنشأ وهنا لم يكن بإمكان الرجل المتحايل أن يبقى متفرجا على مصير ”أبنائه” الإرهابيين القتلة خاصة بعد خروج المظاهرات العارمة والتصريحات الغاضبة المطالبة بإعدامهم و عدم القبول برجوعهم أصلا.
هنا ظهرت المافيوزية الإيديولوجية الفطرية و انحاز الرجل إلى ”تاريخه” الدموي على حساب مسألة تهم الأمن القومي التونسي في تصرف أثار كثيرا من التعاليق وأسال كثيرا من الحبر.
فلسطين ليست قضية الغنوشى والإسلاميين ولا من أولوياتهم
تاريخ أمريكا تاريخ من القتل والدم والمغامرات العسكرية الفاشلة، لكن أمريكا العنصرية الإستعمارية لا يمكنها أن تعيش في سلام مع نفسها ومع بقية دول العالم، ولذلك تجد الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسلك نهجا عدوانيا مدمرا للشعوب والدول الأخرى، ولو أحصينا أعداد القتلى والجرحى وحجم الدمار الذي خلفته الحروب الأمريكية في عدة دول لاحتجنا إلى أطنان من الورق والحبر لتدوين جرائم الحرب الأمريكية وجرائم أمريكا ضد الإنسانية.
بالمقابل نجد أن شهية الدم والقتل و الإرهاب لا تختلف كثيرا عند الإخوان المسلمين بمن فيهم حركة النهضة التونسية فمرشد الإخوان راشد الغنوشى صديق حميم و مبجل للوبي الصهيوني العالمي ولمنظمة الأيباك الصهيونية الشهيرة، وفي مقراتها خاطب الغنوشى العالم المتصهين ليقول بمنتهى الوضوح أن فلسطين ليست قضية الإخوان و ليست أولوية من أولوياتهم. ولعل رسالة محمد مرسى إلى شمعون بيريز و التي بدأها بعبارته الشهيرة ”عزيزي شمعون بيريز” تغنى عن كل تعليق.
لذلك قررت الإدارة الأمريكية إعطاء الإخوان الفرصة في الحكم خاصة في ظل تعهداتهم بعدم المس بالمصالح الأمريكية وبالتعاطي الايجابي مع المسالة الصهيونية.
وفي مجال آخر شارك الإخوان في سوريا في ذبيحة الدم السورية وتداعوا من كل حدب و صوب لإعطاء الإدارة الأمريكية الذريعة المناسبة والمنتظرة لضرب الشعب السوري وإسقاط نظام الممانعة و المقاومة.
من المفارقات أن يبيع الرئيس دونالد ترامب ما لا يملك بإعلانه القدس عاصمة لدولة الإستعمار الصهيونية، ومن المفارقات أن آل سعود قد سبقوه إلى بيع فلسطين بكاملها إلى الصهاينة منذ عقود من الزمن، ومن المفارقات أن الإخوان قد بدؤوا تحالفهم مع الانكليز والأمريكان في عهد حسن الهضيبى بإعلان تخليهم عن فلسطين ومناشدتهم للبريطانيين والأمريكان في المساعدة على إغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن المفارقات أن إخوان تونس من حركة النهضة هم من تولوا (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) أمر تسليح وتدريب و”تعليم” الإرهاب للجماعات التكفيرية التي تم إرسالها إلى الشام لضرب ركن من مثلث المقاومة، ومن المفارقات أن النظام السعودي الذي يظهر العداء للإخوان قد قبل هذه المرة بتحالف المصلحة باعتباره الأداة القادرة حسب ظنه للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد…
لقد قيل الكثير عن علاقة الإخوان بالمخابرات الأمريكية وبالموساد الصهيوني ولعل تصريحات ممثلي المؤامرة الإرهابية في سوريا و افتضاح علاقتهم بإسرائيل قد كشف للمتابعين حجم المؤامرة الكونية القذرة التي تعرض لها النظام السوري وخرج منها بسلام.
ربما يتحدث البعض اليوم عن إنكشاف المؤامرة في كل خطوطها البشعة لكن ما يغفله البعض أن الإنتصار على هذه المؤامرة قد كلف دم القلب بالنسبة لكثير من الدول العربية وعلى رأسها سوريا.
* محلل سياسي.
شارك رأيك