ظلت أسباب إقالة الوزير السابق الهادي البكوش من طرف الرئيس زين العابدين بن علي غامضة و إن قيل حولها الكثير . في هذا المقال معطيات جديدة تلقي الضوء على الدور الذي لعبه كمال اللطيف في هذه الواقعة حيث هو الذي أبلغ الرئيس السابق نية وزيره الأول الترخيص لحزب النهضة المحظور عندها.
بقلم مصطفى عطية *
بعد سنة ونصف من إرتقائه إلى سدة الحكم، بدأ الرئيس زين العابدين بن علي يضيق ذرعا بالهادي البكوش وزيره الأول وشريكه الأساسي في الإنقلاب على الزعيم الحبيب بورقيبة، يوم 7 نوفمبر 1987، خاصة وأن حاشية القصر قد أمعنت في نقل الوشايات ومنها تلك التي نسبت إلى فرج الشايب أحد المقربين من الوزير الأول ومفادها أنه شبه هرمي السلطة ب: la tête et les jambes أي إن الهادي البكوش هو “العقل المدبر” وبن علي هو مجرد ساقين للتنفيذ!
بداية الإعداد لإقالة الهادي البكوش
كان المناخ السائد في تلك الفترة الدقيقة من مسيرة البلاد مشحونا بتوتر العلاقة بين الرجلين الشيء أوحى لعبد الرزاق الكافي، وكان سفيرا بالمغرب، بأن يقترح على الرئيس نشر رسالة لوم إلى وزيره الأول مستأنسا في ذلك بما كان يفعله ملك المغرب الحسن الثاني وملك الأردن حسين!
وجدت الفكرة هوى في قلب بن علي فٱستشار في شأنها منصر الرويسي الذي أيدها بقوة، وفعلا تم نشر رسالة لوم من الرئيس إلى وزيره الأول في صحيفتين يوميتين واحدة ناطقة بالعربية والأخرى بالفرنسية، فأثارت ضجة كبيرة في البلاد وكانت سابقة في تاريخ الفكر السياسي التونسي حتى ذهب الخاصة والعامة، على حد سواء، في تأويلها مذاهب شتى لكن الإتفاق كان جماعيا بأنها مؤشر قوي على بداية الإعداد لإقالة الهادي البكوش.
كانت كل المعطيات تشير إلى أن كأس صبر بن علي على وزيره الأول قد إمتلأت وتكفي قطرة واحدة لإفاضتها وهو ما حدث فعلا ذات مساء خريفي ثقيل 25 سبتمبر 1989.
كنا في مقر وزارة الإعلام ثلاثة : الوزير المرحوم الحبيب بولعراس ومدير ديوانه الدكتور المنجي بوسنينة وأنا مستشاره في تلك الفترة، وفجأة دخل الحاجب ليعلمنا أن مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية ميشال دوريه يريد مقابلة الوزير لأمر هام وعاجل. لم يكن سي الحبيب متحمسا لٱستقباله فطلب منا أن نتولى الأمر. إستقبلناه في مكتب مدير الديوان ليفيدنا بأنه إلتقى في ذاك المساء الكاتب الصحفي عمر صحابو الذي أعلمه بأنه تحادث مع الوزير الأول الهادي البكوش في شأن تمكين حركة النهضة المحظورة من ترخيص لممارسة نشاطها السياسي، فأجابه الهادي البكوش بأن الأمر قد تم حسمه نهائيا وستحصل الحركة على الترخيص في الأيام القليلة القادمة! كان ميشال دوريه بحاجة إلى تأكيد رسمي من وزارة الإعلام لنشر الخبر في جريدة “لوموند”، لكن المنجي بوسنينة، وبعد إستشارة سي الحبيب، نفى أن تكون الوزارة على علم بذلك ورفض إعطائه صبغة رسمية.
دور كمال اللطيف في إقالة الهادي البكوش
وصل الخبر وحيثياته في الإبان إلى كمال اللطيف، وكان في ذروة نفوذه، فنقله، كما كان منتظرا، إلى الرئيس بن علي.
في مساء ذاك اليوم إستدعانا الحبيب بولعراس، كعادته، للعشاء معه في أحد مطاعم منطقة قرطاج، وكان على ملك المرحوم حسن بالأعور، الذي غير له بورقيبة لقبه ليصبح حسن الأنور، وهو أحد كبار المناضلين ورفيق مقرب من بورقيبة الذي كلفه بالإشراف على جهاز الإستخبارات للحزب الحر الدستوري الجديد زمن الكفاح وخلال سنوات الجمر.
كنا على طاولة العشاء نتجاذب أطراف الحديث مع سي حسن عندما تقدم نادل المطعم وهمس في أذن المنجي بوسنينة مفيدا إياه بأن مستشارا لرئيس الجمهورية يريده على الهاتف.
بعد دقائق عاد المنجي بوسنينة لإعلامنا بأن المستشار أحاله على كمال اللطيف الذي طلب منه رواية الحادثة بالتفاصيل على مسامع رئيس الجمهورية الذي كان بجانبه وأحاله عليه، فأكد المنجي بوسنينة للرئيس ما رواه له مراسل جريدة “لوموند” ميشال دوريه.
قال لنا المنجي بوسنينة معلقا : “كان الرئيس، وهو يستمع لتفاصيل الرواية، في حالة غضب شديد” فأجابه سي الحبيب بالقول : “لقد حسم الأمر”.
لم يمر يوم واحد حتى تمت إقالة الهادي البكوش وتعويضه بحامد القروي في 27 سبتمبر 1989.
* صحفي وكاتب.
المقالات السابقة :
للحقيقة والتاريخ (2): يوم إقتنع بن علي بأن ما يكتبه راشد الغنوشي لا يمثل خطرا على أمن البلاد
للحقيقة والتاريخ : خفايا وأسرار ما قاله حمادي بوصبيع ليوسف الشاهد حول النادي الإفريقي!
شارك رأيك