ما حصل أول أمس الثلاثاء 15 أفريل 2019 تحت قبة مجلس النواب درس لمن استغل هذه الثورة البائسة ليخرج عن كل الأعراف و التقاليد والسماحة و حسن التربية بغاية إختلاق “شخصية” مارقة بالإمكان أن تجذب إليها كل من أراد بهذا البلد سوء وتحقق الشهرة الزائفة بأقل الأثمان.
بقلم أحمد الحباسي *
السيدة النائبة سامية عبو من التيار الديمقراطي كما يعلم الجميع لم تكن مناضلة في عهد نظام الرئيس بن على بل مجرد سيدة إستغلت محاكمة زوجها المحامي الأستاذ محمد عبو بتهمة بث أخبار غير صحيحة تتعلق بزيارة محتملة لرئيس الحكومة الصهيوني الراحل أريال شارون إلى تونس.
طبعا إستغلت بعض المنظمات الدولية المشبوهة الحدث لتصنع من الرجل مناضلا واستغلت السيدة زوجته “اشتغال” وسائل الإعلام الأجنبية على الموضوع لتصنع لنفسها شهرة باتت رصيدها الذي لا ينفذ والذي جعل منها نائبة في مجلس نواب الشعب بعد الثورة، مجلس أرادت السيدة النائبة أن تجعل منه عرينها الحصين لتصوب نحو جهات معينة (وعلى رأسها رئيس الدولة و رئيس الحكومة) مستعملة ألفاظا وعبارات يندى لها الجبين.
حرية التعبير حمار قصير يركبه بعض الموتورين
بالطبع كانت هناك أصوات تنادى بأن لا تصبح حرية التعبير الحمار القصير الذي يركبه بعض الموتورين والمنافقين والمتعاملين مع السفارات والمخابرات الأجنبية والخارجين عن القانون، وبالطبع كانت هناك حالات إمتعاض وغضب كثيرة من الخطاب الشعبوى المتدني جدا للسيدة النائبة ولعل ردود وزير التعليم السابق ناجى جلول عليها في مجلس نواب الشعب خير دليل على فيضان كأس الصبر وعلى أن مثل هذا النوع من الخطاب الشعبوي الهابط لا مكان له تحت قبة البرلمان خاصة عندما يصدر من محام ونائب ممثل لثقافة وأخلاق شعب كامل، لكن إصرار السيدة عبو على إتباع نفس الخطاب السليط الخارج عن الكياسة والأدب سواء ضد رئيس المجلس وعضويه أو ضد رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد نفسه كان مبالغا فيه بحيث لم يجد السيد حاتم بن سالم وزير التربية أول أمس من أن يستغل فرصة التدخل الخارج عن الأدب و المنطق للسيدة النائبة ليقدم لها درسا تربويا بالغ الهدوء والشدة في نفس الوقت حتى يضع الأمور في نصابها ويثبت لبعض المتشائمين أن الدولة قادرة على فرض هيبتها على الجميع بمن فيهم هذه الأصوات النشاز التي شغلت المشهد السمعي البصري.
بعد السادة فاضل عبد الكافي، وزير المتلية السابق، وزياد العذارى، الوزير الحاي للتنمية والإستثمار والتعاون الدولي، و ناجى جلول، وزير التربية السابق، جاء الدور على السيد حاتم بن سالم، الوزير الحاي للتربية، وكان الدرس بليغا و قويا و شافيا للغليل.
ربما جاء هذا الدرس التربوي في وقته وربما تفاجأ الجميع من عمق تحليل الوزير ورباطة جأشه وقدرته الفائقة على تبليغ المراد بلغة مهذبة ولكن يظهر أن السيدة النائبة قد بهتت تماما وأسقط في يدها ولم تتوقع هول الصدمة وما لاقته من عيون الشماتة لدى كثير من زملائها وكثير من المتابعين للنقاش الدائر تحت قبة البرلمان.
“للصبر حدود” و “ما دواء الفم المنتن كان السواك الحار”
في الحقيقة كانت صدفة معبرة أن يصدر هذا الدرس التربوي على لسان وزير التربية، الوزارة المؤتمنة على تربية النشءعلى السلوك الحضاري القويم وأن يوجه هذا الدرس تحت قبة البرلمان بالذات بما يمثله من رمزية تاريخية وحضارية إلى “نائبة” شعب جاءت بها نوائب الدهر لتذكيرها علنا بالقسم الذي أدته لحفظ اللغة العربية من التشوهات المبتذلة وبأن تكون الصوت البليغ الرصين المهذب لشعب صنع ثورة صفق لها العالم إعجابا ولم يصنع معركة سجناء حق عام كما ظنت السيدة النائبة في كثير من “حملاتها” الرخيصة ضد هيبة الدولة.
لقد أثبت الوزير أنه مربى بالأساس وأثبت الوزير أن عهد “إبعد عن الشر وغني” قد ولى وأنه لا مكان لمثل خطاب داحس والغبراء أن يسود مهما كان الثمن.
لقد قالت السيدة أم كلثوم “للصبر حدود” ولعل ما حصل في مجلس النواب أول أمس ينطبق عليه المثل التونسي الشائع “ما دواء الفم المنتن كان السواك الحار”.
* محلل سياسي وكاتب.
شارك رأيك