العلاقة بين البنوك وحرفائهم في تونس يسوبها الغموض وانعدام الشفافية في التعاملات وهو ما يخلق أجواءا من إنعدام الثقة والريبة والإتهامات التي لا تخدم الطرفين ولعل تفعيل قانون إحداث الموفق البنكي يساعد على تجاوز عديد الإشكالات.
بقلم فوزي عبيدي
الأغلبية الساحقة من المواطنين خاصة الموظفين بالقطاعين العام والخاص يتشكون في عديد المرات من الضبابية في الخدمات البنكية ونقص على مستوى شفافية الأسعار للخدمات المقدمة خاصة أنهم مرتبطون مع هذه البنوك بقروض لفترة طويلة تجعلهم غير قادرين على تغيير البنك مما يجعل العلاقة التعاقدية بين الجانبين أقرب إلى عقد إذعان يكون بموجبه الحريف في حالة إرتهان إلى التغيرات التي تحدث على مستوى أسعار الخدمات و التصرف في الحساب الجاري للحريف.
غياب الشفافية في التعاملات
أبرز مثال على ذلك ما حصل أخيرا بأحد البنوك حيث تفاجأ العديد من حرفائه في العام الجديد 2019 بتجميد حساباتهم وعدم قدرتهم على الحصول على مرتباتهم بعد رأس السنة الإدارية بدعوى تسديد المتخلدات بذمتهم بعنوان السحب من الحساب الجاري دون وجود رصيد أو ما يعبر عنه بالعامية “الروج” وذلك بتسديد هذه المبالغ عن طريق إلزام حرفائها بالقيام بقروض جديدة دون وجه حق مستغلين في ذلك توطين أجور المعنيين بالأمر بحساباتهم بالبنك بحكم تمتعهم بقروض سابقة.
هذا يعتبر عملية إكراه للحرفاء نظرا لأن غالبية الذين إنتفعوا بمبالغ “الروج” عبروا عن إستعدادهم لتسديد هذه المبالغ تلقائيا بحكم أنها مبالغ بسيطة تسمح بها البنوك في حدود نسبة معينة من الأجر الصافي الشهري للحريف ويقع تغطيتها تلقائيا حالما يتم صرف الأجور في الحساب الجاري بالبنك من قبل خزينة الدولة.
بالرغم من ذلك رفض مسؤولو البنك تسوية الوضعية بهذه الشاكلة، ووجد الحريف نفسه في هذه الوضعية مجبرا على إتمام خلاص هذا المبلغ البسيط عن طريق قرض وهو ما يزيد أعباء المبلغ بحكم أن هناك أتعاب خاصة بدراسة ملف القرض علاوة على الفوائد التي سيتم توظيفها والأداءات المستوجبة وجملة الإقتطاعات الخاصة بها ولم يتم صرف أجور المعنيين بالأمر إلا بعد دراسة هذه القروض من قبل البنك حيث هناك من لم يتحصل على أجره مدة شهرين بتعلة أن حسابه في حكم التجميد حتى يتم تسوية وضعية “الروج”.
إقتطاعات مالية بلا نهاية
هذه الإشكالية تطرح من جديد العلاقة التعاقدية بين التونسي و البنك فهي أصبحت بلا شك علاقة عقد إذعان يكون الحريف في وضع الطرف الضعيف بينما عديد البنوك لجأت إلى تنويع الإقتطاعات المالية من الحساب الجاري فهناك من البنوك من ذهب إلى حد إقتطاع مالي بعنوان خدمة أصل القرض المسددة شهريا و إقتطاع مالي خاص بالفوائد الشهرية بينما في الأصل عند إستلام جدول تسديد القرض يكون التعاقد على أساس تسديد دفعة واحدة شهريا تخص أصل وفائدة القرض لكن بعض البنوك لجأت إلى فصلهما في الإقتطاع من الحساب الجاري للحريف لكي توظف أكثر ما يمكن من إقتطاعات بعنوان خدمات مالية لا أساس لها.
بالإضافة إلى ذلك وقع الترفيع في العديد من الإقتطاعات التقليدية كالإقتطاع بعنوان مسك الحساب الجاري و تحويل الأموال والإرساليات الهاتفية كما تم الترفيع في نسبة الفائدة الخاصة بالبنك التي تضاف عادة إلى نسبة الفائدة المديرية لتحديد نسبة القرض الفعلية للمقترض.
هذا كله دون إعلام مباشر للحرفاء التي تقتضي الأصول إعلامهم بأي متغيرات في العلاقة التعاقدية خاصة إشهار الأسعار فجل البنوك لم تقم بتعليق و إشهار هذه الأسعار الجديدة للعموم في مقراتها وفروعها الجهوية ماعدى البعض الذين قاموا بذلك وحتى عند مراجعة المواقع الإلكترونية نجد أن عنصر الشفافية يغيب عن الأكثرية من هذه البنوك فقلة قليلة تلجأ إلا نشر تعريفات خدماتها المالية كاملة وبصورة واضحة للعموم بموقعها الرسمي لكي تكون واضحة للحريف في إختياره وهي دعامة للشفافية في المعاملات المالية مع البنوك ولكن الأغلبية الباقية إما لاتنشر هذه التعريفات أو تكون غير واضحة ويصعب الولوج إليها بالموقع الإلكتروني.
إضافة لمشاكل غياب الشفافية في الإقتطاعات المالية فهناك تشكيات كذلك من فرض خدمات على الحرفاء دون طلب منهم خاصة فيما يتعلق بالبطاقة الإلكترونية حيث تعمد بعض البنوك إلى فرض إستعمالها من قبل الحريف و إقتطاع مبلغ الخدمة الخاصة بها دون أن يستعملها ودون موافقته إضافة إلى فرض خدمة الإرساليات عبر الهاتف وما يرافقها من إقتطاع مع كل إرسالية.
ضرورة تفعيل دور الموفق البنكي
هذه الإشكاليات في الشفافية جعلت غالبية التونسيين غير راضين عن الخدمات المالية التي تقدمها البنوك فقد أبرزت آخر دراسة أجراها المعهد الوطني للإستهلاك أن قرابة 53 بالمائة من التونسيين غير راضين على مستوى هذه الخدمات، لذلك لا بد من تفعيل كامل قانون عدد48 لسنة 2016 مؤرخ في 11 جويلية 2016 المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية فإلى حد الآن لم يتم العمل إلا على الجانب المتعلق بحماية النظام البنكي من التمويلات المشبوهة ودعم حوكمته من خلال تشديد الإجراءات المتعلقة بالرقابة على البنوك و المؤسسات المالية حيث يتولى البنك المركزي مراقبة مدى مطابقة نشاط البنوك للنصوص التطبيقية المعتمدة على سياسة التصرف الحذر بما يحفظ صلابتها المالية وكذلك للتثبت من من نجاعة الحوكمة من خلال توفر سياسات و إجراءات عمل تكفل حسن سير العمليات المالية وكذلك حسن أداء هياكل الرقابة الداخلية وسلامة الأنظمة المعلوماتية لدى البنوك و إستجابتها لمتطلبات رقابة البنك المركزي.
لكن الجانب الذي يهم حماية الحرفاء ودعم شفافية الإقتطاعات المالية التي تقوم بها البنوك تجاههم ومعالجة الإشكاليات التي يقع فيها الحريف لم يقع تفعيلها من خلال هذا القانون حيث لم يتم إلى حد الآن تفعيل دور الموفق البنكي حيث نص الفصل 186 من القانون المذكور أعلاه على تكوين جمعية مهنية يتكون أعضائها من مختلف البنوك الناشطة على أرض الوطن تعمل على دراسة المسائل التي تخص المهنة وتطوير أدائها وتكوين الموارد البشرية كما على الجمعية المهنية أن تعد مدونة قواعد حسن سير المهنة ملزمة لأعضائها وتعمل على ضمان إحترامها.
على هذه الجمعية المهنية إحداث هيكل توفيق بنكي يتولى النظر في الشكاوى المعروضة عليه من قبل الحرفاء و المتعلقة بخلافاتهم مع البنوك و المؤسسات المالية كما أجاز هذا القانون لكل بنك أو مؤسسة مالية تعيين موفق بنكي أو أكثر لنفس الغرض وبصفة عامة يقترح هيكل التوفيق البنكي أو الموفق البنكي الحلول التوفيقية الملائمة في أجل أقصاه شهرين من تاريخ التعهد و مجانا وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون يلزم البنوك والمؤسسات المالية التعريف لدى حرفائها بهيكل التوفيق البنكي أو الموفق البنكي وطرق اللجوء إليهما وذلك خاصة بإدراج أحكام في الغرض صلب الإتفاقية التعاقدية مع الحريف المشار إليها بالفصل 83 من هذا القانون وصلب كشوفات الحساب البنكية ومواقع الواب وعقود التمويل وهذا ما لم يتم تطبيقه من غالبية البنوك مع تسجيل عدم حرص البنك المركزي على تفعيل هذه الآليات لذلك من الضروري العمل على ذلك لأهمية معالجة الإشكاليات العالقة و التي يتخبط فيها المواطن.
الإلتزامات المحمولة على البنوك
كما أن هذا القانون جاء بعديد الإلتزامات الأخرى المحمولة على البنوك تهم حماية الحرفاء من ضمنها ضرورة إخضاع إدارة حسابات الإيداع لفائدة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين لأغراض غير مهنية إلى اتفاقية مكتوبة تبرم بين البنك وحريفه وتتضمن الشروط العامة لفتح الحساب وتسييره وغلقه والشروط الخاصة بالمنتجات والخدمات ووسائل الدفع التي يتيحها الحساب وقائمة العمولات المطبقة ومقدارها ويضبط البنك المركزي التونسي الشروط العامة والخاصة الدنيا للاتفاقية. كما على البنوك أن تسدي خدمات بنكية دنيا تضبط قائمتها وشروطها بأمر حكومي.
في نفس الإطار على البنوك والمؤسسات المالية إعلام البنك المركزي التونسي مسبقا بكل منتج مالي أو خدمة مالية تعتزم تسويقها أو عمولة جديدة تعتزم توظيفها. وللبنك المركزي التونسي خلال عشرة أيام عمل من تاريخ استيفاء جميع الإرشادات التي يطلبها، أن يعترض بقرار معلل على تسويق المنتج المالي أو الخدمة المالية أو توظيف العمولة الجديدة. ويعتبر سكوت البنك المركزي التونسي بعد إنقضاء هذا الأجل موافقة على ذلك.
كما يتعين على البنوك والمؤسسات المالية إعلام البنك المركزي التونسي مسبقا بكل تغيير لمستويات التأجير والتسعير تعتزم إدخاله على الشروط البنكية. ويحجر على البنوك والمؤسسات المالية منح أو قبض فوائد دائنة أو مدينة أو عمولات لم يتم التصريح بها أو تتجاوز الحدود المضبوطة أو المصرح بها طبقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل ويضبط البنك المركزي التونسي شروط تطبيق هذا الفصل.
شارك رأيك