الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات من طرف الحكومة التونسية قررت بعد القفزة في الأسعار العالمية للنفط واقترابها من عتبة 70 دولار للبرميل الواحد ومن المنتظر أن ترتفع هذه الأسعار أكثر إلى نهاية سنة 2019 مع إنخفاض المعروض و إشتداد الأزمات الجيوسياسية مثل الأزمة في فنزويلا.
بقلم فوزي عبيدي
كان إقدام الحكومة على الترفيع في أسعار المحروقات ليلة أمس، السبت 31 مارس 2019، بالأمر غير المستبعد خاصة مع عودة النسق التصاعدي لأسعار النفط العالمية على خلفية تخفيضات الإمدادات الجارية بقيادة ما يعرف بــ “أوبك +” وهي تضم بلدان داخل أوبك إضافة لروسيا والتي تعمل على ترسيخ الإتفاق القاضي منذ العام الماضي بضرورة تخفيض معروض النفط للترفيع من الأسعار العالمية للنفط، فقد تعهدوا بخفض الإمدادات بمقدار نحو 1.2 مليون برميل يوميا سنة 2019 لدعم الأسواق.
كذلك تدعمت هذه القفزة في الأسعار بالرغم من الركود الذي يمر به الإقتصاد العالمي نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وفنزويلا، مما شكل ضغطا على الأسواق العالمية ووضع أسواق خام النفط على مسار تسجيل أكبر زيادة فصلية منذ 2009 بواقع 40%، حيث إقتربت الأسعار العالمية للنفط من عتبة 70 دولار للبرميل الواحد ومن المنتظر أن ترتفع الأسعار أكثر إلى نهاية سنة 2019 مع إنخفاض المعروض و إشتداد الأزمات الجيوسياسية مثل الأزمة في فنزويلا.
إنعكاسات هذا الإرتفاع على الإقتصاد التونسي
هذا الإرتفاع في الأسعار العالمية كان إنعكاسه واضح على الداخل التونسي حكومة وشعبا فبالنسبة للحكومة كان الإرتفاع في الأسعار العالمية مضاعفا بحكم إنخفاض قيمة الدينار وإرتفاع الإستهلاك الوطني من المحروقات بصفة كبيرة حيث تطور حجم دعم المحروقات من القيمة الإجمالية للدعم من 37% سنة 2010 إلى 68% سنة 2013 مما جعل الحكومات المتعاقبة تحت وطأة ضغط صندوق النقد الدولي لإحتواء نفقات الدعم المتزايدة لقطاع الطاقة وذلك بإعتماد سياسة زيادة أسعار المحروقات حسب زيادة أسعار الأسواق العالمية وهي نفس السياسة التي فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية في خصوص هذا الموضوع.
بالنسبة للسنة المالية الحالية فالحكومة التونسية وضعت سقف 2100 مليون دينار كنفقات دعم للمحروقات على أساس 75 دولار لبرميل الواحد.
هذه السياسة جعلت المواطن تحت وطأة الزيادات المتكررة في أسعار المحروقات منذ سنة 2014 ففي سنة 2018 لوحدها وقعت ثلاثة زيادات متتالية في أسعار المحروقات كانت لها آثار مباشرة على القدرة الشرائية للمواطن فلم تقتصر على التكلفة الإضافية التي يتحملها المواطن للتنقل بسيارته الخاصة بل شملت كذلك الزيادات المترتبة على ذلك كالزيادات التي تمت في مستوى تعريفة تاكسي النقل الفردي والنقل الجماعي والنقل بين المدن.
إضافة لهذا فقد تم سنة 2018 التخفيض في دعم المحروقات بحوالي 1000 مليون دينار عن طريق الزيادة بنسبة 50% في أسعار الكهرباء و الغاز وقد كان لهذا الإجراء إنعكاس بالغ السلبية على القدرة الشرائية للمواطن بحكم تضخم فاتورة الإستهلاك العائلي للكهرباء والغاز إضافة إلى زيادة نسبة التضخم غير المسبوقة التي تم تسجيلها في كافة المواد المصنعة بحكم زيادة تكلفة الكهرباء للصناعيين مما أثار إحتجاجات عديد الصناعيين المنضوين تحت لواء إتحاد الصناعة والتجارة خاصة بالنسبة للصناعات التي تعتمد بالأساس على الطاقة مما هدد العديد من المصانع بالإفلاس.
العجز الهيكلي للطاقة
هذه المشكلة الطاقية لتونس أصبحت وطأتها أكبر بحكم سببين مهمين، الأول يتعلق بالعجز الهيكلي في الميزان التجاري للطاقة الأولية منذ سنة 2000 لكنه أخذ منعرجا خطيرا منذ سنة 2010 حيث أن تونس كانت تصدر بنسبة معقولة إنتاجها من البترول نحو الخارج لهدم الهوة مع الإستيراد ولكن تراجع الإنتاج للحقول المستغلة بشكل كبير حيث إنخفض من أكثر من 4500 برميل يوميا في أول التسعينات إلى أقل من 2000 برميل سنة 2018 وعدم وجود إستثمارات جديدة للكشف والتنقيب على البترول و الغاز أدى إلى تسجيل عجز طاقي متزايد كل سنة أما السبب الثاني فهو الإرتفاع الكبير لإستهلاك الطاقة فقد شهد معدل إستهلاك الفرد من الطاقة إرتفاع بحولي 50 بالمائة منذ التسعينات إلى حد الآن و يرجع ذلك إلى عدة عوامل منها تحسن المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية للمواطن التونسي وخاصة تطور نمط الإستهلاك نحو نمط الرفاهية من إستعمال كبير للتكييف ومختلف الآلات الكهربائية.
هذا الإختلال جعل الإقتصاد التونسي مكشوف بصفة غير مسبوقة أمام تقلبات سوق النفط العالمي حيث أن أي إرتفاع في أسعار النفط العالمية يكون له إنعكاس جد سلبي على الإقتصاد و المواطن التونسي مع الإشارة إلى أن هذا النسق التصاعدي في أسعار النفط سوف يشتد في السنوات المقبلة بحكم إرتفاع الطلب العالمي على هذه المادة خاصة من قبل البلدان الصناعية الصاعدة.
الحلول المؤملة والممكنة
بالنسبة لدولة غير بترولية مثل تونس ثمثل الطاقة هاجس غير مريح لإستقرار الإقتصاد والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن التي تعتبر من العناصر الأساسية لنقاء السلم الإجتماعي لهذا من الضروري العمل على تطبيق الحلول الكفيلة بالتخفيف من وطأة هذه المشكلة ولما لا الوصول إلى حلول جذرية على المدى البعيد ومن ضمن هذه الحلول ضرورة الإستئناف الفوري لبرنامج التحكم في الطاقة الذي حقق عديد النتائج الإيجابية سابقا و القيام بحملات التوعية اللازمة في الغرض بحكم أنها مشكلة المجموعة الوطنية وليست مشكلة الحكومة فقط وتفعيل الآليات اللازمة للحد من تبذير الطاقة كالتشجيع على إستعمال الآلات المقتصدة للطاقة.
من جانب آخر ضرورة العمل على تلافي النقص الحاصل على مستوى الإستثمار في هذا القطاع بعد أحداث 14 جانفي 2011 بحكم الأحداث الأمنية وتعطيل عمل العديد من شركات التنقيب فدفع الإستثمار في هذا القطاع يمكن من إكتشاف مواقع جديدة لإستغلالها خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي وهذا يمكن من الترفيع في الإنتاج الوطني من المحروقات لهدم الهوة الكبيرة مع الكميات المستوردة للإستهلاك الداخلي .
أما الحل الجذري و الطويل المدى هو ضرورة تأسيس نواة صلبة لصناعة الطاقات المتجددة خاصة الطاقة الشمسية التي تنمو بمعدل 50% سنويا على المستوى العالمي فما بالك بتونس التي فيها كل الخصائص الطبيعية لإزدهار صناعة هذه الطاقة.
شارك رأيك