من الضروري المعالجة الفورية لمعضلة نقص تزويد السوق بالزيت النباتي المدعم وذلك بضخ الكميات المطلوبة من قبل الديوان الوطني للزيت لفائدة وحدات التعليب وتكثيف مراقبة التجار والمحتكرين خاصة أن شهر رمضان على الأبواب وإستهلاك هذه المادة يرتفع بشكل كبير في هذا الشهر.
بقلم فيروز الشاذلي
يعيش أغلب التونسيين معاناة حقيقية هذه الأيام بسبب فقدان مادة الزيت النباتي المدعم أو ما درج على تسميته بالعامية “زيت الحاكم”. هذه المعاناة التي تمتد منذ شهر مارس الفارط بسبب إضطراب في التزويد في جميع أنحاء البلاد منذ ما يزيد عن الشهرين حيث بدأ النقص الحاد في مادة الزيت النباتي المدعم يظهر تباعا وفي أغلب المناطق مما أثار سخط المواطنين بإعتبارها مادة أساسية لا يمكن الإستغناء عنها في المطبخ مهما كانت الصفة.
يستهلك المواطن التونسي الزيت النباتي المدعم بنسبة عالية تعويضا عن زيت الزيتون الذي تراجع إستهلاكه نتيجة إرتفاع أسعاره . وفي المقابل يشتكي المواطن من غلاء أسعار الزيوت النباتية الأخرى كزيت الذرة التي أثرت على ميزانيتهم تأثيرا كبيرا، حيث يضطرون إلى تخصيص مبالغ مالية إضافية لشراء ما يحتاجونه من مادة الزيت خاصة وأن التونسي معروف بإستهلاكه المفرط للزيت في طبقه الغذائي اليومي.
أزمة تزويد بالدرجة الأولى
بدأت مشكلة التزويد منذ شهر فيفري 2019 وذلك بإضطراب حاد في توزيع مادة الزيت النباتي المدعم على المصانع إلى أن توقف تماما من طرف المزود الوحيد وهو الديوان الوطني للزيت دون سابق إعلام ولا توضيح الأسباب والتي أغلقت جراءها عديد مصانع تعليب هذا النوع من الزيوت الذين أصبحوا هم بدورهم متضررين من هذا التوقف على مستوى التزويد بحكم دخولهم في فترة بطالة قسريّة تكلفهم يوميا مصاريف باهظة كالأجور وخلاص فوائد القروض حيث يهم هذا الأمر قرابة 43 مصنع تعليب زيوت نباتية.
هذا الإضطراب في التزويد إنجر عنه إختلال في بقية مسالك التوزيع من تجار جملة وتفصيل حيث أصبح نادرا أن تجد شركة جملة للمواد الغذائية يتوفر لديها هذه المادة ونفس الشيء بالنسبة لتجار التفصيل الذين يؤكدون أن الموزعين لا يوزعون عليهم سوى عدد قليل من صناديق الزيت كل حوالي أسبوعين، فبسبب هذه الوضعية وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه وغير قادرين على إرضاء حرفائهم بل تسبب لهم في خسارة العديد من الحرفاء بسبب عدم توفير الزيت النباتي المدعم لهم إضافة لمواجهتهم لعديد المشاكل مع اليومية مع الحرفاء نتيجة إتهامهم لهم بالمحاباة وتفضيل البعض على البعض الآخر حسب حجم المقتنيات.
إستعمال الزيت المدعم في غير الأغراض المخصصة له
حتى قبل هذه المشكلة الناتجة أساسا عن نقص فادح في التزويد، كانت دائما هناك تشكيات من فقدان الزيت النباتي المدعم من الأسواق بالرغم من وجود كميات كافية سابقا وهذا يرجع بالأساس إلى تحويل وجهة كميات كبرى من هذه المادة المخصصة حصرا للإستهلاك العائلي لا غير إلى إستعمالات صناعية عن طريق إستعمالها في مصانع مواد التنظيف والدهن وغيرها من الصناعات المشابهة نظرا لإنخفاض ثمنها المدعم.
كذلك يتم بيع هذه المادة إلى الحرفيين كالمطاعم، صنع المرطبات والحلويات حيث يتم بيعها في عديد الأحيان بأضعاف ثمنها مرتين ونصف. هذه الممارسات تتم عن طريق التفويت في الزيت المدعم في مختلف مراحل توزيعه إما من مصنع التعليب أو نجدها عن طريق شركات الجملة أو البيع بالتفصيل ففي عديد المرات تم الكشف عن تجاوزات تقوم بها هذه الوحدات لتعليب الزيت المدعم بالتفويت في كميات هامة إلى غير مستحقيها و خاصة إلى شركات بالجملة لا تتوفر فيها الشروط القانونية أو الترتيبية للتزود بهذه المادة أو أنها موضوع قرار منع من وزارة التجارة لمخالفتها تراتيب توزيع الزيت المدعم وهو ما أضطر وزارة التجارة في عديد الأحيان إلى إصدار قرارات غلق في حق هذه المصانع. في نفس الإطار نجد هذه الظاهرة تستفحل أكثر على مستوى الجملة و التفصيل حيث يعمد البعض من تجار الجملة والتفصيل إلى تخزين كميات معتبرة وحرمان المواطن البسيط منها بغاية بيعها بأسعار أغلى إلى الصناعيين والحرفيين والكمية الضئيلة الباقية يتم بيعها للمستهلك العادي بأساليب غير قانونية كالبيع المشروط وبالترفيع في سعرها. ومع تطور أساليب الغش من قبل هذه العصابات أصبحوا يعمدون إلى تعليب الزيت النباتي المدعم في قوارير تحمل علامات تجارية أسعارها حرة لبيعها بأسعار مرتفعة قرابة أربعة مرات وبيعها في مغازات التفصيل وهذا يعد جريمة غش وتدليس لمنتجات يعاقب عليها القانون.
هل من حلول عملية ممكنة التطبيق الفوري
بداية لا بد من الإشارة إلى ضرورة المعالجة الفورية لنقص التزويد بضخ الكميات المطلوبة من قبل الديوان الوطني للزيت لفائدة وحدات التعليب خاصة أن شهر رمضان على الأبواب وإستهلاك هذه المادة يرتفع بشكل كبير في هذا الشهر المعظم فتونس تستهلك إجماليا قرابة 160 ألف طن سنويا مع العلم أن الإستهلاك العائلي الحقيقي هو في حدود 115 ألف والباقي أي 45 ألف طن يتم تسريبها من المسالك الرسمية نحو غير مستحقيها لذلك لا بد من التصدي لهؤلاء المحتكرين والمضاربين الذين أضروا بمصلحة المواطن والدولة عبر ضخ ملايين الدينارات من الدعم لغير مستحقيه.
ثم في مرحلة ثانية يجب تكثيف مراقبة مسالك توزيع هذه المادة والسهر على توزيع هذه المادة خاصة في الأحياء الشعبية، مع التشديد في نفس الوقت على دور المواطن في التصدي لهذه الظاهرة ففرق المراقبة التابعة لوزارة التجارة لا تستطيع لوحدها أن تغطي مئات آلاف التجار لهذا على المواطن التبليغ عن كل تجاوز بطلب الرقم الأخضر الذي وضعته الوزارة 80.100.191 .
شارك رأيك