لو يخرج يوسف الشاهد إلى الناس ويفعل ما فعله بورقيبة، مطالبا وزراءه وكبار المسؤولين في أجهزة ومؤسسات الدولة بالكشف العلني عن مصادر ثرواتهم وخاصة تلك التي تضاعف حجمها مذ توليهم لمسؤولياتهم العليا، فسوف يقطع خطوة عملاقة على درب الشعبية والزعامة …
بقلم مصطفى عطية *
تناهى إلى مسامع الرئيس الحبيب بورقيبة من الثقاة المقربين منه أن وزير الخارجية محمد المصمودي يعتزم بناء مسكن ثالث له في المرسى فآستشاط غضبا وأرعد وأزبد وهو يولول، ملتاعا :”كيف لوزير أن يمتلك ثلاثة منازل في حين أن الأغلبية من أبناء الشعب غير قادرين على آمتلاك ولو نصف منزل؟!”، وللتأكد من حقيقة ما نقل إليه من معلومات دعا الوزير الأول الهادي نويرة إلى مكتبه وأمره بأن يبحث في المسألة ويوافيه بتقرير مفصل ودقيق لا يغفل عن شاردة أو واردة .
قصة بورقيبة مع المنزل الثالث لمحمد المصمودي
عندها، تدخلت وسيلة، بكل ثقلها، للدفاع عن صديقها الوزير، مبررة صنيعه بحرصه على السكن في منطقة قريبة من مقر السيادة في قرطاج، لأن منزليه الآخرين يوجدان بعيدا، الأول في مسقط رأسه مدينة المهدية، والثاني في ضاحية منوبة، لكن بورقيبة لم يقتنع بهذا التبرير وأمر زوجته بالكف عن التدخل في مسائل تهم سلامة الدولة وهيبتها.
غضبت وسيلة غضبا شديدا، وقيل انها هجرت منزل الزوجية في محاولة للضغط على بورقيبة حتى يتخلى عن إزعاج محمد المصمودي الذي يعتبر أحد أقرب المقربين منها وكاتم أسرارها.
لم يكترث الزعيم بما أتته زوجته، وهو الذي لا يطيق فراقها، ولكن المصلحة العليا للوطن، بالنسبة إليه، فوق كل إعتبار.
بعد بحث مطول أعد الهادي نويرة تقريره وضمنه كل المعلومات، ومنها، بالخصوص، أن منزل محمد المصمودي في المهدية، والذي ورثه عن والديه، يتكون من غرفتين صغيرتين وبيت إستحمام، وهو غير صالح، للسكن أما الثاني فهو عبارة عن شبه مسكن إجتماعي في أقصى ضواحي منوبة وغير مكتمل البناء مع صعوبة الوصول إليه بيسر لغياب الطرقات المعبدة.
عندما إطلع الزعيم على التقرير هدأ روعه، وسمح لمحمد المصمودي ببناء منزل في المرسى.
لم تمض أيام معدودات حتى قرر الرئيس بورقيبة إلقاء خطاب روى فيه الحكاية وقال بالخصوص : “أرفض أن يتباهى وزرائي بالبذخ على حساب الشعب “. وكان ذلك يوم غرة أوت 1973 قبل يومين من عيد ميلاده السبعين.
أين يوسف الشاهد من حملة الحرب على الفساد ؟
أردت التذكير بهذه المأثرة البورقيبية، في خضم الحرب على الفساد التي يقودها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وما يشاع عن تدخل بعض أصحاب النفوذ لحماية أتباعهم ومريديهم الذين سقطوا أو سيسقطون في الشراك الذي نصب لهم!
لا شك أن دعوة صندوق النقد الدولي لتونس، أخيرا، بمضاعفة الجهد في الحرب على الفساد يؤكد أن هذه المؤسسة المصرفية الدولية على يقين من أن الجهد منقوص والحملة تشهد محاولات تشويش وٱختراق وتعطيل !!!
كذلك الشأن بالنسبة للشركاء الأوروبيين والأمريكيين الذين يساندون الشاهد ويطالبون جميع الأطراف الفاعلة بتيسير مهمته، بقي إلى أي مدى يمكن ليوسف الشاهد أن يصل بحملته هذه على الفساد ، وهل له القدرة الكافية على الصمود أمام الضغوطات، ثم هل هو على استعداد لوضع مستقبله السياسي، بين مطرقة المطلب الشعبي الملح وشروط صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الصارمة ، وسندان اللوبيات الفاعلة والمؤثرة والنافذة في البلاد !؟
لو يخرج الشاهد إلى الناس ويفعل ما فعله بورقيبة، مطالبا وزراءه وكبار المسؤولين في أجهزة ومؤسسات الدولة بالكشف العلني عن مصادر ثرواتهم وخاصة تلك التي تضاعف حجمها مذ توليهم لمسؤولياتهم العليا، فسوف يقطع خطوة عملاقة على درب الشعبية والزعامة … فهل يفعلها ؟!
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك