رئيس الحكومة في سوق الجملة ببئر القصعة في نوفمبر 2017: لا جديد تحت الشمس والإحتكار متواصل.
تعيش تونس منذ قرابة الأسبوعين على عودة الإرتفاع الصاروخي لأسعار الخضر والغلال على مستوى الجملة والتفصيل حيث شمل أغلبية المنتوجات الفلاحية المعروضة وهو ما أثار إستياء المواطن التونسي حول الأسباب الحقيقية التي تسببت في هذا الإرتفاع المفاجئ.
بقلم فيروز الشاذلي
تجدر الإشارة أنها ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها أسعار الخضر والغلال بصورة فجئية وبدون سابق إنذار وفي مدة قياسية ووجيزة تصل الأسعار إلى مستويات مرتفعة مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن المهترئة وراء غلاء المعيشة على كافة المستويات حتى أنه أصبح غير قادر على توفير الأساسيات الضرورية لقفة المستهلك.
ففي ظرف أسبوع واحد إرتفعت أسعار البطاطا بقرابة 35% حيث كانت أسعارها المتداولة بين 900 و 1000 مليم للكيلوغرام الواحد فأصبحت خلال هذا الأسبوع بين 1500 و 1600 مليم بينما الطماطم تضاعف سعرها بنسبة 100% ليصل إلى حدود 1800 مليم بعد أن كان في حدود 900 مليم بينما الفلفل واصل في صعوده إلى حدود 2800 مليم وهو نفس حال البصل الذي إرتفع كذلك سعره بحدود الثلث ليصل إلى 1000 مليم وهو نفس حال الفول الأخضر والسفنارية واللفت التي تجاوزت زيادة أسعارها عتبة 30% في ظرف أسبوع أما القنارية فقد حطمت الرقم القياسي بإرتفاع قدره 120% لتصل إلى 3500 مليم للكلغ الواحد.
هذا الإرتفاع الجنوني في الأسعار شمل كذلك الغلال بأنواعها التي أصبحت بالنسبة للتونسي من الفئة المتوسطة من الكماليات فبالرغم من إرتفاعها في الفترة السابقة إلا أنها زادت بنسبة الثلث كالدقلة والموز بإستثناء التفاح والقوارص التي سجلت إنخفاضا في الأسعار بحكم إرتفاع العرض نتيجة وفرة الإنتاج هذه السنة مقابل الصعوبات في ترويجه بالخارج من قبل المصدرين مما ساهم في إنخفاض أسعاره على المستوى المحلي حيث إنخفض سعر البرتقال بأنواعه بحوالي 40% مقابل أسعار السنة الفارطة وكذلك التفاح الذي سجلت أسعاره إنخفاضا بقرابة 50% مقارنة بالسنة الفارطة.
نقص واضح في التزويد
هذا الإرتفاع الواضح والكبير في أسعار الخضر والغلال يرجع بالأساس إلى نقص في تزويد مسالك التوزيع الرسمية خاصة بسوق الجملة ببئر القصعة التي تعتبر ذات مرجعية وطنية حيث سجلت مادة البطاطا نقصا كبيرا بها فالمعروض إنخفض بقرابة الثلث مما ساهم في الترفيع في أسعار هذه المادة على مستوى الجملة وهي تعتبر ضرورية لا غنى عنها في الإستهلاك التونسي التقليدي كما إنسحب هذا النقص على مختلف الأنواع الأخرى من الخضر كالطماطم ،الفلفل، الجلبانة والبصل الذي أصبح عملة نادرة الوجود.
الإحتكار هو السبب الرئيسي وأصحاب المخازن في قفص الإتهام
إنخفاض التزويد في أسواق الخضر و الغلال عادة ما يقع في الفجوات الفصلية بين مواسم الإنتاج كحال مادة البطاطا فقد إنقضى موسمها الشتوي و إنتاج الموسم الجديد ما زال عليه ثلاثة أسابيع على أقل تقدير.
في فترات هذه الفجوة بين الإنتاج و الإستهلاك من المفروض أن تكون المخازن المعدة لتبريد وتخزين هذه المواد والمملوكة من قبل الخواص أن تعمل كمعدل للأسعار ولكن نجدها بالعكس في السنوات الأخيرة أصبحت مصدر إحتكار وجشع من أصحابها الذين أصبحوا يسحبون الكميات المنتجة منذ فترة ويقومون بتزويد السوق بكميات ضئيلة جدا للقيام بالمضاربة بهذه الكميات والترفيع في أسعارها وإعتماد وسائل ملتوية للتهرب من الرقابة كإنشاء مخازن عشوائية غير معلومة لتخزين الكميات التي يتم فيما بعد ترويجها عادة بمسالك التوزيع الموازية أو مباشرة نحو محلات الخضر والغلال والمطاعم بأسعار مرتفعة جدا مستغلين الظرف.
فبالنسبة لمادة البطاطا يمكن القول أن الأسعار مرتفعة نتيجة الفجوة بين الفصول وعدم توفر مخزون إستراتيجي تعديلي ولكن فيما يخص مادة البصل فمن المفروض أنها متوفرة بالأسواق خاصة أنه تم إنتاجها بصفة مرضية ولكن نجد أن عرضها بأسواق الجملة قد سجل إنخفاضا بقرابة الثلث فهذا يؤكد ككل مرة ما يقوم به أصحاب المخازن المحتكرين من تخزين لهذه المادة بغاية المضاربة.
يبقي الردع هو الحل
هذه الأساليب الإحتكارية لا يوجد حل لها سوى الردع وتكثيف المراقبة على هذه المخازن العشوائية التي حادت على دورها التعديلي وضخ الكميات الموجودة بها إلى الأسواق لإعادة التوازن بين العرض والطلب مما يساهم في التنفيس من النسق التصاعدي للأسعار وهذا بطبيعة الحال عن طريق مزيد دعم جهاز المراقبة الإقتصادية والذود عنه من الإعتداءات التي يتعرض لها أعوانه التابعون لوزارة التجارة بالإسراع في إصدار النظام الأساسي الخاص بهم لحمايتهم.
شارك رأيك