من الناحية القانونية البحتة لا شيء يمنع تكليف موظفين بالسفارات والقنصليات بمساعدة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات على تسجيل الناخبين بالخارج وتحت إشرافها. والأمر لا يمكن أن يمس من إستقلالية الهيئة كما يروج له.
بقلم سامي بن سلامة *
أرسل لي أحد الأصدقاء الإعلاميين تسجيلا لبرنامج على إذاعة تونس الدولية الناطقة باللغة الفرنسية أستدعي للتدخل فيه عضو مجلس هيئة الإنتخابات السيد نبيل العزيزي. وطلب مني رأيي فيما ورد فيه من معطيات حول “فضيحة جديدة” كانت هيئة الإنتخابات بطلتها كالعادة…
استمعت للتسجيل كاملا ولاحظت إستعمال مصطلحات خاطئة من قبل “الهيئات الفرعية المستقلة للإنتخابات” (IRIES)… طبعا لا يمكن أن تكون الهيئات الفرعية (IRES) مستقلة أو أن تطلق عليها تلك التسمية بل أن الهيئة الأم هي المستقلة ولا يمكن للتابع أن يكون مستقلا… وأصلا ينص القانون على “هيئات فرعية” ولم يقل أنها مستقلة.
وقد سارعت الهيئة المركزية سنة 2011 إلى إصلاح ذلك الخطأ بقرار أتخذ بالإجماع حينها باقتراح مني بعد شيوع إستعماله من قبل الهيئة نفسها ومن قبل وسائل الإعلام..
بالعودة إلى الحصة المذكورة ومع أن السيد العزيزي كان متناسقا مع نفسه ومع مواقفه وتحدث بكل عفوية كالعادة. إلا أن ما شدني هو تدخل مقدم البرنامج ومحاولته تصوير قرار الهيئة تكليف موظفين من قنصلياتنا بالخارج لإجراء عملية تسجيل الناخبين بأنه قرار مخالف للقانون.
طبعا تخالف هيئة الإنتخابات القانون منذ تنصيبها من قبل حركة النهضة سنة 2014 بعد فرضها في 20 ديسمبر 2012 قانونا جديدا خلق هيئة جديدة غير مستقلة مختلفة عن الهيئة التاريخية التي أجرت إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي… وهو قانون قبيح وإجرامي ألغى المرسوم عدد 27 لسنة 2011 الذي أحدث الهيئة الأولى وضمن إستقلاليتها التامة…
غير أنه هنالك فرق واضح وجلي بين مخالفة القانون وهو أمر خطير يجب إثباته أولا ولا يمكن الجزم بوجوده بدون دليل والتسبب بالتالي في مغالطة الرأي العام. وبين إتخاذ قرارات قد تحدث جدلا وتتنافى مع تعريف الهيئة كهيئة مستقلة لا تتبع السلطة التنفيذية ولا تخضع لأوامرها.
ينص الفصل 10 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 مؤرخ في 26 ماي 2014 يتعلق بالإنتخابات والإستفتاء والمعروف بالقانون الإنتخابي على ما يلي: “تضبط الهيئة قائمة الناخبين في كل دائرة إنتخابية بالنسبة إلى كلّ بلدية وكلّ معتمدية أو عمادة بخصوص المناطق غير البلدية. كما تتولى الهيئة بإعانة البعثات الدبلوماسية أو القنصليّة التونسيّة بالخارج، ضبط قائمات الناخبين ومراجعتها بالنسبة إلى التونسيين بالخارج، طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون والنصوص التطبيقية الصادرة عن الهيئة.”
فطبقا لهذا الفصل القانوني الواضح فإن الهيئة تتولى بإعانة البعثات الدبلوماسية أو القنصليّة التونسيّة بالخارج، ضبط قائمات الناخبين ومراجعتها بالنسبة إلى التونسيين بالخارج…
يعني ذلك بأن تدخل البعثات الديبلوماسية والقنصلية التونسية بالخارج ضروري تحت إشراف الهيئة وبناء على تقديرها… في جميع الإنتخابات التي تجرى بالخارج وبأمر من القانون.
وهو ما يعني كذلك أنه ومن الناحية القانونية البحتة فإن لا شيء يمنع تكليف موظفين بالسفارات والقنصليات بمساعدة الهيئة على تسجيل الناخبين بالخارج وتحت إشرافها.
وأنه وهو المهم ليس هنالك من مخالفة للقانون في هذا الموضوع بالذات.
بقيت نقطة مهمة وهي عدم إحداث الهيئة لهيئات فرعية بالخارج إلى حد الآن…
ينص الفصل 21 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 مؤرخ في 20 ديسمبر 2012 والمحدث للهيئة على أنه لهيئة الإنتخابات “بمناسبة الإنتخابات والإستفتاءات أن تحدث هيئات فرعية لها تتولى مساعدتها على القيام بمهامها”.
يعني ذلك أن إحداث الهيئات الفرعية غير وجوبي ولا يعتبر عدم إحداثها مخالفا للقانون بدوائر الداخل أو دوائر الخارج.
وطبقا لقاعدة من “أمكنه الأكثر أمكنه الأقل” يتولى مجلس الهيئة جميع صلاحيات الهيئات الفرعية إن لم يرغب في إحداثها في الداخل والخارج.
وهذه النقطة الأخيرة من بين إبداعات حركة النهضة بتشجيع من المنظمات الدولية عند فرضها القانون الجديد للهيئة سنة 2012. إذ كانت تنظر بعين الريبة للهيئات الفرعية التي أحدثناها سنة 2011 والمكونة من شخصيات وطنية وذات وجاهة واحترام كبيرين في تونس وفي الخارج. وكانت الحركة ترغب بالتالي في التخلص من وجودها تماما من الهيئة في إطار خطتها للإستيلاء عليها… فعملت على إلغاء الهيئات الفرعية من هيكل الهيئة الإنتخابية وجعلتها إختيارية في القانون.
لا يعدو الأمر بالتالي عن أن يكون زوبعة جديدة في فنجان…
الغريب في الأمر أن هذه القضية لم تثرها سوى حركة النهضة في بيان لها الأسبوع الفارط عن فرعها في الخارج حذرت فيه الهيئة من هذا الموضوع بالذات.
ويبدو من الغريب أن تنخرط اذاعة تونس الدولية في إستراتيجية حركة النهضة الإعلامية وأن تتموقع بتسويق مغالطات تضر بمصداقيتها وسمعتها… خصوصا أن الأمر لا يمثل في الواقع سوى إجتهادا من الهيئة قد لا يقبل سياسيا وأعترض عليه شخصيا… ولكنني لا أنا ولا الإذاعة ولا أي كنا يمكننا الجزم بأنه تمش مخالف للقانون…
إن واقعنا السياسي الإعلامي انحدر إلى الحضيض للأسف… وهو ما يجعلنا نخشى من إختراق وسائل الإعلام العمومية مع إشتداد الحملة الإنتخابية وتجييرها لخدمة مصالح هذا الطرف أو ذاك… لتخرج عن دورها كما نفهمه جميعا في تنوير المواطن التونسي وإن كان ناطقا بالفرنسية في إطار الحياد ومع المحافظة على المصداقية…
* عضو سابق في الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
شارك رأيك