الدولة التونسية صادقت على جميع الإتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق المرأة وشرعت لقوانين ريادية تحفظ كرامتها وتحميها من جميع أشكال العنف المسلط عليها لكنها لا تبدي إرادة سياسية حقيقية لتطبيق القوانين والتدخل السريع والناجع لوضع حد للإفلات من العقاب والتستر على الفاسدين في مجال الإستغلال الفاحش للعاملات في المجال الفلاحي.
بقلم نجاة الزموري *
يوم 14 أكتوبر 2016، أمضى كلّ من وزارة المرأة والأسرة والطفولة والإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، بروتوكول إتفاق لوضع كراس شروط ينظم نقل العمّال والعاملات في القطاع الفلاحي ونصّ الإتفاق على مباشرة إعداد كراس شروط ينظّم نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي، وإحداث لجنة ترأسها وزيرة المرأة وتتركب من أعضاء ممثلين عن المنظمات الوطنية والهياكل الحكومية المعنية ويعهد إليها إعداد كراس الشروط.
ومن أهم بنود الإتفاق إلتزام اللّجنة بتقديم أشغالها في أجل أقصاه شهرا من تاريخ إمضاء هذا البرتوكول.
بقيت الإتفاقية حبرا على ورق
يأتي هذا الاتفاق على خلفية تتالي الحوادث المرورية التي ألحقت بالعاملات الفلاحيات إصابات متفاوتة الخطورة. لكن بقيت الاتفاقية حبرا على ورق وخضعت كغيرها من الإتفاقيات الى المزايدات السياسية ولم تبدي وزيرة المرأة أي إستعداد لتفعيلها، وفي المقابل تواصلت حوادث المرور المتعلقة بنقل العاملات الفلاحيات، فبعد سنة بالتمام والكمال من إبرام الإتفاقية أسفر حادث مرور بمنطقة الشوامخ التابعة لمعتمدية بوحجلة عن إصابة عدد من عاملات الفلاحة إصابات متفاوتة الخطورة بينما كن على متن شاحنة في طريقهن إلى إحدى الحقول الفلاحيّة لجمع محصول الفلفل، وتلاه يوم الاثنين السادس عشر من نفس شهر أكتوبر 2017 حادث إصطدام شاحنتين كانت تنقل عاملات فلاحة من معتمدية نصرالله باتجاه المنطقة الخضراء ببوحجلة أصيبت من جرائه 36عاملة.
عدم مبالاة من أجهزة الدولة وغياب جدي للرقابة
وفي غياب إرادة سياسية حقيقية لتطبيق القوانين والتدخل السريع والناجع لوضع حد للإفلات من العقاب والتستر على الفاسدين، تعددت أوجه الإستغلال الذي تتعرض له آلاف النساء العاملات يوميا الذي يمارسه الفلاحون وسماسرة النقل غير المنظم وتفاقمت ظاهرة التمييز القائم على أساس النوع الإجتماعي، بالإضافة إلى الأخطار المهنية المحدقة بهن كتعرضهن للتحرش الجنسي والإغتصاب و تشغيل الأطفال كل ذلك وسط عدم مبالاة من أجهزة الدولة وغياب جدي للرقابة.
فساعات العمل في القطاع الفلاحي تمتد من الساعة الرابعة والنصف صباحا إلى حدود الخامسة مساء، وهي فترة تتجاوز مدة العمل المسموح بها في القانون الذي ينص على تسع ساعات يوميا كما جاء في مجلة الشغل التي تؤكد على أن عدد ساعات العمل بالمؤسسات الفلاحية محدد ب 2700 ساعة عمل في السنة باعتبار ثلاث مائة يوم عمل وتقر بحق العامل في راحة أسبوعية علاوة على تحملهن أعباء الأشغال المنزلية فالنساء في الأرياف يقبلن بالعمل الفلاحي الشاق رغم دخله الضعيف وأجوره البائسة مقابل تزايد تخلي الرجال عن العمل الفلاحي فهن يمثلن بذلك قوة عمل في المجال الفلاحي تساوي %76 ورغم ذلك فإن نسبة النساء الريفيات اللاتي يملكن دخلا خاصا بهن لا يفوق ال %20 مقابل %60 من الرجال.
الإستغلال الفاحش والإهانة المتكرّرة للعاملات الفلاحيات
ولأنهن لا يطالبن بأجرة عالية ويسكتن رغم الإستغلال الفاحش وإهانة المشغل المتكرّرة، وفي غياب رقابة الدولة وتنظيم القطاع وتمادي ظاهرة الإفلات من العقاب نجد المشغلين المتربصين بالطاقات النسائية يتهافتون على العاملات دون إعتبار السن أو البنية الجسمانية أو حتى المستوى العلمي لبعضهن.
فترى بين الملثمات طالبة أو خريجة جامعية إنتهى بها المطاف إلى العمل بتلك الطريقة راضية بالنزر القليل، بعد أن سدت أمامها سبل التشغيل مدفوعة دفعا للذل والمهانة لما تشهده من فقر وفاقة واحتياج في دولة صادقت على جميع الإتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان والمرأة وشرعت لقوانين ريادية تحفظ كرامتها وتحميها من جميع اشكال العنف المسلط عليها.
* عضوة الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك