الأحزاب المدنية في تونس مدعوة اليوم إلى خيار وحدة الضرورة لمواجهة المد التكفيري بكثير من الحكمة وبعد النظر ولعل الناخب اليوم مدعو لتحمل مسؤولية الحفاظ على الدولة المدنية وعدم تصديق الخطاب المخاتل والكاذب لحركة النهضة الإسلامية.
بقلم أحمد الحباسى *
في فم الناس مثل شعبي معروف “أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب”، لكن أقبح ما في حركة النهضة أنها تعلم أنها قد أصبحت قبيحة في عيون المشاهدين ولكنها تصر أن تتجمل و أن تتزوق كما يقول الإخوة في المشرق حتى تسر الناظرين دون جدوى.
أيضا لم تعد تكتفى الحركة الإسلامية بإطلاق الإشاعات لإحداث البلبلة في النفوس بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير بحيث أصبح مرشدها لا يتورع عن إفساح المجال للسانه السليط للإيحاء بكون حركة النهضة هي الدولة والدولة هي حركة النهضة وأن الحل والعقد لم يعد في مقر الحكومة بالقصبة بل تحول بقدرة قادر إلى مقر حركة النهضة في جهة مونبليزير، بتونس العاصمة، كانت النهضة تعتمد في حربها الإعلامية التضليلية على تسريب “الأخبار” المفبركة بحيث يمكنك أن تجد الخبر يتسرب من مصدر مجهول وقبل أن ينتهي يومك تفاجأ طبعا بصدور بيان ينفى الخبر ليخرج علينا مسؤول من الحركة في اليوم التالي ليؤكد أنه صحيح ولكن للأسف فقد تم إخراجه من سياقه.
لا تنصتوا لما تقوله قيادات الحركة فخطابهم البراق مغري لكنه كاذب
حركة النهضة تتقن فن وحرب إطلاق الإشاعات لكنها إشاعات طالما بحثنا عن أصلها وفصلها ونسبها دون جدوى، لذلك أنصحكم أن لا تنصتوا لما تقوله قيادات الحركة ومسؤولي قسم الشورى لديها ولا تتبعوا أقوالها في الإعلام و المنابر وحتى في دور العبادة أيام الجمعة على يد بعض غلاة الخطاب المتطرف لأن ذلك مضيعة للوقت وستكتشف عزيزي المتابع أنك ربما كنت من بين الذين انتخبوا هذه الجماعة بعد أن غرك خطابهم البراق وذلك الشعار الزائف المنمق “إسمعوا منا ولا تسمعوا عنا” الذي كان يكرره سيف الله بن حسين زعيم المجموعة الإرهابية أنصار الشريعة.
لقد قوضت حركة النهضة بخطابها المخاتل كل منسوب الثقة الزائدة الذي وضعه البعض فيها ولكن الأيام تكشف أن هذه الزمرة المتغطية برداء الإسلام لم تغتل معارضيها و مخالفيها فحسب بل اغتالت الدين وقوضته في نفوس العامة من البسطاء وفاقدي الإطلاع والتمييز الفكري والسياسي والديني، فإمعان هؤلاء القوم في احتكارهم للفهم الصحيح للقرآن و الإسلام أوصلهم إلى حافة هوة التكفير وجعل منهم غلاة التطرف الديني الغارق في خطاب العنف والكراهية بلا منازع.
خطاب المخاتلة والتعويم و إلباس الحق لبوس الباطل
لعل هناك من يظن أن ما يعتري خطاب حركة النهضة من مخاتلة وتعويم للمسائل وإلباس الحق لبوس الباطل هو مجرد خطأ عارض طارئ ولعل هناك من المغرر بهم من يظن أن قيادات الحركة لا تتخلى عن أقرب الناس إليها حين تتطلب مصلحتها الإنتهازية ذلك، فكثير من هؤلاء الذين انسلخوا عن الحركة في مراحل متعددة ومن بينهم الشيخ خميس الماجرى (الذي نحترز بالمناسبة على إتجاهه الفكري المتعصب) قد نطقوا بما عانوه من شيخ النهضة بالذات من نكران للجميل ومن سوء الظن بهم ومن تجاهل تام لما قدموه للحركة، لكن الشيء من مأتاه لا يستغرب فالشيخ هو سليل الإخوان و الإخوان عرفوا بنكران الجميل ولو عدنا قليلا لتقليب صفحات التاريخ وبالذات كتاب “الإخوان المسلمين، قراءة في الملفات السرية” لانتبهنا إلى رد الشيخ أحمد السكري المؤسس الأول للإخوان على الخطاب الموجه إليه من حسن البنا بغاية فصله من الحركة حين ذكر له بالحرف الواحد: “أنت لا تبالي بصيحات الأحرار بل عملت على إقصائهم الواحد تلو الأخر وأوجدت الدسائس والفتن والدعايات الباطلة لذلك من السهل جدا أن ندرك اليوم ما وصلنا إليه من تدهور واضطراب لا يخفيه هذا الطبل الأجوف والدعايات الفارغة التي تمتلئ بها “جريدة الإخوان” كل يوم.
المنجز الحضاري للدولة الوطنية يشكل نقيضا للدولة الإسلامية
ربما تريد حركة النهضة أن يظن البعض أنها تحمل مشروعا حضاريا أو تكتنز خبرة السنوات الطويلة لتقديم إكسير الحياة للإقتصاد أو التعليم أو الثقافة فهذا وهم من الأوهام كما يقول الكاتب و الصحفي الأستاذ المرحوم الهاشمي الطرودى لأن المنجز الحضاري الذي تفتخر به القوى الوطنية والديمقراطية يشكل نقيضا للدولة الإسلامية، إن الحركات الإسلامية ومن بينها حركة النهضة طبعا تعتبر الدولة الوطنية المعاصرة مشروعا إستعماريا تغريبيا يعادى الإسلام.
إن مشروع حركة النهضة ليس الإصلاح و دمقرطة الدولة بل تغيير طبيعتها من دولة مدنية إلى دولة “دينية” متطرفة الفكر وغاية الحركة طبعا هو هدم الدولة المدنية القائمة لتبني مكانها دولة مشروع الإسلام السياسي المشبوه بديلا عن الدولة الديمقراطية.
لقد ركزت الحركة جهودها للهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسسات القطاع العام عبر زرع نشاطها وأنصارها في مختلف هذه الدوائر المفصلية بقصد إتلاف كل مكاسب التجربة الوطنية منذ الإستقلال وهذا التوجه التدميري لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مشروعا حضاريا متحضرا لحزب مدني أراد مرشده في مؤتمره العاشر الأخير إقناع المتابعين والمشككين بكونه قد تخلى عن عباءة الإرهاب وتطرف الفكر لصالح متطلبات الفكر المدني الديمقراطي.
الخوف على مصير النمط المجتمعي الوسطى في ظل تنامي الفكر المتطرف
لقد سعت حركة النهضة لفترة طويلة و لا تزال إلى إقناع التونسيين بأن تعالى أصوات المحذرين من خطر وصولها إلى الحكم ليس إلا فزاعة استخدمها نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على لمنع حدوث تغيير سياسي سلمى ديمقراطي في البلاد لكن تبين منذ صعود الحركة للحكم إثر إنتخابات 2011 المشبوهة النتائج إستغلال حركة النهضة للفراغ وملئه بأعوانها التكفيريين وأزلام الفكر الوهابي المتطرف ودعاة تأصيل فكر العنف والإنقسام والكراهية بحيث تحولت مساحة البلاد طولا وعرضا إلى ساحة نزال بين الفكر المتطرف العنيف وبين الأغلبية المتمسكة بالخيار المجتمعي الوسطى البورقيبى.
يتحدث الجميع اليوم بكثير من الريبة عن مصير النمط المجتمعي الوسطى في ظل تنامي الفكر المتطرف ويفصلون بأن الحركة قد تمكنت للأسف من شق هذا الصف بزرع كثير من المنتسبين إلى فكر الإخوان المتطرف و يؤكد البعض أنه عندما يتوفر المال المشبوه بالشكل المطلوب سيصبح هذا التنظيم أقوى ولن يكون هناك مكان لاستمرار المسار الديمقراطي المتعثر بل ستعمل الحركة هذه المرة على الإنقلاب النهائي على هذا المسار و بسط سلطتها “الدينية” على كامل أوجه الحياة مستعينة بكل الأبواق الناعقة التابعة للإخوان وبما توفره قطر وتركيا من غطاء مالي غير محدود.
لعل الأحزاب المدنية مدعوة اليوم إلى خيار وحدة الضرورة لمواجهة المد التكفيري بكثير من الحكمة و بعد النظر ولعل الناخب اليوم مدعو لتحمل مسؤولية الحفاظ على الدولة المدنية.
- محلل سياسي.
شارك رأيك