في خطابه أمام مؤتمري نداء تونس أعلن الباجي قايد السبسي إنطلاق المرحلة الإنتخابية وبدأ في تشغيل ماكينة حزبه المجمدة وبيّن مرة أخرى بأنه لا زال قادرا على المناورة. ويبدو أن تحمل أعباء الرئاسة مرة ثانية ما يزال هدفه الحقيقي… وإن فهم بعض المتابعين عكس ذلك.
بقلم سامي بن سلامة *
سارعت بعض وسائل الإعلام وزفّت للمتابعين خبر إعلان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في مؤتمر حزبه نداء تونس بالمنستير أمس السبت 6 أفريل 2019 عدم ترشحه لعهدة رئاسية ثانية.
تزامنت تلك التأكيدات الإعلامية مع تصريح لنجله حافظ يعبر فيه عن إعتقاده بأن لا مانع في أن يكون يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي والمجمدة عضويته في نداء تونس من بين المرشحين المحتملين للحزب في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. ويعود سبب التصريح الأخير إلى طلب الباجي قايد السبسي من المؤتمرين رفع التجميد عن رئيس الحكومة المتمرد يوسف الشاهد أثناء خطابه الذي حضره الآلاف من أعضاء حزبه.
لم يقل قايد السبسي أن يوسف الشاهد مرشحه للرئاسية
وفي الواقع لم يعلن رئيس الجمهورية عدم ترشحه لعهدة رئاسية جديدة ولم يعلن لا صراحة ولا ضمنيا كما ذهب إليه البعض عن إختياره يوسف الشاهد لخلافته.
فما صرح به حرفيا هو عدم رغبته في الترشح مرة أخرى ولكنه لم ينس بأن يردف بأن موعد فتح باب الترشحات لا زال بعيدا وأن لكل شيء أوان.
كما أن السيد قايد السبسي بعد أن وجه ما شاء من الرسائل باللغة العربية لمن وجهت له من القوى الإقليمية بعد أن استهل بها خطابه. إنتقل إلى العامية التونسية وأعلن بأن تونس تزخر بالرجال الأكفاء عند إعلان عدم وجود الرغبة لديه في الترشح غير أن هؤلاء خارج تونس داعيا إياهم إلى العودة ولم يتطرق عندها مطلقا إلى الشاهد ولا قال عنه أنه مرشحه المفضل بل تركه إلى آخر خطابه.
الواقع أننا أمام شخصية مركّبة من أبرز مميزاتها الدقة الشديدة وعدم الوضوح وإرسال الإشارات المتناقضة والمتعارضة إن لزم الأمر.
فتح باب التوبة أمام من انسلخوا من نداء تونس
غاية ما في الأمر أنه لوّح لرئيس حكومته بإمكانية رجوعه للتنافس مع غيره للوصول إلى إمكانية تثبيته في موقعه إن عاد إلى النداء. وهو بمناورته تلك فتح باب ”التوبة“ أمام من انسلخوا من نداء تونس والتحقوا بحزب رئيس الحكومة المحدث وأحدث على ما يبدو شرخا كبيرا في صفوفهم.
فهو ينوي الترشح مرة أخرى إلا أن منعته ظروف معينة ولن يعلن ذلك إلا في آخر لحظة وحتى إن لم يفعل فلديه مرشحا أو مرشحين مفضلين يحلون مكانه متواجدون خارج البلاد كما قال وقد دعاهم إلى العودة ولا نية لديه مطلقا في تبني ترشح الشاهد.
وأعتقد أن تصريحات نجله التي تلت خطابه كان متفقا عليها مسبقا وهدفها إكمال بث البلبلة في صفوف الحزب الجديد تحيا تونس وفسح الطريق أمام تفشي الإعتقاد بإمكانية قفز الشاهد من السفينة وعودته مع قياديي حزبه إلى نداء تونس والتسبب بالتالي في هجرة جماعية معاكسة بشروط قايد السبسي الأب.
لا يجب أن ننسى أننا اليوم بصدد الحديث عن مؤتمر إنتخابي لا يمكن تأجيله لنداء تونس وهو سيفرز على الأرجح قيادة جديدة خلال ساعات أو أيام. وهي قيادة ستكون متمتعة بوضع شرعي في نظر الجميع ويعني ذلك أن جميع من يعارضون حافظ قايد السبسي سيفقدون آخر أوراقهم نهائيا ومن بينهم الشاهد. إذ لا معنى مطلقا لعودتهم وعودة الشاهد وإن عادوا مساء اليوم إن لم يكونوا ضمن تلك القيادة المنتخبة.
يسيطر الباجي قايد السبسي على الوضع ويتلاعب بالجميع كما يشاء ومن الواضح أنه علينا تفكيك خطابه لفهم نواياه وبعض مما يرمي إليه.
بين عدد الحضور في الجلسة الإفتتاحية أن حزب نداء تونس سيكون رقما صعبا في المعادلة الإنتخابية وبأنه حزب لا زال قادرا على تجميع الأنصار وعلى تحقيق نتائج طيبة في الإنتخابات.
وإذا كان قايد السبسي ينوي البقاء في قصر قرطاج ؟
في حين لا زال الجانب الديمقراطي والحداثي مشتتا واليسار يبحث عن نفسه ولا يعي رهانات المرحلة المقبلة وأهمية التوقيت في العمل السياسي وفي حين يرفض هؤلاء إتخاذ اجراءات عملية وديمقراطية كنت ناديت لها منذ سنوات لاختيار مرشح واحد مشترك يمثل قاطرة للفوز في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية.
أعلن الباجي قايد السبسي إنطلاق المرحلة الإنتخابية وبدأ في تشغيل ماكينة حزبه المجمدة وبيّن مرة أخرى بأنه لا زال قادرا على المناورة. وقد فهم جميع الحاضرين بأن رئيسا في مثل سنه يقدر على الوقوف لمدة أربعين دقيقة والتوجه للجمهور والقاء خطاب يبدو مرتجلا وبدون ورقة وأن يشد إنتباههم سيكون قادرا بلا شك على تجميع روافده المشتتة أولا وعلى تحمل أعباء الرئاسة مرة أخرى ثانيا وربما كان ذلك هدفه الحقيقي. أما نحن فيبدو أننا لا نفهم شيئا ولن نفعل شيئا مطلقا.
* عضو سابق الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
مقالات لنفس الكاتب [أنباء تونس :
هيئة الحقيقة والكرامة تخل بدورها التاريخي بعدم تقديم إثباتات عن تزوير الإنتخابات قبل الثورة
شارك رأيك