أعتقد أنه ومن الناحية السياسية والتاريخية فإن أبرز موضوع كان على هيئة سهام بن سدرين معالجته هو إنتهاك نظام الحزب الواحد لحق أجيال من التونسيين في في إختيار من يمثلهم في إنتخابات نزيهة تسمح نتائجها من تحويل أصواتهم إلى مقاعد ومن ضمان تداول سلمي ودوري على السلطة.
بقلم سامي بن سلامة *
إن أبشع إنتهاك جماعي تعرض له التونسيون تاريخيا هو منعهم من ممارسة حقهم في إختيار من يحكمهم عن طريق تزوير نتائج الإنتخابات.. وهو تزوير لا يتعلق فقط بحشو الصناديق بل بالتلاعب بالمسار الإنتخابي برمته وتهيئة السلطة الحاكمة لجميع الظروف التي تسمح بإقصاء المنافسة وبتحقيق الحزب الحاكم أو مرشحه الرئاسي المنفرد فوزا ساحقا..
لا وجود لدليل قاطع على تزوير الإنتخابات منذ الاستقلال
ونحن ورغم الدلائل الكثيرة التي نعرفها وعايشنا بعضها عن تزوير الإنتخابات طيلة سنوات طويلة… إلا أنه ليس لدينا شيئا ثابتا ورسميا إلى حد اليوم عن وجود ذلك التزوير…
إذ أنه في الواقع أنه لا وجود لدليل قاطع على تزوير الإنتخابات منذ الاستقلال إلى الثورة…
إذ لم تعترف الدولة بالتزوير مطلقا باستثناء إعترافات المرحوم محمد مزالي الوزير الأول الأسبق في إحدى مؤلفاته وفي بعض حواراته حول تزوير إنتخابات 1981 التشريعية بأمر من المرحومة وسيلة بورقيبة وبمشاركة من إدريس قيقة وزير الداخلية الأسبق ومهذب الرويسي الوالي رئيس مجلس إقليم تونس حينها… وباستثناء إقرار الباجي قايد السبسي بذلك وإن ضمنيا في أحد حواراته بعد الثورة بدون ذكر تفاصيل..
كما أنه لا وجود لحكم قضائي يثبت وجود التزوير على حد علمي.
كان من واجب هيئة بن سدرين إيلاء هذا الموضوع أهمية قصوى لأنه لا يمكن تفكيك منظومة الإستبداد بدون تفكيك منظومة التزوير بمعرفة كل الحقيقة حولها…
هيئة بن سدرين تحيلت على الشعب التونسي
لم تعط هيئة بن سدرين دليلا على تزوير الانتخابات. ولا هي أتت لنا بدليل لا شك فيه عن وجود سياسية ممنهجة للتزوير… هل هنالك وثيقة مثلا تتضمن أمرا بالتزوير ؟ هل هنالك مراسلة إدارية تبين كيفية إجراء عمليات التزوير؟ هل هنالك مراسلة أو تقريرا ممن قام بالتزوير يبين فيه إنجاز المهمة وتزوير الإنتخابات ؟
لا شيء مطلقا يمكن الاعتداد به… ولا دليل مقنع… فقط كلام في الهواء… وهنا يمكن أن نعتبر أن هيئة بن سدرين تحيلت على الشعب التونسي بأن فشلت في القيام بدورها في البحث عن الحقيقة في أحد أهم مرتكزات الإستبداد… مع أن تزوير الإنتخابات أبرز وأهم موضوع تاريخي وسياسي في تاريخ تونس الحديثة إلا أنه تم التغاضي عنه للتركيز على مواضيع تعمق الجراح وتثير النعرات وتقضي على أية إمكانية للمصالحة.
صفحات قليلة في تقريرها الشامل والنهائي عن “تزوير الإنتخابات” رغم خطورة الموضوع… وكلام نظري منقول عن مقالات صحفية حول معايير نزاهة الإنتخابات لحشو التقرير بصفحات إضافية… والأغرب من كل ذلك تضمين شهادة من نائب رئيسة الهيئة حول معاينته عمليات تزوير لما كان قاضيا صلب التقرير… وهي شهادة فضيحة شكلا ومضمونا. إذ يمكنكم أن تتصوروا قاضيا يشهد في ملف تحت أنظاره ويصدر فيه حكمه…
* عضو سابق للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
شارك رأيك