“سعر اللّحم سيصبح في رمضان بــ35 دينار الكلغ الواحد”، “سعر البيض بـ1500 مليم”، “سعر الحليب بـ2 دينار اللتر الواحد”، “سعر الزيت النباتي بـ 2 دينارات”، “سعر الخبز بـ 300 مليم”، هذه كلها إشاعات يسمعها المواطن بكثرة هذه الأيام خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي وهي مثلت وسيلة ضغط إضافي على المستهلك والمجتمع بصفة عامة.
بقلم فوزي عبيدي
المواطن خاصة من الطبقة المتوسطة والضعيفة يعاني الأمرّين في حياته اليومية جرّاء الإرتفاع المتواصل للأسعار وتدهور قدرته الشرائية وزادها تعقيدا من الناحية السوسيولوجية للمستهلكين حرب الإشاعات الإقتصادية التي يشنها وبلا شك أصحاب المصالح في المضاربة خاصة لوبيات الإحتكار الذين يدفعون الأسعار للإرتفاع بهذه الطريقة قبل كل موعد إستهلاكي كبير.
الكل يتذكر على سبيل المثال نفس هذه الموجة من الإشاعات التي إنتشرت قبل الإحتفال برأس السنة الإدارية والتي تم ترويجها حتى قبل حصول الزيادة فمثلا كانت أسعار اللحوم الحمراء تتراوح بين معدل 20 و23 دينار ورغم أن المكونات الأساسية لتكلفة تربية الماشية لم تشهد الإرتفاع الكبير بحكم أن كافة الأعلاف مدعمة والدولة لم ترفع أسعارها وكذلك كان عام فلاحي مرضي جدا من حيث تساقط الأمطار وتوفر الأعلاف الخضراء والمراعي الطبيعية ولكن رغم ذلك نجد أن الأسعار إرتفعت بشكل غير عادي وفي نفس الوقت بكامل جهات الجمهورية التي لا تكتسب نفس الخصائص من حيث الكلفة فحتى الجهات التي تتميز بكثرة إنتاج اللحوم الحمراء وإنخفاض كلفة الإنتاج مثل القصرين، سيدي بوزيد، سليانة والكاف شهدت هي كذلك نفس الإرتفاع وبنفس السعر وهو 26 دينار الذي تم إذاعته عن طريق رئيس غرفة المهنيين في القطاع فإنطلقت العملية من مجرد إشاعة و إعادة بثها ونشرها عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي إلى أن أصبحت حقيقة على أرض الواقع وبدون أسباب موضوعية تفسر هذا الإرتفاع.
لن يتجاوز سعر اللحوم الحمراء في أقصى الحالات 24 دينار
بتحليل الأسباب الإقتصادية من المفروض أن لا يتجاوز سعر اللحوم الحمراء في أقصى الحالات 24 دينار وبدخول فصل الربيع حيث تنتشر المراعي الطبيعية ومع هذه الكمية الكبيرة لتساقط الأمطار من المفروض أن ينخفض سعر اللحوم الحمراء المحلية لكن نفس السياسة يتم إنتهاجها حاليا ببث الإشاعات الموجهة قصد رفع أسعار اللحوم الحمراء في شهر رمضان فقبل ثلاثة أسابيع فقط يتم الترويج لإرتفاع أسعارها لـ 35 دينار دون أساس و يتم إعادة نشرها و إذاعتها حتى عبر وسائل الإعلام دون قصد مما يشكل ضغطا على نسق إرتفاع إضافي للأسعار.
مادامت هذه المنظومة التي تعمل على فبركة الإشاعة و الإستفادة منها لغايات إقتصادية غير شرعية فحتى لو وفرت الدولة التزويد الكافي من خلال ضخ كميات إضافية للسوق الداخلية كالكمية المقدرة بــ140 طن من اللحوم الحمراء التي تم إستيرادها من إسبانيا لضخها بالسوق بمناسبة شهر رمضان فسيبقى هناك إحتمال كبير لإرتفاع أسعار هذه المواد بحكم تأثير العامل السوسيولوجي للإشاعات على المجتمع لأنها داخلة في المظاهر الإنتروبولوجية للمجتمعات العربية وخاصة التونسية لأنه غير محصّن في تعامله الإستهلاكي.
رئيس الحكومة يوسف الساهد في زيارة لسوق بلدي بنابل.
الإشاعة الإقتصادية هي حرب نفسية
الإشاعة من أقبح وأشرس وأفتك أدوات وأسلحة الحرب النفسية لأنها الأقدر من بين جميع وسائلها على تحطيم معنويات الخصوم وإذلالهم وتدمير مناعتهم وتوازنهم النفسي وتخريب طمأنينتهم وإستقرارهم الداخلي. إنها إعصار عاتي لأن لها قدرة هائلة عجيبة على الإنتشار والسريان بين الناس، تماماً كما تنتشر النار في الهشيم والتغلغل إلى أعماق النفوس ومخلفة الهزائم النفسية والمعنوية، وبالتالي فقدان الأمل و البحث على الإنتفاضات الإجتماعية . ذلك لأن العقول ليس عليها جدران حماية نفسية.
إن الإشاعة الإقتصادية ليست أمرا عبثيا يطلق إرتجاليا، بدون تفكير أو تخطيط أو تدبير. بل هي أمر مدروس مُخطط له بعناية، تحركه دوافع وأغراض وأهداف إقتصادية، يرمي المطلق والمروِّج تحقيقها وبلوغها، تكون المصلحة الذاتية و الإنتهازية هي الدافع والمرابيح هي الهدف الوحيد.
إن العلاقة بين الحرب النفسية والإشاعة علاقة جدلية متينة، حيث من الصعوبة بمكان التمييز أحيانا بين حدود المصطلحين، وخطوط التلاقي والتقاطع بينهما حيث يعتقد أحيانا أن الإشاعة هي الحرب النفسية الأشرس.
إستعمال وسائل التواصل الإجتماعي
هذه اللوبيات إستغلت بشكل ملحوظ وسائل التواصل الإجتماعي فوجدت فيها السمات المطلوبة كآلية ضغط والترويج لعمليات منظمة ومن هذه السمات :
– سرعة الإنتشار لاسيما في ظل الهواتف الذكية وتعدد منصات التواصل الإجتماعي فالأمر لا يحتاج سوى ثواني ودقائق معدودة لأن تنتشر الإشاعة على كامل الجمهورية.
– عداد المتلقين المتنامية لأن المتلقي هو الآخر يقوم بدور المرسل فبضغطة زر يمكنه تحويل المحتوى المضلل للإشاعة إلى صفحات فايسبوكية أخرى والتي تحتوي على عشرات الأعضاء الذين يقومون بدورهم كذلك في تحويل الرسائل لمتلقين آخرين وهكذا دواليه.
– عدم التغيير فبالمقارنة بالشائعات التقليدية التي تتداولها ألسنة الناس في مجالسهم الخاصة يعتريها التغيير والتبديل الذي قد يصل لحد التعارض في أحيان كثيرة ويكون كفيلا بإعطاء صفة عدم المصداقية على الخبر ، لكن في هذه الحالة تأخذ الرواية الإلكترونية منحنى آخر فالمتلقي الذي يتحول إلى مرسل لا يقوم سوى بدور واحد هو النسخ واللصق أو إعادة التوجيه مما يعطيها سمة الصدقية والحصول المؤكد للخبر.
منهجية خلق الشائعات الإقتصادية
يتم إعتماد طرق و آليات معينة لصياغة هذه الشائعات للتمويه و إعطائها صفة المصداقية كـالإعتماد على مصادر مجهولة وغير معلنة وعلى مصادر ثانوية في المعلومات لتكوين الخبر. وعدم التوازن في المادة الإعلامية كقيام القائم بالإتصال بعرض وجهة نظر طرف دون الطرف الآخر. واستخدام أسلوب الإيحاء والتلميح والذي يؤدي إلى قيام المتلقي بالتخمين والتوقع مما يؤدي إلى اختلاق الشائعات. والإثارة في العناوين والتي قد تختلف مع مضمون الخبر.
كيف نواجه الشائعات الإقتصادية
بداية لابد من تفعيل القوانين الناظمة لمحاسبة ومساءلة المتورطين والإعلان وعرض نماذج لذلك من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية والإلكترونية نظرا للأضرار الفادحة التي تنجر عنها والتي لا تمس فقط الجانب الإقتصادي والقدرة الشرائية للمواطن بل تمس كذلك بطريقة مباشرة النظام العام والسلم الإجتماعي فمن بين الجرائم التي أقرّتها المجلة الجزائية في إطار مقاومة الإشاعة الإقتصادية المتعلّق بالتخفيض أو الترفيع في الأسعار الفصل 139 الذي نصّ على ما يلي: “يعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين وبخطية من أربعمائة وثمانين دينارا إلى أربعة وعشرين ألف دينار كل من يحدث أو يحاول أو يحدث مباشرة أو بواسطة ترفيعا أو تخفيضا مصطنعا أو أسعار المواد الغذائية أو البضائع أو الأشياء العامة أو الخاصة وذلك: بتعمّد ترويج أخبار غير صحيحة أو مشينة لدى العموم أو تقديم عروض بالسوق بهدف إدخال اضطراب على الأسعار أو تقديم عروض شراء بأسعار تفوق ما طلبه الباعة أنفسهم أو بغيرها من وسائل وطرق الخداع مهما كان نوعها، بممارسة أو محاولة ممارسة تدخل فردي أو جماعي على السوق بقصد الحصول على ربح لا يكون نتيجة قاعدة العرض والطلب الطبيعيين.
إضافة للجانب القانوني لا بد من التطرّق للحلول التوعوية لمحاربة الإشاعة الإقتصادية وكبح جماحها، والتي تأتي من خلال الفهم الدقيق لأسباب ومسببات الإشاعة، والتي أساسها الجهل وسوء استخدام وسائل التواصل الإجتماعي وفضولية البعض وخوضهم بما لا يعلمون، وبالطبع السبب في ذلك ضعف الثقافة الإستهلاكية ولتجاوز ذلك يجب العمل على تصميم حملات توعوية لمواجهة الشائعات تراعي الخصائص السوسيولوجية للمجتمع التونسي .
يمكن أيضا الإستئناس بالتجارب التي وقعت في البلدان المتقدمة من خلال إنشاء مركز إعلامي وبحثي مستقل للسيطرة على الشائعات ويعمل على تتبع مصادرها وتحليلها ونفيها على أسس علمية ونشر ثقافة التعامل معها كما لا ننسى دور وسائل المختلفة في تأهيل كوادرها وتدريبهم على سبل التحقق من الأخبار والمصادر الإلكترونية والقدرة على التثبت الإلكتروني بكافة أشكاله.
شارك رأيك