مشهد مدان و مرفوض بشدة بل مخجل جدا رأيناه جميعا في فيديو الإعتداء على القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي خلال حضوره في ندوة علمية بجامعة الاداب بمنوبة.
بقلم: سنيا البرينصي
مشهد مقزز بالفعل، وذكرنا بكل حوادث وأحداث العنف الإيديولوجي والسياسي التي عاشتها البلاد خلال السنوات العجاف، من ذلك محاصرة قاعة إجتماع نداء تونس بجربة في 2012، وكذلك حادثة سحل منسقه العام بتطاوين لطفي نقض من طرف عناصر إسلامية، ثم إعتداء ما سمي وقتها زورا وبهتانا ب”روابط حماية الثورة” على مقر الإتحاد العام التونسي للشغل، وأحداث 9 أفريل 2012، وصولا إلى “الغزوة” الشهيرة لجامعة منوبة وحادثة إنزال الراية الوطنية ومحاولة رفع “علم داعش” مكانها، فالإغتيالات السياسية في 2013، وغير ذلك من الحوادث الوطنية السوداء التي وجهت فيها الإتهامات انذاك وحتى الان علنا وسرا إلى حكومة “الترويكا”، وعلى رأسها حركة النهضة.
ولعله تبعا لما سبق ذكره في ردهات هذا المسار العنفي حالك السواد في سجل الذاكرة الوطنية ما بعد 14 جانفي 2011، يبقى اللجوء إلى العنف مرفوضا جملة وتفصيلا سواء صدر عن اليمين أو عن اليسار لأن العنف لا يولد سوى العنف المضاد، وهو وسيلة ممجوجة ووضيعة ينتهجها ضعاف الحجة وضعاف العقل ومغيبيه لإقصاء مخالفيهم.
وبعيدا عن منطق الدفاع عن عبد الحميد الجلاصي كرجل سياسي متحزب(وهذا ليس بدورنا) بالرغم من أنه، بإجماع معارضي الجلاصي قبل مؤيديه، شخصية محترمة أثبتت ذلك بالأدلة مواقفه السياسية الوطنية والمعتدلة، فإنه من وصمة العار ومن المقزز جدا أن نشاهد طلبة قد يصبحون في قادم الأيام نخبا وكفاءات وطنية وإطارات عليا في الدولة يعتدون بالعنف على من يختلف معهم إيديولوجيا وسياسيا، كما أنه من المخجل جدا ألا يحترم صغارنا كبارنا، حتى وإن اختلفوا معهم في الإنتماء الفكري والسياسي، وحتى إن أخطأ هؤلاء الكبار في السن، فهل من الأخلاق إهانتهم وتعنيفهم؟ أم أن الأخلاق والوعي يقتضيان منا محاججتهم ومجادلتهم بالعلم وبالأدب؟ مشهد سريالي مقرف ما حدث.
تحييد الحرم الجامعي عن التجاذب السياسي
يبقى تحييد الحرم الجامعي عن التجاذبات الفكرية والسياسية مطلبا ذا أولوية قصوى ضمانا للحريات الأكاديمية، وحتى تبقى جامعاتنا فضاءات نقية ومتاحة فقط للعلم وللحرية وللإختلاف ولبناء الأجيال القادمة عملا بمقتضيات الفصل 21 من الدستور الذي ينص على أن الدولة تضمن الحريات الفردية والعامة، و عملا بأحكام الفصل 33 من الدستور الذي يكفل الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي.
كما وجب التذكير أن هذه الحادثة ليست الأولى التي تشهدها جامعة منوبة، فطيلة السنوات الفارطة، عاشت الجامعة نفسها حوادث عنف مماثلة استهدفت التيارين الدستوري واليساري من طرف الإسلاميين، ولذلك أصبح من الضروري جدا تحييد الحرم الجامعي، سواء منوبة أو غيرها، عن التجاذب السياسي حتى لا تتحول جامعاتنا إلى مسارح عنف وعنف مضاد فيحدث المحظور، وحينها سنندم جميعا بعد فوات الاوان.
سيلجؤون إلى العنف في هذه الحالات… صدق بلعيد وهم كاذبون
“نحن بشر مجالنا النسبي، وتونس حديقة بمائة وردة وبمائة لون، نختلف ونتعدد داخل إطار مدني، سلمي، وديمقراطي”، على قول الشهيد شكري بلعيد، وفعلا بلادنا تتسع للجميع، ومن أجرم في حقها وحق شعبها يحاسب ويعاقب بتطبيق القانون، وليس بممارسة العنف الفكري أو الجسدي أو اللفظي، أو ليس العنف مهما كان نوعه وحجمه ومصدره وضحيته وجه من وجوه الإرهاب؟
في النهاية، على جميع الأحزاب وجميع الإيديولوجيات ألا تفقد البوصلة، خاصة وأن البلاد على قاب قوسين أو أدنى من الإنتخابات، إضافة إلى ذلك تونس لا تتحمل أي هزات أخرى إن لا قدر الله وقعت ستحرق بنارها الجميع يمينا ويسارا، ويبقى الوطن هو الخاسر الأكبر.
“سيلجؤون إلى العنف كلما زاد إختناقهم، كلما زادت عزلتهم السياسية، وكلما تقلصت شعبيتهم”: صرخة أخرى مدوية أطلقها الشهيد شكري بلعيد ذات يوم من 2013 قبل إغتياله بفترة قصيرة للتصدي لغول العنف الذي بدأت نيرانه تلتهم السلم الإجتماعي وقتها دون أن يدري أنه سيكون الضحية الأولى لهذا العنف.
قتل شكري بلعيد ذات غدر بوابل من الرصاص، ولكن برغم زخات الرصاص الهادر والخائن عاش وصدق بلعيد ومات قتلته وهم كاذبون.
“سيلجؤون إلى العنف كلما اقتربت الإنتخابات” : هذا الأمر ربما لم يذكره بلعيد، ولكن يبدو أن واقعة الحال، وقبلها حادثة الإعتداء على اجتماع الحزب الدستوري الحر في سيدي بوزيد، مؤشر خطير على عودة العنف السياسي تزامنا مع اقتراب موعد الإنتخابات، ووجب التصدي لدعاة وممارسي العنف والفوضى وردعهم بقوة القانون قبل فوات الاوان.
حمى الله تونس.
شارك رأيك