حسب الإلتزام الذي تعهدت به الحكومة التونسية أمام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بالتحرير الكلي لأسعار المحروقات الرئيسية ورفع الدعم عنها إلى غاية مطلع السنة القادمة بحيث يتم الترفيع في سعر المحروقات كل ثلاثة أشهر فإن أسعار المحروقات سوف تشهد إرتفاعات متتالية.
بقلم فوزي عبيدي
هذه الإرتفتعات ستكون كالتالي : البنزين يرتفع من 2065 مليم للتر الواحد ليصل إلى 2366 مليم أي بزيادة قدرها 14,5% أما الغازوال الرفيع فسيرتفع من 1825 مليم للتر الواحد إلى 2216 مليم أي بزيادة قدرها 21,5%، الغازوال العادي من 1570 مليم للتر الواحد إلى 1922 مليم أي بزيادة 22,5% وبترول الإنارة من 950 مليم إلى 1802 مليم أي بزيادة 90%.
تونس تدخل في دوامة لا تنتهي من إرتفاع الأسعار
هذه الزيادات الناتجة عن الرفع التدريجي لدعم المحروقات، إلى غاية الوصول إلى التحرير الكامل لهذا القطاع، تعتبر من أكثر الإجراءات الإقتصادية المؤلمة والموجعة للمتدخلين الإقتصاديين كالمنتجين والتجار وأصحاب الخدمات بأنواعها، بإعتبار أن تكلفة المحروقات تدخل في التكلفة الجملية لكل البضائع والخدمات، مما يؤثر بصفة مباشرة كذلك على القدرة الشرائية للمواطن في مختلف مقتنياته اليومية، بسبب التضخم المتراكم، فكل منتوج لن يرتفع سعره حسب نسبة تكلفة الطاقة من التكلفة الجملية للمنتوج بل تصل إلى المواطن بصورة مضاعفة وأحيانا تتضاعف عديد المرات لأن تكلفة الطاقة كذلك تزيد عند شراء المواد الأولية في مرحلة أولى وفي مرحلة ثانية تزيد على مستوى المواد شبه المصنعة والعناصر الأخرى المتداخلة في عملية الإنتاج كالكهرباء وأسعار النقل والشحن لتصل في النهاية إلى المستهلك بصفة مضاعفة، أو ما يعبر عنه بــ( Effet multiplicateur de l’inflation).
بهذه الصورة المتسرعة في تحرير أسعار المحروقات إلى آخر هذه السنة فإن نسبة التضخم سوف ترتفع بصورة مهولة ولا شك أنها سوف تتجاوز حاجز الرقمين لندخل في دوامة لا تنتهي من إرتفاع الأسعار والتي يصعب التحكم فيها لاحقا، وهي تمثل حدا فاصلا يمكن أن ينجر عنه إنتفاضات إجتماعية بدأت تلوح في الأفق، فحسب تقارير الصندوق نفسه يجب أن تواصل الحكومة التونسية الحد من التضخم الذي تجاوز 7 بالمائة مسجلا أعلى مستوياته منذ سنة 1991، وأقر أنه يجب مواصلة السياسة النقدية تركيزها على كبح التضخم لأن مخاطره على الإستقرار الإقتصادي أصبحت أشد وضوحا.
الإحتجاجات الإجتماعية دائما في البال
بالرغم من عدم الوصول إلى مرحلة التحرير الكامل لأسعار الوقود وما يتضمنه من رفع أسعاره بصفة كبيرة، فإن تونس تشهد هذه الأيام إحتجاجات كبرى على رفع أسعار الوقود بـحوالي 4% فقط شاركت فيها تقريبا جميع المنظمات المهنية وأعداد لا يستهان بها من المواطنين عن طريق قطع الطرق بالسيارات إحتجاجا على هذه السياسة.
كما أكد الإتحاد التونسي لسيارات الأجرة ‘لواج’ عدم موافقته على القرارات التي إتخذتها وزارة النقل ومنظمة الأعراف الاثنين الماضي والذي تم على إثرها إلغاء كل التحركات الإحتجاجية للنقل غير المنتظم برفع تسعيرة النقل معتبرا ذلك ترفيع في كلفة النقل الفردي مما تسبب في عزوف المواطن على النقل الخاص وقد دخلوا في إضراب صباح الاثنين 15 أفريل 2018، عبر غلق جميع مداخل تونس الكبرى والمدن والطرقات السيارة ومداخل ومخارج الولايات حتى يقع التراجع في قرار الزيادة في المحروقات.
نفس الأمر بالنسبة لقطاع التاكسي الذي دخل في نفس اليوم كذلك في إضراب في كامل أنحاء الجمهورية وذلك بدعوة من الإتحاد التونسي للتاكسي الفردي.
وأمام هذه التطورات و الضغوطات من القواعد الرافضة للإتفاق حول زيادة تعريفة النقل و الإصرار على عدم رفع أسعار الوقود قررت الجامعة الوطنية للنقل التابعة للإتحاد التونسي للصناعة والتجارة دعوة منظوريها الجهويين بكامل أنحاء الجمهورية لتدارس الوضع وتوحيد الأراء حول الإتفاقية الموقعة خلال هذا الأسبوع وذلك بالمقر المركزي بالعاصمة. لذلك من المنتظر أن يبقى الشارع التونسي على وقع توترات إجتماعية و إقتصادية عديدة إلى آخر السنة مع كل زيادة جديدة في أسعار الوقود وهو ما ينبىء بمناخ إجتماعي غير سليم و احتمال وقوع إنتفاضات إجتماعية على غرار سنوات 1986 و2011.
دعم الطاقة أكبر مستنزف لميزانية الدولة
من جهة أخرى يمثل دعم الطاقة من أهم العقد التي ينبغي حلها خاصة أنها أصبحت ضاغطة على التوازنات المالية للدولة، فالدعم الجملي للبنزين الذي تتكفل به الدولة يبلغ 262 مليون دينار والغازوال الرفيع 231 مليون دينار والغازوال العادي 709 مليون دينار والبترول المستعمل للإنارة 38 مليون دينار، بينما قوارير الغاز المنزلي التي لن يطرأ عليها تعديل في الأسعار حسب الإتفاق مع صندوق النقد الدولي فيبلغ دعمها 650 مليون دينار، ونتيجة تضخم هذه الأرقام سنويا متأثرة بإرتفاع الإستهلاك الفردي في تونس للطاقة بشكل كبير يضاف لها إرتفاع أسعار النفط العالمية بالدولار و تدهور سعر الدينار.
هذه الوضعية أدت إلى إنعكاسات وخيمة فقد أصبحت تغطية الإحتياطيات الدولية من العملة الصعبة لا تزال أقل من 90 يوماً من الواردات، والدين العام والخارجي بلغا 71% و 80% من إجمالي الناتج المحلي على التوالي.
لذلك من الضروري معالجة الإختلالات الإقتصادية وتدعيم الأسس اللازمة للنمو الإقتصادي ولضمان إنخفاض عجز الميزانية سنوات 2019 و2020 يتعين تخفيض دعم الطاقة عن طريق زيادات في أسعار الطاقة المحلية تمشياً مع أسعار النفط الدولية.
التحرير التدريجي هو الحل الأمثل
يجب أن نشير في مرحلة أولى أن تحرير أسعار الوقود بصفة إقتصادية موضوعية هو مصلحة تونسية قبل أن يكون إملاءات صندوق النقد الدولي حيث ستسمح الموارد التي يتيحها تخفيض دعم الطاقة بتخفيض مستويات الدين المرتفعة وزيادة الإنفاق على الإستثمارات العامة والبرامج الإجتماعية فكل دعم حالي هو عبارة عن ديون مستقبلية بفوائد متراكمة ولكن هذا التمشي يلزمه الكثير من العقلانية وذلك بعدم التسرع وبإنتهاج سياسة تدريجية تراعي الظرف الإجتماعي خاصة إنعكاسه المباشر على النقل وما يمثله من عبء في الحياة اليومية للمواطن التونسي والإنعكاسات غير المباشرة على نسب التضخم بحكم أن الطاقة تدخل في مكونات كلفة جميع المواد بلا إستثناء، لذلك يجب تمديد مدة تحرير أسعار المحروقات لإمتصاص أكثر ما يمكن من الصدمة على الإقتصاد والإستهلاك ولفترة تتجاوز المدة المتفقة عليها مع صندوق النقد الدولي.
شارك رأيك