هذه الحلقة الأولى من سلسلة مقالات في التاريخ السياسي المعاصر في تونس وتروي أسرار ما حدث في كواليس القصر الرئاسي إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي بالأسماء والتواريخ والمستندات الثابتة المستقاة من الفاعلين المباشرين.
بقلم مصطفى عطية *
قررت وزارة النقل والسياحة، مع مطلع سنة 1988، وٱستجابة لطلب ملح من شركة تونس الجوية تدعيم أسطول هذه الأخيرة بطائرتين بوينغ ومثلهما آر بوس، فٱشتد التنافس بين شخصين، أحدهما صهر حديث العهد للرئيس والآخر رجل أعمال من خاصة حاشيته المقربة، قصد الفوز بدور الوسيط في الصفقة والحصول على مناب العشر بالمائة من قيمتها.
كانت البلاد تعيش في تلك الفترة على إيقاع “التغيير” وبيانه التاريخي المحمل بوعود الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والشفافية ونظافة اليد.
رجلان نافذان يتصارعان على تولي التفاوض مع شركة مزودة
عندما علم وزير النقل والسياحة عبد الرزاق الكافي بصراع الرجلين في الكواليس وبين أروقة ومكاتب قصر قرطاج سارع بدعوة الرئيس المدير العام لتونس الجوية المرحوم فوزي بالكاهية، وكان من منظوريه، إلى جلسة خاصة في مكتبه إتفق أثناءها على سحب البساط من تحت أقدام الرجلين النافذين المتصارعين وتولي الشركة التفاوض مع الجهة المزودة مباشرة وتأمين إستفادة الشركة من نسبة العشرة بالمائة المعدة للوسيط وتخصيصها لشراء قطع غيار لطائرات أسطول تونس الجوية.
أعد عبد الرزاق الكافي بمعية المرحوم فوزي بالكاهية مذكرة في الغرض ورفعاها إلى الوزارة الأولى التي أقرتها وأمرت بتنفيذها.
بعد مدة ليست بالطويلة علم الرئيس زين العابدين بن علي بما حدث فٱتصل بالوزير عبد الرزاق الكافي لائما إياه على عدم إعلامه بحيثيات ما حصل فما كان من هذا الأخير إلا أن أجابه بالقول : “سيدي الرئيس لقد بشرتم في بيان السابع من نوفمبر بدولة القانون والمؤسسات فبادرنا بتجسيم ذلك على أرض الواقع”، رد الرئيس بما يفيد موافقته على هذا التبرير، لكن الصهر ورجل الأعمال “المغدورين” لم يغفرا لعبد الرزاق الكافي حرمانهما من عائدات الوساطة فعملا على الإيقاع به بشتى الطرق والأساليب حتى أوحيا للرئيس بضرورة توخي الحذر منه.
خيوط المؤامرة لم تنقطع بل تشعبت
في الثاني عشر من أفريل 1988، قرر بن علي إجراء تحوير وزاري وهاتف عبد الرزاق الكافي قبل الإعلان الرسمي عن التحوير، وقال له: ” مش ياسر عليك زوز وزارت (النقل والسياحة) سي عبد الرزاق، آش قولك نخليلك السياحة ونعطيو النقل لسي عبد الرحيم الزواري”، أجابه عبد الرزاق الكافي وقد تفطن للمؤامرة التي حاكتها الحاشية ضده : “سيدي الرئيس إما تخليني في الزوز وزارات وإلا تنحيني منهم الزوز .”
فعلا تراجع بن علي عن قراره وبقي عبد الرزاق الكافي على رأس الوزارتين، لكن خيوط المؤامرة لم تنقطع بل تعددت وتشعبت حتى إقترب موعد مؤتمر الإنقاذ المحدد للتاسع والعشرين من شهر جويلية 1988 فقرر بن علي إجراء تحوير وزاري جديد قبل ثلاثة أيام من موعد المؤتمر وتحديدا في السادس والعشرين من شهر جويلية وطلب من عبد الرزاق الكافي أن يبقى في منصبه إلى مابعد المؤتمر ليتم تعيينه بعد ذلك سفيرا. رفض هذا الأخير المقترح قائلا للرئيس : “لا أريد أن أدخل المؤتمر وأشارك فيه وأنا في منصب وزير مؤجلة إقالته، فإن لم يشملني التحوير فسوف أستقيل وأكشف أسرار إستقالتي !!!”.
يبدو أن بن علي قرأ ألف حساب لغضب عبد الرزاق الكافي وٱستجاب لطلبه وتم التحوير الوزاري في السادس والعشرين من شهر جويلية وأنفصلت وزارة النقل عن وزارة السياحة ليعين أحمد السماوي على رأس الأولى ومحمد جغام على رأس الثانية، ومن يومها لم يعد عبد الرزاق الكافي إلى الحكومة وبقي موقفه الوطني محفورا في الصفحات الناصعة لتاريخنا السياسي المعاصر.
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
للحقيقة والتاريخ : خفايا وأسرار ما قاله حمادي بوصبيع ليوسف الشاهد حول النادي الإفريقي!
للتأمل فقط : لم يبق أمام الشعب إلا أن يرشق بأحذيته “النواب” الذين أمعنوا في “التحرش” به !
للتأمل فقط : صراع الأجنحة في الجبهة الشعبية، من سيطيح بالآخر، المنجي الرحوي أم حمة الهمامي؟
شارك رأيك